ما قل ودل: السوشيال ميديا وسؤال مشبوه مصرياً وعربياً وإنسانياً
يتأسى الجميع من وسائل التواصل الاجتماعي عبر السوشيال ميديا، وما تحمله من أكاذيب في كثيرٍ من الأحيان، وتضليلٍ في أحيان أخرى، وتشويه السُّمعة، وتزييف التاريخ، وأن هذه التغريدات المزيفة والمثيرة للكراهية أحياناً قادرة على نشر هذا كُله على أوسع نطاق بعوامل الإثارة التي تُحدثها في النفوس، وتتناقلها بعد ذلك الألسنة، وتُضيف إليها ما يؤجِّج المشاعر أكثر، وقد يؤدي إلى الفتن والمصائب والكوارث، وربما إراقة الدماء، ومسؤولية هذا كله لا تقتصر على الشركات المالكة لتلك القنوات، بل تشاركها في هذه المسؤولية الحكومات.
وأعتقد اعتقاداً راسخاً بأن الوعي المجتمعي قادر على كبح جماح هذه الظاهرة الخبيثة، إذا توافرت لدى المجتمعات العربية الشفافية والعلنية، وألا تُخفى الحقائق عن الناس خلف جدران مغلقة، والمتابعة الدقيقة من أجهزة الإعلام وأجهزة الثقافة والأمن لما يُنشر قبل أن يستفحل داء هذه الظاهرة ويصل المجتمع إلى حافة الهاوية في السقوط بمستنقع اللاوعي واللاعقل.
وقد نشر أحد المغردين سؤالاً مشبوهاً في مصر، هو: هل أنت مع إيران أم مع إسرائيل؟
الشعب المصري، بكُل فئاته وألوانه وأطيافه، يرفض التطبيع مع إسرائيل، رغم معاهدة السلام المعقودة بين مصر وإسرائيل، ذلك أن هذه المعاهدة كانت الخيار الوحيد والصعب بعد عقود من الزمن سالت فيها دماء المصريين في سيناء وعلى أرض فلسطين الحبيبة منذ حرب 48 التي كانت فخاً للدول العربية، وقد كان معظمها مُحتلاً من بريطانيا أو تحت الانتداب الفرنسي، والسلاح الذي كان مع الجيوش العربية كان سلاحاً غربياً.
وقد تمخَّضت هذه الحرب وأوزارها في مصر عمَّا يُعرف بقضية الأسلحة الفاسدة التي زوِّد بها الجيش المصري، وكان يقود الجيش الأردني والعراقي جلوب باشا، الجنرال البريطاني الذي كان قائداً للجيش الأردني، في حين كانت العصابات الصهيونية قد تمكَّنت في فترة الانتداب البريطاني من بناء قوة عسكرية كبيرة، ومن إنشاء صناعات عسكرية في أرض فلسطين. ومع ذلك، وخلال أسبوع واحد من بدء القتال، حققت الجيوش العربية انتصارات كبيرة لم يتوقعها النظام العالمي الذي أنشأ إسرائيل بقرار التقسيم الصادر في نوفمبر 1947 لتكون مخلب قطٍ له وقاعدته العسكرية المتقدمة، فتحرَّك النظام العالمي بقرار أصدره مجلس الأمن بوقف القتال بعد أسبوع واحد من بدئه، حتى يتمكَّن الصهاينة من تزويد قواتهم «الهاغاناه» بالسلاح، وحتى يتمكَّن اليهود والمغامرون من شتى أنحاء العالم من الانضمام إلى العصابات الصهيونية، ثم كان العدوان الإسرائيلي- الفرنسي- البريطاني على مصر في عام 1956 عقب تأميم قناة السويس.
وقد وقعت مصر وسورية في خدعة كبرى من النظام العالمي الدولي عام 1967 لتمكين إسرائيل من القيام بحُرية المباغتة والقضاء على الطيران المصري والسوري واحتلال الجولان وسيناء، ثم كانت حرب أكتوبر ۱۹۷۳، التي عبر فيها المصريون قناة السويس، بعد سد أنابيب النابالم في الجهة المقابلة، وحطَّموا خط بارليف، وأصبح هذا النصر يُدرَّس في الأكاديميات العسكرية، كما كان نصراً عربياً، بالكتائب العربية التي وفدت إلى مصر لتشارك القوات المصرية حربها، وبالبترول العربي الذي تم قطعه عن الغرب.
وخلال هذه الحروب توقفت التنمية في مصر، بسبب نفقات الحرب الباهظة، التي تكبَّدتها، رغم العون المادي الذي قدَّمته لها دول الخليج.
وجدير بالذكر، أن مسؤولاً كبيراً أوروبياً زار مصر وإسرائيل بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، فقابل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ووجَّه إليه سؤالاً هو: ما موقفك من إسرائيل؟ فأجابه الرئيس الراحل: إنني مهتم أصلاً وأساساً بتنمية مصر.
وكانت محطة المسؤول الأوروبي الثانية هي إسرائيل، حيث قابل رئيس وزراء إسرائيل وقتئذ، وكان معه مناحيم بيغن وغولدا مائير، فقال لهم هذا المسؤول: معي خبر سيسعدكم، فسألوه ما هو؟ فأجابهم بما قاله الرئيس الراحل له، فإذ بهم يقولون له في وقت واحد: هذا خبر مؤلم ومحزن لإسرائيل. والواقع أن إسرائيل أثبتت ذلك منذ إنشائها، فهي لا تستطيع أن تعيش مع جيرانها في سلام، لأن من بين أحد أسباب إنشائها في فلسطين، أن تبقى بلادنا متخلفة تستورد كل حاجياتها من الغرب الرأسمالي.
لأن الهدف من الحرب الإسرائيلية على إيران، ثم الضربة الأميركية للمنشآت النووية الإيرانية ليس القضاء على الحلم النووي لإيران، بل الحيلولة دون حلم قيام إمبراطورية مسلمة على غرار الإمبراطورية العثمانية، التي سقطت في الحرب العالمية الثانية.
والواقع أن تجاربنا مع الإمبراطورية العثمانية، بل ومع الدولة العباسية والدولة الأموية، كانت مؤلمة وحزينة للتمييز العنصري في هذه التجارب الثلاث، فضلاً عن انحراف هذه التجارب عن الهدف من الفتوحات الإسلامية، وهو نشر الدِّين، إلى حروب استعمارية لم يطبَّق جوهر الإسلام فيها، وهو أن يكون الحُكم ديموقراطياً، وقد صدر أمر إلهي بهذا الحُكم في قوله تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ»، وفي نشر مبادئ الإسلام، وهي: العدل، والحُرية، والإخاء، والمساواة، ولو طُبِّقت هذه المبادئ، وحُكمت هذه البلاد التي فتحها المسلمون ديموقراطياً، لأسلم العالم كُله.
وجدير بالذكر أن 3.5 ملايين عربي يُقيمون بمحافظة خوزستان بإيران، وعاصمتها الأهواز، كما تمتد حدودها مع حدود بعض الدول العربية، حيث يحدها غرباً العراق، وجنوباً الخليج العربي وخليج عمان، ويعتبر من مواطنيها البلوش والأكراد والتركمان، وتجاور دولتين إسلاميتين هما باکستان وأفغانستان.
وهي كذلك دولة مسلمة تجمعنا بها رابطة الدِّين، والهدف من هذه الحرب الإسرائيلية القذرة هو تغيير خريطة الشرق الأوسط، للمزيد من استنزاف ثروات وإمكانات الأمة العربية وثرواتها في حروب وبأسلحة تستوردها من الدول الاستعمارية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وإسرائيل هي التي تُباشر الأعمال القذرة لأميركا.
وهو سؤال مرفوض إنسانياً، بسبب حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزة، وهي الحرب التي استشهد فيها حتى الآن ما يقرب من 60 ألف شهيد، وأكثر من ضعف هذا العدد من جريح أو مفقود، ومنهم الأطفال والنساء والشيوخ، كما تجري في هذا الوقت حرب تجويع وتشريد وتهجير مصاحبة لعمليات القتل العشوائي للمدنيين، الذين تجمَّعوا للحصول على لقمة يسدون بها رمقهم، أو شربة ماء يروون بها عطشهم، من القوافل الإنسانية المحدودة التي تقوم بها شركة أميركية، وقد لا يمكن أن تنسى الشعوب العربية مواقف إيران من القضية الفلسطينية بوجهٍ عام على مدى العهود السابقة منذ قيام الثورة الإيرانية على الشاه وعزله، فضلاً عن مواقفها الرائعة من حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في غزة.
هل بعد هذا كُله يمكن لإنسان أن يكون مع إسرائيل في هذه الحرب الإسرائيلية - الإيرانية؟!