بالمختصر: حين يضيع العقل بين زجاج معتم وصدى أجوف

نشر في 04-07-2025
آخر تحديث 03-07-2025 | 18:56
 د. فهد إبراهيم الدوسري

في زمانٍ ضجّ بالصوت... وغاب فيه الصدى، أصبح من السهل أن تلتقط أذنك معلومة، ومن الأصعب أن تميّز: هل هي حقٌّ أم وهمٌ مصقول؟ لم نعد نبحث عن المعرفة... بل عن الإبهار، ولا نطلب الفهم... بل نقتات على الفتات اللامع مما يقال تداخلت في هذا العصر الوجوه والمعارف والمصادر، وامتزج الصادق بالكاذب، والعالم بالممثل، والمُدقق بصانع المحتوى.

صار العقل كقصرٍ بلا بوّابة، يدخله كل طارق... دون سؤال: من أنت؟ وماذا تريد؟ كثيرون يمشون على الماء ويحسبون أنهم يسبحون، لكنهم لم ينظروا تحتهم ليروا أنهم فوق زجاجٍ معتم، يعكس أوهامهم... لا أعماقهم. ومنهم من يظن نفسه رباناً، وهو لم يُمسك دفّة الفكر يوماً، بل اكتفى أن يردد ما يقوله من حوله، كما يردّد الوادي الصدى.

إن أخطر ما أصاب هذا الزمان، هو ظنّ الناس أن كل من تكلّم... قد عَلِم، وأن كل ما جرى في المقاطع القصيرة... يُغني عن الكتب الطويلة، وأن «الترند» هو الحُجّة.

فقل لعقلك: قصّر من فتوحه، واحكم بوّابته. ولا تدخله ثرثرةً تشبه الفِكر... وتقتل العمق.

اجعل من بصيرتك مرآة، ومن سؤالك مصباحاً، ومن نقدك مرشداً، فالعقل لا ينجو من الغرق... إلا إذا عرف متى يصمت، ومتى يسأل... ومَن يسأل.

قصرك عقلك فاحفظ قصرك لا تدخله ثرثرة تبني شكلا تغريك بأنك آية عصرك فسفينتك في بحر لجي مظلم، والشكل زجاجي معتم، واجعل من عقلك رباناً يهديك إلى قصدك.

back to top