عندما تصنع «الأخبار الكاذبة» الحدث
أظهر بيت هيغسيث، الإعلامي السابق، ووزير الدفاع الأميركي الحالي، أن وجوده في منصبه ليس بلا جدوى. ففي مؤتمره الصحافي الأخير، قدّم ما كان يسميه المذيع الإذاعي بول هارفي «بقية القصة».
القضية تتعلق بتقرير أوّلي، هزيل ومليء بالتشاؤم، صادر عن وكالة استخبارات الدفاع (DIA) بشأن الضربات الجوية الأخيرة ضد إيران. التقرير جرى تسريبه بسرعة، رغم توافر معلومات أكثر دقة عن نجاح المهمة.
أتساءل هنا: هل أُعد هذا التقرير من الأصل ليتم تسريبه؟
هيغسيث، في انفعال مبرر، هاجم ما سماه «الأخبار الكاذبة»، متهماً وسائل الإعلام بالسعي المستمر إلى «التحريف... التحريف... التحريف»، لتصوير الضربات وكأنها فاشلة، فقط لأنها جاءت بأمر من دونالد ترامب.
وكان محقاً في نقطة أخرى: هذه القصص ليست نتيجة تحقيق صحافي حقيقي، بل هي نتاج لمصادر مسربة تعرف جيداً أن الصحافيين لن يحرجوها أو يفضحوها حتى لو ثبت كذبها.
استحضرتُ هنا مثالاً صارخاً منذ عام 2022 عندما نشرت «نيويورك تايمز» تقريراً نسبته لمصادر مجهولة، زعمت فيه أن بايدن انتقد وزير العدل لعدم تسريع ملاحقة ترامب قضائياً.
هنا كان على الصحيفة أن تطلب تأكيداً أو نفياً مباشراً من البيت الأبيض. كان من حق القراء معرفة هل الرئيس فعلاً قال ذلك؟ أم أن أحد مساعديه يسرّب هذا الكلام للضغط على وزارة العدل؟ أم أن القصة مختلقة بالكامل؟
لكن بدلاً من ذلك، اكتفت الصحيفة بتصريح من متحدث رسمي يقول إن بايدن فخور بوزير العدل ولا يتدخل في التحقيقات، مما سمح لها بمواصلة لعبة «الإنكار المقبول».
حتى بعد ذلك، واصلت «التايمز» تكرار عبارة «لا يوجد دليل» على تدخل بايدن، بينما تجاهلت أن قصتها الأصلية كانت هي الدليل الوحيد المزعوم.
والنتيجة؟ اندفعت التحقيقات ضد ترامب بوتيرة مُبالغ فيها، وانتهى الأمر إلى فقدان مصداقيتها لدى الناخبين، حتى استهداف ترامب لم يسعف بايدن في حملته لولاية ثانية.
اليوم، يعيد هيغسيث التحذير: الخطر الأكبر ليس مجرّد تقارير مغلوطة... بل أن تصبح تلك التقارير نفسها محركاً لصناعة الأحداث والقرارات.
ربما يكون هذا هو الدرس الحقيقي من عصر «الأخبار الكاذبة».
* هولمان دبليو. جينكينز الابن