المسرح السياسي...

نشر في 29-06-2025
آخر تحديث 28-06-2025 | 20:32
 الجازي طارق السنافي

خَفَتَ في السنوات الأخيرة صوت المسرح السياسي، واختفى - تقريباً أو كُلياً- عن الساحة الفنية والمسرحية الكويتية، لكن ولمَنْ لا يعرف، لم تتأسس الكويت وتُعرف كدولة نفطية فحسب، بل كانت منارة ثقافية وفنية فاعلة في المنطقة، حملت على خشبات مسارحها هموم الناس، وسخَّرت الفن ليكون مرآة للواقع، وأحياناً سلاحاً ناعماً في وجه الظلم والفساد. ومن بين أبرز تجليات هذا الفن، برز المسرح السياسي، الذي لم يكن يوماً مجرَّد ترفيه، بل منصة لقول ما لا يُقال بشكلٍ ذكي وترفيهي. ويعود تأسيسه الرسمي إلى عام 1961 مع إنشاء «فرقة المسرح العربي»، تلتها فرق، مثل: «المسرح الشعبي»، و«المسرح الكويتي»... إلخ. وقد كان المسرح منذ بداياته مُتنفساً للناس، يلامس قضاياهم الاجتماعية والسياسية، وله جمهوره الغفير.

المسرح السياسي لم يكن ترفاً، بل وثَّق وتناول مراحل سياسية حرجة في الخليج والمنطقة. وثَّق الغزو، والانقلابات، وأزمات النفط، والفساد الإداري، وقضايا الاقتصاد، والإسلام السياسي، وقضايا، مثل: الانفتاح، والانعزال، وحتى قضايا مثل المثلية، وتأثيرها على المجتمع، وغيرها.

كان المسرح السياسي نبض الأمة، ووعي الناس، حتى إنه كان محط اهتمام من قِبل القيادة السياسية، والتي كانت متابعة للمسرحيات، وتحرص على حضورها، لما له من دور مهم في نشر القضايا المجتمعية والإقليمية، خصوصاً مع تصاعد الوعي السياسي الخليجي إبان السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات.

لا يمكن الحديث عن المسرح السياسي الكويتي من دون الوقوف عند قامة فنية كبيرة مثل عبدالحسين عبدالرضا، الذي قدَّم نماذج حقيقية للمسرح الذي لا يهادن، بل يواجه الواقع بجرأة وسخرية، ويطرح أسئلة الشارع وقضاياه على الخشبة، والتي لاتزال إلى يومنا هذا تحاكي الواقع والزمن، و«يا ليتها» تتكرَّر بزمننا!

يبقى السؤال: لماذا اختفى المسرح السياسي؟

هل هناك نقص في النصوص الجريئة ولم يعد هناك كُتاب يمتلكون الجرأة أو المساحة لطرح موضوعات سياسية حقيقية؟ أم بسبب الرقابة المفرطة، التي لم تعد تكتفي بمراجعة النصوص، بل باتت تخنق الفكرة قبل ولادتها؟ أم هناك تحوُّل في نوع الجمهور واهتمامات الجيل الجديد، والتي تعتمد على عروض العيد والتسلية الفورية؟ أم غياب الرموز وجيل الرواد؟ أم الخوف من المحاسبة؟ أم جميع ما سبق؟

نحن اليوم بحاجة إلى عودة المسرح السياسي، لا للتأليب أو التأزيم، بل -لنقُل- للتوثيق.

المسرح السياسي ليس خطراً على الدولة، بل ضمانة لاستمرار النقاش العام داخل فضاء فني راق.

بالقلم الأحمر:

هل نرى قريباً مَنْ يعيد بريق المسرح السياسي؟ وهل ستسمح الرقابة بولادته من جديد؟

back to top