مرافعة: الرسوم وحق التقاضي!

نشر في 26-06-2025
آخر تحديث 25-06-2025 | 20:42
 حسين العبدالله

في الوقت الذي أعلن فيه مجلس الوزراء تعديل أحكام قانون الرسوم القضائية على نحو زيادتها على الراغبين في رفع الدعاوى والمطالبات القضائية بنسب قد تصل إلى 500 بالمئة في قيمة بعض الطلبات عن الرسوم المقررة حالياً، وذلك بعدما أرجعت المذكرة التفسيرية للقانون، الذي ينتظر نشره في الجريدة، إلى أن صدوره يأتي لضمان جدية التقاضي أمام المحاكم. وبقدر ما يحسب للحكومة إعادة النظر في قيمة الرسوم القضائية الصادر عام 1973 لما يعكس جدية التقاضي إلا أن قيمة تلك الزيادات المقترحة قد تتسبب في عزوف المتقاضين، واتخاذ طريق القضاء حال الرغبة في اللجوء إلى حق التقاضي. وكنت أتمنى من وزارة العدل، وهي في سبيلها لاقتراح أمر الزيادة، أن تعمد على تحقيق فكرة التوازن بما يعكس فكرتي الجدية وضمان حق التقاضي معا لا الجدية وحدها في سياقة أفكار هذا التعديل الذي قد يتسبب في تعطيل حق التقاضي لانطوائه على قيد سداد الرسوم التي حددها القانون على نحو مرهق للراغبين في اللجوء إلى القضاء.

وسبق الإشارة في مقال سابق عند تناول قضية زيادة قيمة رسوم الكفالات أمام محكمة التمييز التنبيه على خطورة أن يكون اللجوء إلى القضاء مقصوراً على فئة المقتدرين فقط مالياً، ما قد يتسبب في إضعاف فكرة اللجوء إليه من قبل محدودي الدخل على الرغم من كونه حقاً يتوجب على المشرع أن يجعله ميسوراً ومتاحاً للكل، ويصعب وفق التقديرات المنشورة من تلك القيم التي وردت في مشروع القانون أن يكون ميسوراً إلا لأصحاب الدخل الميسور.

وبينما أغلق المشرع طريق اللجوء إلى القضاء إلا بعد سداد الرسوم التي أشار إليها، لم يسمح بفتح طرق أخرى لنيل الحقوق عدا طريق القضاء، وكان يتعين على المشرع في موازاة رفع الرسوم أن يفتح طريق اللجوء للتسوية والتوفيق الودي أو تحت إشراف القضاء، بما يجعل للمتقاضين الحق في تسوية أنزعتهم خارج رحم المنظومة القضائية وعلى نحو أسرع وأوفر من طريق اللجوء إلى القضاء الذي بات طويلاً ومكلفاً، نظراً لما تسبّب به واقع الحال في ارتفاع معدلات القضايا والمطالبات. وفتح طريق التسوية والتوفيق سيقلل من فكرة اللجوء إلى القضاء لاسيما في المنازعات التجارية والمدنية، والتي غالباً ما يعمد المتقاضون فيها على رغبة إنهاء أنزعتهم على نحو سريع وبأقل التكاليف.

في الختام، أتمنى من المشرع الكويتي أن يراجع الرسوم المقررة في قانون الرسوم المزمع صدوره، وينتظر النشر في الجريدة على نحو ينظر فيه إلى فكرة ضمان حق اللجوء إلى القضاء، والبعد عن فكرة المغالاة، فدعوى إحالة عقار بين ورقة لم تكن تتجاوز قيمتها 10 دنانير أصبحت قيمتها 500 دينار، ودعوى طلب المستعجل كانت بقيمة ثلاثة دنانير أصبحت بقيمة 50 ديناراً، واشكال كان بقيمة 33 ديناراً أصبح بقيمة 150 ديناراً، وكان المشروع يوصي برسالة رفع الرسوم القضائية، لأن هناك تكدساً وتساهلاً في اللجوء، فيرغب في ذلك التقرير بالتقليل من ذلك الحق، وقصره على من يقرر دفعها، ومن جانب آخر سيتسبب ذلك في حرمان العشرات، وربما المئات من حقهم في التقاضي، نظراً لارتفاع تلك القيم المالية، علاوة على ما طال باقي أنواع الدعاوى والمطالبات من رسوم، أقل ما يقال عنها مبالغ فيه إلى حد لا يسمح بممارسة حق التقاضي، وهو ما يتعين معه التفكير جلياً بقيمتها.

أخيراً لم يحسن المشروع بتقريري تطبيق أحكامه فور نشره في الجريدة دون تحديد مدة انتقالية أو زمنية حال التشريعات الإجرائية الأخرى، وهو أمر قد يتسبب في ربكة تطبيق التشريع وأخطاء الموظفين المعنيين بتحصيل الرسوم والمتقاضين في قيمة سدادها.

back to top