رياح وأوتاد: واقع قديم تجدد... وجديد في المواجهة
منذ البداية، أي بعد إعلان نتائج الضربة الأولى المباغتة التي قام بها الصهاينة على إيران وتدمير كثير من منشآتها الدفاعية والنووية، واغتيال كبار قادتها العسكريين وعلماء الذرّة بعمليات تجسسية مفاجئة، كتبتُ أن واقع إيران اليوم ذكّرني بهزيمة 67، وذلك عندما بدأ الصهاينة الضربة الأولى، وكانت الدول العربية مخترقة أمنياً وجاسوسياً، بينما كانت الإذاعات العربية، وعلى رأسها أحمد سعيد، يملأون الآذان بالنصر وبالتهديدات الفارغة، وهذا كله تكرّر اليوم في إيران.
وفي سبيل الالتزام بالموضوعية، كتبتُ أن إيران تم إخراجها وتقليم أظافرها في لبنان وسورية، وتم تحييد حليفها في اليمن، فهي لم تستطع حتى الدفاع عن حلفائها، وكان واضحاً أن حلفاءها من الدول الكبرى لا يشاركونها أهدافها المعلنة، فتركوها تتلقى الضربات وحدها، فكانت النتيجة واضحة، رغم إطلاق إيران الصواريخ البالستية على تل أبيب وحيفا، لأن آثارها كانت أقل من أن تؤدي إلى تغيير في نتيجة المعركة.
وبعد أن أمر ترامب بضرب أكبر المفاعلات الإيرانية تحصيناً بالقنابل التي تُستخدم للمرة الأولى، لم يكن أمام طهران إلا القبول بوقف الحرب، بعد أن خسرت الكثير، فكان أهم شيء هو المحافظة على النظام وما تبقّى من عناصر القوة.
فوافقت على استسلام يحفظ ماء الوجه، وتم ترتيب عملية ردّ باهتة على قاعدة العديد في قطر، ليتم انتهاء الحرب بشكل يحفظ ماء الوجه، ولأن أميركا لا تريد أن تخسر إيران، لأن لها مصالح مستقبلية كبيرة معها، وهي تخطط لتحويلها إلى صديق.
وقد ساهم ترامب في حفظ ماء وجه إيران بالثناء والشكر والدعاء لها بحلول البركة من الرب، أما قبول الصهاينة بوقف الحرب فمفهوم، لأنهم قد حققوا معظم أهدافهم.
ولا أستبعد أن يفرض الصهاينة وأميركا شروطاً صارمة على إيران بشأن السلاح النووي وتهديد إسرائيل، خصوصاً أن وزير خارجية إيران ألمح إلى الموافقة على ذلك.
وعلى الطريقة العربية، وعلى حد تعبير توفيق الحكيم في كتابه «عودة الوعي»، صرخت النعجة التي كانت على وشك الذبح: انتصرنا... انتصرنا!
رؤيتنا للوقائع يجب أن تكون مجرّدة وموضوعية، وليست عاطفية أو طائفية.
وبعد هذا الواقع الآن، يجب أن ينتبه الجميع إلى الخطر الكبير المتمثل في انفراد الصهاينة بالمنطقة، بدعم من أميركا، وحتماً سيبدأون - أو بدأوا فعلاً - بتهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم وبناء المستوطنات وقتل كل مَن يعترض أو يقف ضد توسّعهم، وتهويد القدس بشقيها إلى الأبد، ونشر «الإبراهيمية» وإجبار الدول العربية على التطبيع ومسح عداوة الصهيونية من مناهج التعليم، والتسليم لهم بأرض فلسطين وغزة والضفة الغربية والجولان وغيرها، مما سيشكّل إسرائيل الكبرى، فماذا ستفعل الدول العربية والإسلامية في هذا الواقع الجديد؟!