حرب الـ 12 يوماً تنتهي بوقف نار من دون رابح

• ترامب يفرض الهدنة ويتواجه مع نتنياهو ويرفض تغيير النظام الإيراني
• طهران «تتأسف» وقطر تعبر عن حرصها على العلاقة رغم الندوب
• «الوزاري الخليجي» يجتمع في الدوحة للتضامن وإدانة السلوك الإيراني

نشر في 25-06-2025
آخر تحديث 24-06-2025 | 21:35

شهدت الساعات الأخيرة بعد الاعتداء الإيراني السافر على قطر تطورات دراماتيكية، وانتقلت المنطقة في وقتٍ قصير من احتمالات الحرب المفتوحة وخطر الإشعاع النووي، إلى وقفٍ لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران من دون رابح، فرضه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأشرف شخصياً على ضمان تنفيذه، بعد أن شهدت الساعات الأولى تذبذباً في التزام الطرفين انتهى باحترامهما للاتفاق.

وكان لافتاً الضغط العلني الذي مارسه ترامب، للضغط على إسرائيل لوقف هجومٍ قالت تل أبيب إنه رد على سقوط صاروخ إيراني بعد سريان وقف النار، ونفت طهران مسؤوليتها عنه. وطلب ترامب بغضب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إعادة مقاتلات إسرائيلية كانت متجهة لقصف طهران، وانتهت رحلتها بقصف رمزي على رادار في العاصمة الإيرانية.

ووسط غموض حول الشروط التي انتهت بها الحرب، وإذا كانت واشنطن قد حصلت على تعهدات إيرانية حول استكمال المفاوضات وتقديم تنازلات تلبي المطالب الأميركية، انتقل ترامب إلى ضفة سياسية مختلفة تماماً، وعبّر عن رفضه أي تغيير للنظام في إيران لأنه «يسبب الفوضى»، وأبدى ثقته بأن الإيرانيين لن يعيدوا بناء منشآتهم النووية، منتقداً مجدداً التقارير والتقييمات التي أشارت إلى أن «عملية مطرقة الليل»، التي نفذها الجيش الأميركي ضد 3 منشآت نووية إيرانية، لم تدمر البرنامج النووي الإيراني.

وأتاح الطابع غير الحاسم لحرب الـ 12 يوماً لكل من الطرفين ادّعاء تحقيق النصر، إذ سارع نتنياهو إلى التأكيد أن بلاده أنجزت أهدافها من عملية «الأسد الصاعد»، المتمثلة في كبح البرنامجين النووي والباليستي الإيرانيين، متوعداً بالرد على أي «انتهاك» مستقبلي، في تصريحات أعادت إلى الأذهان هشاشة وقف إطلاق النار في جنوب لبنان.

في المقابل، نظّمت طهران احتفالات بالنصر، واعتبر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن «الإنجاز أجبر إسرائيل على الندم والاعتراف بالهزيمة»، في خطاب يُظهر رغبة متبادلة في تثبيت صورة النصر لدى الداخل، وتوظيف نتائج المعركة في حسابات سياسية وإقليمية أوسع.

ورغم ذلك عبّر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن رغبة بلاده في العودة إلى المفاوضات، كما عبر عن «أسفه» لقصف إيران باتجاه قاعدة العديد في قطر، مشدداً على أنه يجب ألا تنظر الدوحة إلى ما جرى على أنه اعتداء عليها، وهي رسالة رددها أكثر من مسؤول إيراني دون تقديم تبرير كافٍ لسبب اختيار طهران لهذا الاستهداف رغم وجود خيارات عدة متاحة أمامها للرد على «مطرقة الليل» الأميركية.

ورغم ذلك أعلنت قطر أنها قدمت شكوى في الأمم المتحدة ضد طهران، واستدعت السفير الإيراني لديها للاحتجاج رسمياً على العدوان السافر. وتحدث رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن عن ندوب سيتركها العدوان الإيراني، لكنه عبر عن حرصه على استمرار العلاقات على أساس حسن الجوار.

جاء ذلك في حين اجتمع وزراء مجلس التعاون الخليجي في الدوحة للتعبير عن تضامنهم معها، ورفض العدوان الإيراني الذي جاء مناقضاً لحرص دول المجلس على إدانة انتهاك سيادة إيران، وسعيها الحثيث نحو حل دبلوماسي.

وفي تفاصيل الخبر:

غداة توجيه طهران «ضربة شكلية» باتجاه قاعدة العديد الأميركية في الدوحة، ردا على تدمير الولايات المتحدة 3 منشآت نووية رئيسية، أوقفت هدنة مفاجئة أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية بيومها الـ 12، غير أن طرفي الحرب تبادلا الاتهامات بشأن انتهاك وقف إطلاق النار بالساعات الأولى من سريانها صباح أمس.

وبعد ساعات من شكره لإيران على ردها «الضعيف والمبلّغ عنه مسبقاً»، مما سمح بتفادي سقوط ضحايا أو أضرار، ذكر ترامب أن إسرائيل وإيران اتفقتا على «وقف كامل وشامل لإطلاق النار»، لكنه لفت إلى أن الدولة العبرية والجمهورية الإسلامية ستتبادلان ضربات أخيرة قبل سريان الهدنة التي ستلتزم بها إيران أولا، ثم تليها إسرائيل، مؤكدا أنه بنهاية اليوم ستكون هناك نهاية رسمية لحرب الـ 12 يوماً.

وهنأ ترامب، عبر منصته تروث سوشيال، طرفي الحرب على امتلاكهما «القدرة والشجاعة والذكاء لإنهاء صراع كان من الممكن أن يستمر سنوات».

ضربات وتمسك

ومع بدء سريان الاتفاق الذي لم تعلم بنوده على وجه الدقة، تبادلت إيران وإسرائيل الاتهامات بخرق الهدنة، حيث توعد كلا الجانبين بالرد على خروقات الآخر.

وقبيل وقف النار، أطلقت إيران 6 دفعات من الصواريخ، أدت إحداها إلى أضرار واسعة في مدينة بئر السبع، وأوقعت 5 قتلى، فيما أفادت تقارير إيرانية بـ «سقوط 9 شهداء و33 جريحاً إثر هجوم إسرائيلي على مبانٍ سكنية في مدينة آستان أشرفية».

وبعد ساعات من سريان وقف إطلاق النار، عادت صفارات الإنذار لتدوي في مناطق عدة في حيفا والجليل، حيث ذكرت السلطات الإسرائيلية أنها رصدت إطلاق صواريخ من إيران، فيما قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس إنه أمر الجيش بالرد بقوة وكثافة على انتهاك إيراني لوقف إطلاق النار، كما تعهّد وزير المالية بتسلئيل سموريتش بأن تهتز طهران ومراكز النظام بها.

وردا على ذلك، نفت السلطات الإيرانية أن تكون قد أطلقت صواريخ على إسرائيل بعد وقف النار، متهمة الأخيرة بانتهاكه، واتهمت طهران تل أبيب بشن هجمات على مناطق عدة في البلاد، حتى الساعة التاسعة من صباح أمس، أي ساعتين تقريباً بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، فيما تعهدت القوات المسلحة الإيرانية بأنها «لن تترك أي عدوان دون رد، وأن الكيان الصهيوني سيدفع ثمناً باهظاً».

تدخّل ترامب

وبينما كانت المقاتلات الإسرائيلية في طريقها لتنفيذ ضربات انتقامية، عاد ترامب للتدخل من أجل تثبيت الهدنة الهشة، مؤكدا أن كلاً من إسرائيل وإيران انتهكتا وقف إطلاق النار، مضيفا أنه غير راضٍ عن أي من البلدين، وخاصة تل أبيب.

وتحدث ترامب، لدى خروجه من البيت الأبيض، قائلا: «يجب أن أجعل إسرائيل تهدأ حالياً، بمجرد أن توصلنا إلى الاتفاق خرجت إسرائيل وألقت حزمة من القنابل لم أرَ مثلها من قبل، وهي أكبر حزمة رأيناها»، وأضاف: «لدينا في الأساس دولتان تتقاتلان منذ فترة طويلة وبشدة، لدرجة أنهما لا تعرفان ما تفعلانه».

وفي خطوة لافتة، حذّر الرئيس الأميركي من أن إسرائيل في طريقها إلى شن هجوم على إيران بعد ساعات من دخول وقف إطلاق النار بين البلدين حيز التنفيذ.

وقال عبر «تروث سوشيال»: «إلى إسرائيل. لا تلقوا هذه القنابل، فهذا انتهاك صارخ. أعيدوا طياريكم إلى ديارهم فوراً! دونالد ج. ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية»، وتابع: «إن إسرائيل لن تهاجم إيران»، مضيفاً أن «جميع الطائرات ستعود أدراجها، وستُلوح لإيران بشكل ودِّي. لن يُصاب أحد بأذى، فوقف إطلاق النار سارٍ!».

وكرر تعهده بأن «إيران لن تمتلك سلاحاً نووياً، ولن تعيد بناء برنامجها الذري مجدداً»، لكنه أشار إلى أنه لا يريد أن يرى «تغيير النظام في إيران، لأن ذلك يحدث فوضى». وفي حين نقلت «نيويورك تايمز» عنه أن طهران آخر همها حالياً امتلاكها لسلاح نووي، كشف الرئيس الأميركي أن الصين يمكنها شراء النفط الإيراني الخاضع للعقوبات الأميركية حالياً.

وبعد أن أعلن ترامب أنه تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل مغادرته واشنطن لحضور قمة لحلف شمال الأطلسي «الناتو» في لاهاي، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش هاجم هدفاً «رمزياً» في إيران، وهو نظام رادار بالقرب من طهران، بعد ضغط مكثف من الرئيس الأميركي لتثبيت وقف إطلاق النار. وأفاد موقع أكسيوس بأن ترامب تحدث مع نتنياهو بلهجة «مباشرة وحادة»، وطلب منه إلغاء الهجوم بالكامل، لكن الأخير أخبره بأنه ليس بإمكانه «وقف القصف في ظل الحاجة إلى رد على خرق إيران».

تل أبيب تؤكد تحقيق أهدافها وطهران تعلن «النصر» وبزشكيان مستعد للعودة إلى المفاوضات

قبول وأهداف

وقبل ذلك بساعات، أوضح نتنياهو أن بلده وافقت على وقف إطلاق النار لأنها «حققت أهدافها الاستراتيجية لعملية شعب كالأسد كاملة»، مؤكداً أن «إسرائيل أزالت تهديداً وجودياً مباشراً مزدوجاً في المجالين النووي والصاروخي الباليستي، وإضافة إلى ذلك، حقق الجيش سيطرة جوية كاملة على سماء طهران، وألحق أضراراً جسيمة بالقيادة العسكرية، ودمر عشرات الأهداف الحكومية المركزية الإيرانية».

وأبرز ما نُفذ، وفق نتنياهو، كان اغتيال عالم نووي إيراني بارز في الساعات الأخيرة قبل سريان الهدنة، إضافة إلى القضاء على مئات من عناصر الباسيج (قوة إيرانية شبه عسكرية).

على الجهة المقابلة، أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، رسمياً، وقف الهجمات بين إيران والكيان الصهيوني، وقال المجلس إن «قواتنا المسلحة يدها على الزناد، ولا تثق بكلام الأعداء، ومستعدة للرد الحاسم في حال أي اعتداء».

وأشار المجلس إلى أن يقظة المقاومة، والقدرة على تحديد اللحظة المناسبة، وتضامن الشعب الإيراني ووحدته، هزم الاستراتيجية الرئيسية للعدو، مضيفا: «بوعي شعبنا، وصمود قواتنا، وقيادتنا الحكيمة انتصرنا انتصاراً أجبرنا فيه العدو على قبول الهزيمة، ووقف عدوانه من جانب واحد».

وبين الرئيس مسعود بزشكيان أن بلده لن تخرق وقف النار «ما لم تخرقه إسرائيل»، معتبراً أن «الكيان الصهيوني» عجز عن تحقيق أهداف عدوانه، كما أشار إلى استعداد طهران للحوار والدفاع عن حقوق شعبها على طاولة المفاوضات.

ترحيب دولي

في غضون ذلك، توالت ردود الفعل الدولية المرحبة بالهدنة التي اعتُبرت بارقة أمل لإنهاء التصعيد المتفاقم في المنطقة بأكملها. وأصدرت مصر والبحرين وفرنسا بيانات إشادة بالتطور الإيجابي الذي من شأنه وقف الحرب، بما يؤدي إلى السلام والاستقرار الإقليميين.

وفي حين رحبت القاهرة بخطوة تمثل فرصة حقيقية لوقف دائرة التصعيد وتهيئة المناخ لاستئناف الجهود السياسية والدبلوماسية، دعت باريس الطرفين إلى التزام «وقف الأعمال العدائية بشكل كامل»، لأن «من مصلحة الجميع تفادي دوامة جديدة من العنف تكون تداعياتها كارثية على المنطقة برمتها».

من جهته، أكد رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أن على إيران وإسرائيل العودة إلى وقف إطلاق النار، وتهدئة التوتر في الشرق الأوسط، كما أعربت روسيا عن أملها بأن يكون «وقف إطلاق النار هذا مستداماً». وفي بكين، أوضحت «الخارجية» الصينية أنها على تواصل مع الإيرانيين والإسرائيليين، داعية جميع الأطراف إلى استئناف الحوار «على قدم المساواة».

وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، انتونيو غوتيريش، تطلعه إلى استنساخ اتفاق وقف إطلاق النار في الصراعات الأخرى بالمنطقة، فيما طالبت السلطة الفلسطينية بأن يشمل الاتفاق، الذي تم بواسطة واشنطن، وقف القتال في غزة.

ماكرون: الخطر النووي السري يجعل مواصلة المحادثات مع إيران ضرورة

القضية النووية

من جانب آخر، ذكر مسؤول أميركي رفيع المستوى أن مسودة اتفاق وقف إطلاق النار تم إعدادها بعد مناقشات مع طهران، لافتاً إلى أن المسؤولين الإيرانيين أوضحوا لإدارة ترامب أنهم سيعودون إلى طاولة المفاوضات، وسيناقشون برنامجهم النووي، بشرط أن تتوقف إسرائيل عن القصف.

غير أن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، أكد أن إيران تُقيّم الأضرار التي لحقت بصناعتها النووية، مشيرا إلى أن طهران وضعت ترتيبات لإعادة تأهيلها، وأوضح أن خطة البلاد تهدف إلى «منع أي انقطاع في عملية الإنتاج والخدمات».

في هذه الأثناء، صرح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأن خطر تخصيب إيران لليورانيوم سراً يجعل استمرار التواصل بين المفاوضين ضرورة.

إحصاء الخسائر

وفي وقت تواصل السلطات الإيرانية إحصاء الخسائر جراء العدوان الإسرائيلي الذي انطلق في 13 الجاري، ذكرت تقارير أن الضربات الإسرائيلية أودت بحياة 14 داخل مقر للحرس الثوري في محافظة البرز، كما أدت إلى مقتل نائب رئيس جهاز الاستخبارات في قوى الأمن الداخلي، كما قتل عالم نووي إيراني يدعى محمد رضا صابر، ليل الاثنين - الثلاثاء، في ضربة على منزله باستانة أشرفية قرب بحر قزوين قبيل سريان الهدنة.

وفي حادث منفصل، أفاد مسؤولون إيرانيون بمقتل 9 أشخاص وتدمير 4 منازل في هجوم شمال إيران.

وأعلن مكتب محافظ جيلان إصابة 33 شخصاً بينهم 16 من النساء والأطفال، فيما وصفه بهجوم «إرهابي إسرائيلي» على مدينة أستانة أشرفية.

back to top