هل فقد اليمنيون دولتهم؟! قراءة فاحصة في المشهد اليمني المعاصر (1– 2)

نشر في 25-06-2025
آخر تحديث 24-06-2025 | 17:47
 محمد علي ثامر

منذ عام 2011 يجد المتابع أن معظم الأحاديث المتداولة بين اليمنيين تندب حظها على دولتهم المفقودة التي أضاعها مشروع الربيع العربي، وما خلَّفه من تدميرٍ أسقط نظام الدولة اليمنية وهيكلها وكيانها، وبالضربة القاضية، وها نحن اليوم ولا نزال نحصد آثارها بل وتدور البلاد في فلك التدمير والدمار والخراب اللامتناهي... ليحق لنا طرح التساؤل السابق حقيقةً، وهذا الأمر ليس من باب التشاؤم، بل من واقع وعمق المأساة التي تعصف ببلدٍ عريق، يتكئ على آلاف السنين من الحضارة والتاريخ المشرق، ويئن تحت وطأة حاضرٍ مُمزَّق بالصراعات والشتات السياسي، ليعكس هذا السؤال جُرحاً عميقاً، واستفهاماً صارخاً في وجه الأزمات التي طالت كل ركنٍ من أركان الجمهورية اليمنية... وفي هذا المقال، نحاول تقديم قراءة فاحصة للمشهد اليمني، لنقف على معنى «فقدان الدولة»، وما إذا كانت الدولة اليمنية قد سقطت فعلاً، أم أنها لا تزال قابلةً للبعث، ولو من تحت الركام؟!

ولكي نفهم ما إذا كانت الدولة قد فُقدت بالفعل، لا بد من تحديد مفهومها، فهي ليست مجرد مؤسساتٍ حكومية ومبانٍ رسمية، بل هي كيان سياسي واجتماعي يحتكر استخدام القوة، ويمتلك سلطة قانونية على إقليم معين، ويستند إلى شرعية دستورية تعكس إرادة الشعب، وعندما تتآكل هذه الأركان يبدأ الحديث عن «فقدان الدولة»، وهذا ما حدث في اليمن بالفعل!!

فخلال هذا المشروع الغريب، كانت أركان الدولة اليمنية تهتد بشكل رئيسي، بدءاً من الجيش والأمن، ومروراً بالاقتصاد، وانتهاءً بالخدمات الإدارية، ولعلي سأورد مثالاً أعدّه مهماً جداً، ويعده الكثير من الباحثين والخبراء كذلك، بل ومن صُلب بناء الدولة ومقوماتها، فقد كانت إحدى ركائز التدمير تقوم على استهداف التعليم، بحيث يتم إفراغه من محتواه، وكان شعار «لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس!!» قد أسقط الدراسة والتعليم بشكلٍ عام، وأصبح اليمن الآن من الدول التي خرجت من مؤشر جودة التعليم، بل وإن مخرجاته أصبحت غير مقبولة في معظم دول العالم.

وما كاد اليمن يخرج من عُنق الزجاجة، حتى دخل في صراعٍ مفتوح أكثر دمويةً وعنفاً، ابتدأ مع سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في شهر نوفمبر 2014م، فبدأت ملامح الدولة بالضياع، وتفككت المؤسسات، وتآكلت الأجهزة، وانقسمت السلطات، وضاع الدستور والمرجعيات الوطنية، وأصبح حال كل قسمٍ من اليمن تابعاً لأطرافٍ محلية وخاضعاً لأطماعٍ دولية، وانتهت بذلك السلطة المركزية، وتعدَّدت مراكز صناعة القرار، ما بين حكومةٍ مُعترفٍ بها دولياً في عدن، وسلطة أمرٍ واقعٍ في صنعاء، وسلطاتٍ محلية تتصرف باستقلاليةٍ شبه تامَّة في «مأرب»، و«حضرموت»، و«المهرة»، و«شبوة»، وبات من الصعب الحديث عن سلطةٍ مركزيةٍ مُوحَّدة، أو عن دولةٍ واحدةٍ قائمة.

(يتبع).

back to top