«البيتزا»... مؤشر جيوسياسي في زمن الحرب!
• نظرية استراتيجية على غرار المؤشرات الاقتصادية غير التقليدية توقعت الضربة الإسرائيلية على إيران
• البيتزا والبنتاغون... إذا كانت هناك بيتزا كانت هناك صواريخ وحرب وشيكة
في ظل الظروف الاقتصادية والجيوسياسية كالتي نعيشها الآن، تفشل معظم التحليلات المنطقية والعلمية في توقع القادم، وتسيطر الضبابية على المشهد بشكل عام، فتفقد القياسات النمطية كالتحليلات الأساسية أو الفنية مفعولها في استشراف المستقبل، وهنا قد تقتضي الحاجة إلى قياس استثنائي من خارج الصندوق.
ومع ضرورة الاستناد إلى بيانات عامة وتقارير ومؤشرات للتنبؤ باتجاه الاقتصاد أو حتى بالتطورات السياسية والجيوسياسية في الظروف العادية، وفي ظل تعدد وتسارع المتغيرات على كل الصعد، ظهرت بعض المؤشرات الاقتصادية الغريبة والمثيرة للدهشة، لاسيما أنها مؤشرات اقتصادية يتم الإفصاح عنها فعلياً وعلى نطاق واسع.
فعلى سبيل المثال، ومع احتدام معركة صانعي السياسات النقدية حول العالم ضد التضخم وفشلها في الحسم، بدأ المراقبون يعمدون إلى قياس معدلاته بوسائل أكثر تدليلاً، ويستدعون مؤشرات أكثر لطفاً وقابلية للفهم بعيداً عن تعقيدات المصطلحات والاستدلالات الاقتصادية النمطية.
وكان أول ما استدعاه المراقبون، في ظل هذا الظرف الاقتصادي الاستثنائي، هو «بيغ ماك إندكس»، المؤشر المالي الذي اخترعته مجلة ذي إيكونوميست عام 1986 لقياس الصحة الاقتصادية عن طريق قياس الأسعار المتفاوتة لعناصر وجبات «ماكدونالدز»، وهو دليل سريع ولطيف، لقياس أداء العملات وما إذا كانت دون أو فوق قيمتها العادلة، من خلال مقارنة أسعار هامبرغر «بيغ ماك» في عدد من دول العالم.
«الوجبة السريعة» توقعت حرباً وشيكة وتحركاً عسكرياً وصواريخ... وربما استشرفت مستقبل المنطقة ومصائر شعوبها
ومع نجاح «بيغ ماك إندكس»، استحدثت «الإيكونوميست» متغيرات فرعية مثل «كوب القهوة اللاتيه الكبير» الذي يقيس مستويات الأسعار وفق سعر فنجان قهوة ستاربكس. وتم تطوير المؤشر عام 2019، ليشمل قهوة اللاتيه في 76 دولة حول العالم.
واتساقاً، بدأ المواطنون في الكثير من دول العالم يقتنعون أكثر بالمؤشرات غير الرسمية، ففي الولايات المتحدة مثلاً، كانت الملابس الداخلية للرجال مؤشراً على حالة التضخم، حيث انخفضت مبيعاتها في عامي 2008 و2009 وسط الأزمة المالية العالمية، وتراجع الرجال عن استبدالها مهما كانت حالتها، ومع ارتفاع الثقة في الاقتصاد الأميركي عادت إلى الارتفاع.
ومع تعدد مؤشرات القياس الاستثنائية المبتكرة لاستشراف المستقبل الاقتصادي، تفتق ذهن مراقبين ومحللين استراتيجيين عن استخدام «الحيلة» ذاتها، لقياس الوضع الجيوسياسي في المنطقة واستشراف مستقبلها، ربما لعقود قادمة، كمؤشر البيتزا أو نظرية «البيتزا والبنتاغون... إذا كانت هناك بيتزا، كانت هناك صواريخ وحرب وشيكة».
فقبل دقائق من قصف إيران كتب السفير الأميركي في إسرائيل: «صلّوا من أجل القدس»، بينما كانت فروع البيتزا حول البنتاغون تغلي بالطلبات.
وحسب «فرانس برس»، ففي ليلتي 12 و13 يونيو قبل الضربات الإسرائيلية على إيران، سُجلت زيادة غير معتادة في طلبات البيتزا قرب مقر البنتاغون في واشنطن.
وقالت الوكالة إن نظرية مؤشر البيتزا تقول إن ارتفاع الطلب الليلي على الوجبات السريعة من موظفي البنتاغون يعني قرب تحرك عسكري كبير، وإنه عند وقوع حدث أمني مفاجئ يُستدعى موظفو الدفاع والخارجية للعمل الليلي فيتضاعف طلب الطعام في تلك المناطق، وأشارت إلى أن هذه الظاهرة رُصدت سابقاً خلال غزو غرينادا 1983 وأزمة بنما 1989 وقبل اجتياح العراق للكويت في أغسطس 1990.
تاريخياً، ابتُكرت تلك الاستراتيجية، في قديم الزمن وقت المعارك، فكانت الأطراف المتحاربة تقوم بجمع معلومات حول كمية الغذاء التي يستهلكها الأعداء، كعدد رؤوس الماشية، واستخدامها كمؤشر تحليلي لعدد أفراد الجيش وحتى جاهزيته للمعركة، ومع مرور الوقت وتطور «الحيل» تتطور مؤشرات غريبة لقياس الجاهزية العسكرية أو الحالة الاقتصادية أو السياسية الحالية والمتوقعة مستقبلاً، ومنها:البيتزا والبيغ ماك والفشار والكشري ليست مجرد أكلات بل «مؤشرات مطبوخة» للقياس الاقتصادي والجيوسياسي
مؤشر أنماط ربطات العنق
حين لاحظ بعض المراقبين أنه عندما يكون الاقتصاد مزدهراً والوظائف وفيرة، يميل الرجال إلى ارتداء ربطات عنق ملونة ونحيفة، لأنهم واثقون من فرص العمل ومستعدون للتمتع بالجرأة في بيئة العمل، أما عندما يكون الاقتصاد راكداً فيرتدي الرجال روابط أكثر تحفظاً، لأنهم لا يريدون المخاطرة بالظهور بمظهر غير ناضج.
مؤشر سرقة الحيوانات الأليفة
حيث تشير الزيادات المفاجئة في أعداد الحيوانات الأليفة المسروقة إلى ركود اقتصادي، لأنه يعني أن الناس لا يكسبون ما يكفي للبقاء على قيد الحياة ويتحولون إلى تدابير يائسة لكسب أموال إضافية.
مؤشر منتجات التجميل
عندما تبدأ مبيعات العلامات التجارية للماكياج في الارتفاع، يمكن أن يكون علامة على حالة عدم اليقين الاقتصادي.
مؤشر إعلانات البحرية
عندما تكون الأوقات الاقتصادية عصيبة وهناك عدد أقل من الوظائف، يفكر الكثيرون في أن يصبحوا من مشاة البحرية، لذلك انتبه في المرة المقبلة التي تصادف فيها إعلاناً للقوات البحرية، فقد يلوح الركود في الأفق.
مؤشر صناديق الورق
عندما يكون الاقتصاد قوياً ويقوم العملاء بالكثير من عمليات الشراء، يحتاج تجار التجزئة إلى المزيد من صناديق الورق المقوى، وبالتالي يعتبر العديد من الاقتصاديين أن الزيادة في مبيعات صناديق الورق المقوى هي مؤشر على الأوقات الاقتصادية الجيدة.
مؤشر أقلام التلوين
غالباً ما تضع المطاعم الصديقة للعائلة صفحات وأقلام تلوين ليستمتع بها رواد المطاعم الصغار، وفي الأوقات الاقتصادية الراكدة، تحاول هذه المطاعم توفير المال عن طريق تخفيض النفقات، وعندما يحصل الطفل على كوب كبير من أقلام التلوين، يكون الاقتصاد على ما يرام، ولكن إذا حصل على اثنين أو ثلاثة أقلام تلوين فقط فمن المتوقع أن يكون أداء الاقتصاد سيئاً.
مؤشر الفشار
إن سعر الفشار يميل إلى الارتفاع خلال فترات الركود الاقتصادي، لأنه غالباً ما يخفض الناس النفقات غير الضرورية خلال فترات الركود، وبالتالي سيكون الذهاب إلى دور السينما في آخر القائمة، ومع انخفاض عدد الأشخاص الذين يذهبون إلى السينما لإنفاق أموالهم يتعين على مديري المسارح سد فجوة الإيرادات بطريقة أو بأخرى، وأسهل طريقة هي رفع سعر الفشار.
مؤشر الكشري
على غرار مؤشر البيغ ماك، تفتقت المخيلة المصرية عن مؤشرات من مطبخها كـ«كشري إندكس»، وهو الوجبة التي تعد جزءاً أصيلاً من الثقافة الشعبية المصرية، وذلك بعدما نشر موقع وكالة بلومبرغ الأميركية تقريراً مفصلاً يتضمن رسوماً بيانية أطلق عليها اسم «مؤشر الكشري للأسعار».
وهكذا المفارقة، ففي ظل أوضاع كالتي تعيشها المنطقة الآن، قد تكون البيتزا والبيغ ماك والفشار ليست مجرد أكلات سريعة أو وسائل ترفيه، بل من الممكن أن تكون وسائل وقياسات أنجع وأكثر فاعلية في القياس الاقتصادي والجيوسياسي عن الكثير من التحليلات المنطقية ومؤشرات القياس النمطية، وربما أيضاً تستشرف مستقبل المنطقة وجغرافيتها ومصائر شعوبها.