وجهة نظر: القطاع الخاص الكويتي بين الطموح والمعوقات: رؤية على ضوء تقرير البنك الدولي

نشر في 24-06-2025
آخر تحديث 23-06-2025 | 18:18
No Image Caption
في ظل التباطؤ الاقتصادي العالمي وتصاعد التحديات التنموية بالمنطقة، يُعيد تقرير البنك الدولي (أبريل 2025) تسليط الضوء على دور القطاع الخاص في تعزيز النمو وتوفير فرص العمل، خصوصاً في دول الخليج، ومنها الكويت، التي تسعى للخروج من عباءة الاقتصاد الريعي.

ورغم ما تمتلكه الكويت من بنية تحتية متقدمة واحتياطيات مالية قوية، لا تزال مساهمة القطاع الخاص دون المستوى المنشود، وفق التقرير، في ظل استمرار سيطرة القطاع العام على النشاط الاقتصادي.

يشير التقرير إلى أن معدَّل النمو بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم يتجاوز 1.9 في المئة خلال 2024، وهو أقل بكثير من متطلبات التنمية.

وتواجه الكويت تحديات مزدوجة: تقلب أسعار النفط، ومحاولة تنفيذ رؤية تنموية طموحة (رؤية الكويت 2035). ومع بروز مؤشرات تحسُّن في القطاع غير النفطي- مثل العقار والخدمات المالية والاستهلاك المحلي- يظل التحوُّل الهيكلي مرهوناً بتمكين حقيقي للقطاع الخاص، خصوصاً في ظل الاعتماد المفرط على الإنفاق العام كمصدر رئيسي للنمو.

القطاع الخاص كمحرك للنمو

يرى التقرير أن القطاع الخاص يجب أن يلعب دوراً رئيساً في النمو الاقتصادي طويل الأجل. ويُقدِّر أن أكثر من 300 مليون شاب سيدخلون سوق العمل في المنطقة بحلول 2050، ما يفرض ضغوطاً على الحكومات. وفي الكويت، لا تزال مساهمة القطاع الخاص في التوظيف محدودة، خصوصاً بين المواطنين. كما أن نسبة الشركات التي تستثمر في البحث والتطوير لا تتجاوز 25 في المئة، ما يُضعف الابتكار، ويحد من القدرة التنافسية، رغم توافر التمويل والبنية التحتية.

يشكِّل تمكين القطاع الخاص أداة لتعزيز إنتاجية العمل، وتحقيق تنويع اقتصادي بعيداً عن النفط. ويُعد أيضاً وسيلة لزيادة المرونة الاقتصادية؛ إذ يُسهم في بناء قاعدة أوسع للدخل القومي قادرة على امتصاص الصدمات الخارجية. كما أن تعزيز قدرات الشركات الصغيرة والمتوسطة، عبر الحوافز الذكية والدعم المؤسسي، يمكن أن يمثل رافعة جديدة للنمو واحتضان الوظائف.

تحديات هيكلية قائمة

يظهر التقرير سلسلة من التحديات البنيوية التي تعوق نمو القطاع الخاص، أبرزها ضعف الاستثمار في رأس المال البشري والمادي، ومحدودية دخول الشركات الجديدة، واستمرار فجوة الأداء بين القطاعين الرسمي وغير الرسمي. كما تُقدر مشاركة النساء في القوى العاملة الإقليمية بأقل من 18 في المئة، رغم ارتفاع التحصيل العلمي بين النساء في الكويت. وتعكس هذه الفجوة إمكانات اقتصادية مهدورة تتطلب إصلاحات تشريعية وثقافية عاجلة.



ويُضاف إلى ذلك التفاوت في فرص الوصول إلى السوق بين الشركات الكبرى والصغرى، وغياب المنافسة العادلة في بعض القطاعات المرتبطة بالدولة، مما يؤثر سلباً على حيوية القطاع الخاص وقدرته على النمو العضوي. كما أن غياب نظم بيانات فعَّالة تعوق التخطيط الاستراتيجي المبني على الأدلة.

فرص استراتيجية ممكنة

رغم التحديات، يسلِّط التقرير الضوء على فرص واعدة؛ أولها رفع إنتاجية العمل في القطاع الخاص، التي تبقى دون المستويات العالمية. كما يشير إلى الحاجة المُلحَّة لتوسيع نطاق الاستثمار في المهارات الرقمية والابتكار التكنولوجي. ويُبرز التقرير أهمية تمكين المرأة والشباب عبر خلق بيئات عمل مرنة وداعمة، وتشريعات محفزة للمساواة في الفرص.

وتوضح مؤشرات الأداء أن تسارع نمو القطاع غير النفطي في 2023 و2024 قد يكون بداية حقيقية لتنويع اقتصادي فعَّال، بشرط أن تستكمل برؤية واضحة لإصلاحات سوق العمل، وتمكين القطاع الخاص من قيادة التحوُّل.

الحكومة كميسر ومنظم

يدعو التقرير إلى إعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد: من المنافس إلى المنظم والممكن. وهذا يتطلب تعزيز الشفافية، وتسهيل الإجراءات، وتحديث التشريعات. وتوصي الوثيقة ببناء أنظمة معلومات سوق عمل متكاملة تربط التعليم بالاحتياج الإنتاجي، وتشجع ريادة الأعمال، خصوصاً في القطاعات الجديدة.

ويشير إلى بعض المبادرات الحكومية الواعدة، مثل: تبسيط التراخيص، وتحفيز تمويل المشاريع الصغيرة، وتحسين الحوكمة الرقمية. إلا أن التنفيذ لا يزال بطيئاً، ويحتاج إلى تنسيق أقوى بين الجهات المعنية.

نحو شراكة تنموية فاعلة

إن تمكين القطاع الخاص لم يعد خياراً، بل ضرورة استراتيجية. ويتطلب ذلك: تسريع الإصلاحات الهيكلية، وتمكين الشباب والمرأة، وبناء شراكة قائمة على البيانات والاستدامة. تمتلك الكويت الأدوات للنجاح، ويبقى التحدي في تحويل الرؤية إلى واقع، والسياسات إلى نتائج ملموسة.

* أكاديمي ومستشار اقتصادي

back to top