بدون مجاملة: منطق اللامنطق!
ما هو المنطق؟ ولماذا يُتحجج به في النقاش والرد وكأنه الفيصل وإليه ترجع قوة المواقف؟
المنطق باختصار هو التفكير السليم، والتفسير العقلاني بوجود الأدلة، لذلك يُعد لصاحبه مكانة وهيبة، وبه التفوُّق وإقامة الحجة، وما دون ذلك افتراضات وشعور، هواجس وظنون لا تغني من الحق شيئاً. وهنا كانت التفرقة بين المنطق والعاطفة.
كل العلوم المتعلقة بالإنسان أجمعت على أنه مزيج بين المنطق والعاطفة. فحتى التفكير يتأثر بالشعور، وينعكس على المزاج والسلوك، وهنا يتداخل المنطق مع العواطف، وهو التفاعل الأزلي الذي يسمَّى بـ «الصراع بين العقل والقلب».
ونعود إلى أسطر البداية التي تمجِّد العقلانية، وتسفِّه كل ما سواها. لكن الحقيقة أنه لا يمكن إخضاع كل شيء للمنطق، فإذا غلبنا المنطق، فنحن نلغي العواطف، ولا نترك بذلك مجالاً للأحاسيس.
ليست كل الأمور قائمة على الدليل أو يلزمها البرهان. لن تجد تفسيراً لكل شيء، بعض الأمور يُفسدها التحليل. المشاعر ليست بالضرورة تستند أو تنبع من أسباب معروفة. بعض المشاعر يقتحم صدورنا، يشكِّل شخصياتنا، يوجِّه أسلوب حياتنا. هل يهم أن تشرح لماذا تُحب صنفاً معيناً من الفاكهة؟ أو لماذا ترتدي ذات اللون غالباً؟ لا تدقق، سلِّم، واستشعر، واستمتع، فللتسليم جمال.
صحيح أن فهمنا لعواطفنا وميولنا، وإدراك حُبنا لأسرتنا وأصدقائنا، يساعد في نمونا النفسي ونضجنا الانفعالي وذكائنا الاجتماعي وتعزيز علاقاتنا، لكن دائماً هناك ما هو مفهوم، وما هو غريب، المعروف البيِّن، وما لا يلزمه التفسير. وتلك التركيبة المعقدة أمر طبيعي لا مفرَّ منه في كل جوانب الحياة.
في بعض المواقف إذا تصرَّفت بمنطقية فستحدث مشكلة. حين يشكو لك الشخص همَّه، أو يسرد عليك مشكلته... وهذا ما يسبِّب الخلافات، وينخر الفجوات بين الأزواج، الأصدقاء، زملاء العمل. المنطق في المواقف العاطفية يكون مدمراً، ويجعلك تبدو شخصاً عديم الإحساس. لا تبرر بأن الواقع قاسٍ، وهذه هي الحياة، فخلف الإشكالات آلام ومخاوف، وخبرات سلبية، وآمال، وأمنيات، وعجز وحيرة حول التصرُّف الصحيح. أرسل المنطق مُتنكراً بزي العاطفة، أنصت، وتفهَّم، وخفف عن الآخرين، بتشجيعهم، وأثنِ على مزاياهم. ابعث فيهم التفاؤل مع دعوة خير.
فالعاطفة حاضرة دوماً، وإقصاؤها يعني إحداث خللٍ في ممارستك الطبيعية لإنسانيتك، وقد يقودك إلى التصرُّف بجفاء وتطرُّف وتعالٍ. في الوقت ذاته نحن لا ندعو إلى أن ينجرف المرء خلف عواطفه، فيُغيِّب الفهم السليم والخلق القويم، مُتحججاً بقوة العاطفة والمشاعر البشرية.
اللامنطق في العاطفة هو جزء من المنطق والعقلانية، هو حقيقة التباين للتكامل في الحياة، هو الوضوح والغموض، هو الاتزان.