خصم الرواتب: تفكيك ممنهج للأسرة الكويتية باسم العجز

نشر في 22-06-2025
آخر تحديث 21-06-2025 | 19:32
 ضاري المير

مقدمة: الراتب ليس مالاً فقط... بل العمود الفقري للأسرة

في دولة تعتمد على دخل واحد لكل أسرة، يُعد الراتب الشهري أكثر من مجرد مبلغ مالي.

إنه صمام الأمان، والركيزة التي تقوم عليها القدرة على الإنفاق، والتخطيط، والتربية، وحتى الأمل في المستقبل.

وعندما تتخذ الدولة قراراً بخصم هذا الراتب، فإنها لا تُمارس «إصلاحاً مالياً»، بل تبدأ بتفكيك المنظومة الاجتماعية من الداخل... دون إعلان.

ما الذي يعنيه الخصم داخل البيت الكويتي؟ حين يُخصم من راتب رب الأسرة، فإن الأثر يتجاوز الحساب البنكي، ليصل إلى العلاقة بين الزوجين التي تتوتر تحت ضغط المصاريف.

والأبناء الذين يُحرمون من تعليم أو نشاطات أو استقرار والحوار داخل المنزل الذي يتحول إلى إدارة أزمة مالية دائمة، فضلا عن الصحة النفسية التي تتدهور نتيجة القلق المستمر وانعدام الأفق.

بهذا، لا يعود الخصم مجرد بند في الموازنة، بل قنبلة اجتماعية صغيرة تنفجر بصمت في كل بيت.

ومن المسؤول؟ ولماذا المواطن أول من يُحاسب حين تواجه الدولة أزمة مالية، تُطلق عبارات مثل «عجز الميزانية»، و«ترشيد الإنفاق»، و«إعادة هيكلة الرواتب».

لكن السؤال الحقيقي من الذي خلق هذا العجز؟ هل هو المواطن الذي التزم بوظيفته سنوات دون زيادة؟ أم من منح العقود بلا رقابة، وأهدر المليارات بلا مساءلة؟ وهل رب الأسرة هو من أنشأ الهيئات المستقلة المتخمة بالمصروفات؟ أم من استخدم المال العام كغنيمة سياسية ومجالاً للترضيات؟

الخصم ليس إصلاحاً... بل اختباء خلف الموظف الضعيف، بعد أن عجزت الدولة عن مواجهة منابع الفساد الحقيقية.

والأسرة الكويتية تُسحق بين صمتها... وصوت الدولة الأجوف والأسرة لا تملك أدوات المقاومة:

لا نقابات حقيقية، ولا تمثيل سياسي يعبر عنها، ولا إعلام يعكس مأساتها اليومية.

وفي المقابل، تتحدث الدولة عن «العدالة» و«الاستدامة»، بينما تفرض الخصم على من لا يملك غير راتبه، وتغض الطرف عن أصحاب الشركات الكبرى دون ضرائب ومسؤولي الهيئات الذين يتقاضون الآلاف دون إنتاج. والعقود الحكومية التي تُصرف دون نتائج.

بذلك، تُمارس السلطة قهراً ناعماً على المواطن... وتُبرره بخطاب زائف عن المصلحة الوطنية.

والتهديد ليس مالياً فقط... إنما اجتماعي – وطني فحين تُجبر الأسرة على التخلي عن احتياجاتها الأساسية، وتُدفع نحو الديون أو القروض أو التقشف المذل، فإن النتائج لا تتوقف عند الاقتصاد، بل تمتد إلى تآكل الطبقة الوسطى. وانهيار الثقة في الدولة وانتشار الإحباط العام وفقدان الانتماء، فضلاً عن تنامي النزعة الفردية على حساب التضامن الوطني.

ما يُخصم من الراتب اليوم، سيُخصم لاحقاً من الاستقرار، ومن الولاء، ومن مستقبل هذا الوطن.

خاتمة: إذا فشلت الدولة في حماية الأسرة... فما الذي تبقّى لها؟

الحكومة التي لا تحمي الأسرة، لا تحمي الوطن، وحين يبدأ الإصلاح من جيب المواطن لا من مراكز الهدر، فإن ما يجري ليس إصلاحاً، إنما إخفاق يُحمّل تبعاته لأبرياء.

إذا لم تُراجع الحكومة نفسها، وتعدّل أولوياتها، فإن كل بيت كويتي سيتحول إلى ساحة صراع يومي بين الحياة والحاجة، وسيفقد المواطن الشعور بأن هناك من يفكر فيه أصلاً.

back to top