بالمختصر: وَعَلَّمَ آدَمَ...
قال تعالى: «وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»، سورة البقرة – الآية 31.
في لحظةٍ كونية بهيّة، امتدت يدُ العناية الإلهية إلى آدم، فنفخت فيه سرّ البيان، وألبسته تاج العلم، وفتحت له أبواب الفهم والتسمية، «وعلّم آدم الأسماء كلها»، ليست مجرد جملة، بل إعلان بدء الحضارة، وانطلاق العقل البشري في رحلته الكبرى... من الحروف الأولى إلى خرائط الجينات، من نطق الاسم إلى فكّ شفرة الكون.
ومنذ تلك اللحظة، ونحن - بنو آدم - نكتب، نبتكر، نسمّي، نميّز، نُبدع، كل اسم نطلقه، كل نظرية نكتشفها، كل آلة نخاطبها بخوارزمية... ما هي إلا خيط ممتد من ذلك النور الأول، من تلك الهبة السماوية: «وعلّمه...».
القرآن الكريم علّق راية الكرامة بالعلم، وجعل ميراث النبوة في السؤال والفهم، لا في الدم والنسب... «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ».
نعم، لا يزال فينا من يتعلّم، ويبدع، ويحلّق في المختبرات، في المدارج، في الذكاء الاصطناعي، في النانوتكنولوجيا، في أعماق البحار وفي أعماق النفس البشرية، وكل ذلك شهادة خفية على صدق المشهد الأول...
حين قال الله للملائكة: «أنبئوني بأسماء هؤلاء...» سكتوا، ونطق آدم، وجه الحقيقة: إن اللسان إذا كان لسان علم، فهو يعلو على الأجنحة.
فبالعلم نُثبت خلافة الأرض، وبالجهل نخسر حتى أنفسنا، ولولا هذا الامتداد، ما كنّا عرفنا كيف نصنع، أو نبني، أو نبرمج، أو نسمّي ما لم يكن له من قبل اسم.
بالمختصر:
«وعلّم آدم...» ليست ماضياً انقضى، بل حاضر يتوهّج، ومستقبل ينتظر أبناءه.
فإن أردت أن تكون من ذريته حقاً... فاسأل، وافهم، وتعلّم.
فنور آدم لا يُورّث بالدم... بل بالعقل.
ويبقى الإنسان عالماً، ما لم يقل: «علمت»، فإذا قالها... فقد جهل.
«واعبد ربك حتى يأتيك اليقين».
دمتم بود