شرق أوسط مشتعل... حرب بالوكالة على خريطة الصراع العالمي

نشر في 20-06-2025
آخر تحديث 19-06-2025 | 17:38
 ناصر الجعفري

لم تعد الحرب بين إسرائيل وإيران مجرّد اشتباك عسكري أو نزاع حدودي يمكن احتواؤه. بل هي صورة مركّبة لصراع تتداخل فيه الجغرافيا بالعقيدة، والسياسة بالأمن القومي، والهيمنة بالنفوذ الرمزي، لتصبح واحدة من أعقد النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط وأكثرها تشابكاً وامتداداً. إنها ليست حرباً تقليدية، إنما حرب متعددة الأبعاد تتوزع فيها خطوط المواجهة بين العمليات السيبرانية، واغتيالات دقيقة، وتحالفات غير معلنة، وواجهات إعلامية تغذّيها آلة الدعاية في كلا المعسكرين.

منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تغيرت معادلة الشرق الأوسط بشكل جذري. أعلنت طهران رفضها القاطع للكيان الصهيوني، ورفعت راية دعم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية محورية، وهو ما جعل إسرائيل تعتبر إيران تهديداً وجودياً، لا سيما مع طموحاتها النووية وتوسعها العسكري في مناطق التماس كسورية ولبنان واليمن. في المقابل، ترى إيران في إسرائيل تمثيلاً للاستعمار والهيمنة الغربية، وخصماً عقائدياً واستراتيجياً في آن معاً.

وإذا ما تطوّرت هذه المواجهة إلى حرب مفتوحة وطويلة الأمد، فإن الكفّة قد تميل - من زاوية استراتيجية - لمصلحة إيران، رغم كل شيء. فعدد سكان إيران يفوق التسعين مليون نسمة، مقابل 9 ملايين فقط في إسرائيل، جلّهم مزدوجو الجنسية، يحملون جوازات سفر أوروبية ويعيشون في حالة استعداد نفسي للهجرة. أما على المستوى الجغرافي، فتضاريس إيران الوعرة ومساحتها الشاسعة يمنحانها عمقاً استراتيجياً يصعب اختراقه، خلافاً للهشاشة الجغرافية التي تعانيها إسرائيل.

إلى جانب ذلك، تُظهر التجربة الأخيرة - مع الاعتداءات الإسرائيلية - أن المجتمع الإيراني، رغم انقساماته السياسية الداخلية، قد التفّ حول الدولة في لحظة الخطر، بمن فيهم معارضو النظام في الخارج، الذين رفضوا أي استهداف خارجي لوطنهم.

في المقابل، تظهر هشاشة اللحمة الداخلية الإسرائيلية مع كل توتر أمني، حيث تبدو شرائح واسعة من الإسرائيليين أقرب إلى خيارات المغادرة منها إلى المقاومة.

لكن السؤال الذي يتردد صداه في الشارع العربي، لا سيما الكويتي، اليوم هو: من هو العدو الحقيقي؟ هل هو إيران؟ أم إسرائيل؟ أم أن العدو ليس بالضرورة دولة بعينها، بل كل مظاهر الاحتلال، والتطرف، والتدخلات الخارجية التي تحوّل شعوب المنطقة إلى رهائن لصراعات القوى الكبرى؟ بالنسبة للكثيرين، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو أصل البلاء، وجذر الاضطراب السياسي والأمني الذي يعصف بالمنطقة منذ عقود، كما عبّر عن ذلك بوضوح أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد، حين قال عام 1972: «إسرائيل هي مصدر الإرهاب».

في ظل هذا السياق المتأزم، لا تبدو رؤية نتنياهو لبناء «شرق أوسط جديد» سوى محاولة مكشوفة لإعادة رسم خرائط النفوذ، استناداً إلى رؤية صهيونية تقوم على التوسع والهيمنة، وتفترض تفكك الجسد العربي وتشرذم قراراته. أما الحرب مع إيران، فهي في عمقها أكثر من مجرد مواجهة أمنية، إنها مواجهة بين مشروعين: أحدهما يسعى لإعادة تعريف المنطقة وفق موازين قوة جديدة، والآخر يقاوم عبر أدواته العقائدية والجيوسياسية، في معركة تبدو طويلة ومرهقة للجميع.

إن هذا الصراع ليس بعيداً عن الحسابات الدولية، فالموقف الأميركي لا يُقرأ فقط في سياق العداء لإيران، بل في سياق أوسع يشمل رسائل موجهة إلى الصين وروسيا، بأن الولايات المتحدة ما زالت الفاعل المركزي في ميزان القوى الإقليمي والدولي، وأن أي محاولة لتغيير هذه المعادلة لن تمر دون تكلفة.

وهكذا، نجد أنفسنا أمام صراع لا يمكن تفكيكه ببساطة، ولا إنهاؤه بخطاب دبلوماسي. إنه امتحان تاريخي للعقل السياسي في الشرق الأوسط، وجرس إنذار يستدعي صحوة حقيقية في الوعي الجمعي، من أجل مستقبل لا تصوغه الحرب، بل ترسمه التفاهمات الإقليمية العادلة، القائمة على إنهاء الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وضمان العدالة للشعوب.

back to top