وجهة نظر: الدولار الامريكي والتحديات المتزايدة
يعتبر الدولار الأمريكي الركيزة الاساسية للتمويل الدولي، حيث يعتمد في طريقة الدفع الرئيسية للمعاملات العالمية اضافة انه ملاذاً آمناً للمستثمرين في أوقات عدم اليقين. ومع ذلك، تشير التحركات الأخيرة في قيمة الدولار إلى بيئة أكثر تعقيدًا ومن المحتمل أن تكون متغيرة لعملة الاحتياط العالمية.
بعد انخفاض الدولار الامريكي بأكثر من 8% من ذروته أواخر فبراير الماضي، شهد مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) –(الذي يقيس قيمة الدولار مقابل سلة من العملات الرئيسية بما في ذلك اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والدولار الكندي والكرونة السويدية والفرنك السويسري)– انتعاشًا ملحوظًا، متعافيًا من أدنى مستوياته عند 98.28 إلى أعلى مستوى عند 101.98. ويعزى هذا التعافي جزئيًا إلى انخفاض حالة عدم اليقين المحيطة بمدى التعريفات الجمركية الأمريكية.
في ظل التحديات الاقتصادية سابقا كان يلجأ المستثمرين إلى شراء الأصول المقومة بالدولار مثل سندات الخزانة الأمريكية، حتى عندما كانت الولايات المتحدة نفسها في قلب الاضطرابات. ومع ذلك، شهد هذا العام تغييرا جذريا في هذا النمط. يثير الانخفاض السريع في العملة الأمريكية، الذي شهد تراجع مؤشر الدولار بنسبة 10.6% من يناير – وهو أحد أشد تراجعاته في ثلاثة أشهر – مخاوف كبيرة على جبهتين.
1- السرعة التي يمكن للمستثمرين الخروج من أصول الدولار عندما تكون الثقة في السياسة الأمريكية منخفضة مما يسلط هذا الانسحاب السريع لرأس المال الضوء على حساسية متزايدة للقرارات السياسية.
2- لم يكن البيع مدفوعًا برأس المال الخاص فحسب، بل بشكل ملحوظ من قبل الدول الكبرى ومصارفها المركزية. وكما تشير البيانات، فقد اكد البنك المركزي الصيني، إلى جانب العديد من الدول في الأسواق الناشئة، بسياسة استثماراتهم الجديدة ان تكون بعيدة عن أصول الدولار، وهذا يشير إلى إعادة هيكلة الاستثمار بشكل استراتيجي واسع.
وفقًا لبيانات لجنة تداول العقود الآجلة للسلع (CFTC)، كان الدولار يتداول في يناير بما يصل إلى 22% فوق متوسطه على مدى 20 عامًا البالغ 90 على مؤشر الدولار. بينما يحوم حاليًا عند 10% فوق متوسطه طويل الأجل.
ان الهواجس المالية طويلة الأجل في الولايات المتحدة تؤثر على معنويات المستثمرين. حيث تشير التوقعات إلى أن التخفيضات الضريبية الشاملة قد تضيف ما يقدر بنحو 3 تريليون دولار إلى 5 تريليون دولار إلى الدين الوطني البالغ 36 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، مما يثير تساؤلات حول استدامة المالية العامة الأمريكية.
وعلى الرغم من عمليات البيع الأجنبية الأخيرة، فإن الارتفاع المستمر في قيمة الأصول الأمريكية على مر السنين يعني أن الكيانات العالمية لا تزال تحتفظ بتريليونات الدولارات في الأسهم وسندات الخزانة الأمريكية. ومع ذلك، فإن زيادة التحوط من قبل المستثمرين تؤدي إلى طلب مباشر أقل على الدولار، وبالتالي، المزيد من بيع الدولار.
علاوة على ذلك، زادت احتمالية حدوث ركود في الولايات الامريكية منذ الكشف عن تعريفات جمركية جديدة. وقد أدى هذا الهاجس إلى زيادة التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة. عادة تميل أسعار الفائدة المنخفضة في الولايات المتحدة إلى إضعاف الدولار حيث يبحث المستثمرون عن عوائد أعلى في استثمارات أخرى. وقد أدت هذه الديناميكية بالفعل إلى تدفق رأس المال إلى الأسواق الأوروبية واليابانية حيث يسعى المستثمرون إلى الحماية من الخسائر المحتملة في الأصول المقومة بالدولار. بالتزامن مع ذلك، ازدادت الهواجس في انسحاب الولايات الامركية من الدعم العسكري في اوروبا، مما ادى الى تعزيز جاذبية شراء سندات الاتحاد الأوروبي كاستثمار آمن.
في الختام، بينما يحتفظ الدولار الأمريكي بأهميته العالمية، تشير تقلباته الأخيرة إلى بيئة أكثر تعقيدًا وديناميكية. وتساهم مجموعة من المخاوف المتعلقة بالتقييم، والتحولات في سياسات البنوك المركزية، والمخاوف المالية، والمشهد الجيوسياسي المتطور، في إعادة تقييم الدور التقليدي للدولار، مما يدفع المستثمرين إلى تنويع استثماراتهم والبحث عن ملاذات جديدة لرؤوس أموالهم. والأشهر القادمة ستكون في حالة ترقب إذا كانت هذه التحولات تمثل تعديلاً مؤقتًا أو مراحل مبكرة لإعادة توازن القوة المالية العالمية.