سلطان البيان وصلاح الماورائيات: تختخ ونوسة والنداهة!!
يعجز اللسان عن وصف كل ما هو جميل في جمهورية مصر العربية الشقيقة، ونعم أنا منحاز برأيي لها وقاطنيها وأهلها الطيبين أشقاء العرب، وعمقهم الاستراتيجي، طال الزمان بذلك أم قصر. ولعل تعلقي وحبي للمحروسة بإذن الله، وهي بلد الثقافة والأدب والفنون الجميلة بكل أنواعها والآداب، وبلد الفلسفة والشعر والتاريخ والحضارة، كان منبته منذ الصغر حين تعلقت بسلسلة دار المعارف لكتب وقصص «المغامرون الخمسة»، التي كنت أقتنيها وأقرأها بنهم دون كلل أو ملل. لكن شخصيات «تختخ» و«نوسة» التي أبدع بوصفها الأستاذ محمود سالم، لم تكن لتشفي نهمي وحبي للمطالعة لأنتقل بعدها لسلسلة «ما وراء الطبيعة» وبالأخص إلى القصة الثانية، وأنا أذكر ترتيبها بالسلسلة من ذاكرتي المتواضعة إلى يومنا هذا للدكتور أحمد خالد توفيق، وهي قصة «النداهة» لتسطر لنا تلك السلسلة إبداع الكاتب في أساطير العالم العربي وغيره، وربطه كما في السلسلة القصصية الأولى مع عالم الجريمة. كانت والدتي، أطال الله بعمرها وشافاها، تأخذني إلى أماكن متفرقة وبالأخص إلى مكاتب ومخازن منطقة المنقف بعيد الغزو العراقي مباشرة، وقبل أن تصبح المنطقة مأهولة ومعمورة، لأقتني من تلك السلاسل ما أشاء وأقطف طبعاتها الأولى دون رغبة مني في اقتناء أي ألعاب إلكترونية أو غيرها كسائر أقراني.
كبرت وتغيرت طبيعة قراءاتي الشخصية وغزا الشيب شاربي وأقمرت الذوائب مني، وظلت تلك القصص المسلسلة محفورة في صندوق رمادي اللون مكعب الهيئة، عليه بعض السلاسل التي غزاها الصدأ في عقلي الباطن، لتتفتح الذاكرة وتنشط حيثياتها على مقطع عابر منذ فترة قصيرة للدكتور المصري محمود صلاح الذي مر علي تسجيل له مرور الكرام ذات يوم.
محمود صلاح ومن بعد البحث والتمحيص والمطالعة، وهو شاب حامل لدرجة علمية فلسفية في ما وراء الطبيعة، مصري الجنسية يحمل بين أضلاعه حباً للوطن وحماية للوطنية الشيء الكثير، وهو إن اختلفت مع جل اعتقاداته وما يحمل من معتقدات نحو الأمور الخاصة بالميتافيزيقية ونظريات المؤامرة، إلا أنني أحترم فيه الكثير من الصفات الشخصية التي أبهرتني من متابعتي البسيطة له لكتابة هذا المقال. ومن متابعتي البسيطة في الفترة السابقة لمحمود وجدت أن له العديد من المقابلات المتلفزة والمتابعين من كل أرجاء المعمورة ليس مقصوراً على العالم العربي فقط، بل من كل البلاد ليستمتعوا معه بنظريات المؤامرة والحديث حول ما وراء الطبيعة والفلسفة الكونية وربطها بالأديان، والحديث الجميل الذي تتفتق له الأذهان في التفكير وإثارة الشكوك حول ما هو بديهي أحيانا.
لست هنا في معرض الحديث عن الدكتور محمود البتة، وكما أسلفت أنا أختلف مع جل ما يطرحه الرجل، ولكن الحفيظة لدي تستثار حين أجد العدد الكبير من الناس وهم يذهبون إلى الإيمان بالماورائيات ونظريات المؤامرة وغيرها، واستخدام العلم والمنهج العلمي تارة في سياق غير صحيح أو في موضع غير صحيح، فحين نستند إلى أشباه المعلومات العلمية ونبني حولها مؤامرات ونظريات دون أي دليل قاطع نجد أن المتابعين الكرام يصبح لديهم، ولقلة علمهم ودرايتهم أحياناً، شيء من الحماس نحو المجهول.
العلم يعطيك أجوبة إما أن ترضاها أو لا تعجبك وتشفي بها غليلك، فهذا أمر يخصك أنت وأنت وحدك، فتلك الأجوبة تنجم من تصميم لتجارب مخبرية وميدانية وبيانات ناجمة من تجارب وإعادات لها ومحاكاة رياضية ونمذجة رقمية. فالقول مثلا إن الهدف من حسابات الكربون هو التحكم في كمية أكل الناس للحوم الحمراء في المستقبل والقضاء عليهم ليصبح لدينا شيء أشبه بالنظريات المالتوزية للمليار الذهبي، هو حديث شيق جداً وجميل، ولكن مكانه استديوهات هوليوود لا أكثر. وتجد أن الناس مؤمنون بهذا الحديث والأهم أنهم يستندون إلى أدلة علمية عليه وإن لم تكن حقيقية. أما موضوع أن الإنسان الحالي الموجود على الأرض هو مكون من أجناس مختلفة وجينات متطورة، وربط هذا الكلام بالأديان تارة والاستنساخ تارة أخرى لعمري فهو أمر شبه فكاهي أكثر منه نظرية مؤامرة. وكما ذكرت فإن الاستناد إلى العلم لإثبات الفكر الملتوي أحيانا يكون مكانه روايات القصص القصيرة وأبطاله تختخ ونوسة وربما في روايات النداهة وغيرها.
أتفهم الشغف الكبير لدى الناس في تفسير كل شيء، والحصول على إجابات قطعية لكل تساؤل يمر على أذهانهم. هذا غير وارد ولا هو أمر طبيعي ولا معقول أيضاً، فالمنهج العلمي تنتج عنه أدلة لتساؤلات محددة ومحددة جداً، وليس كل جواب قادم من أقصى اليسار يفسر لك ما يدور في ذهنك أقصى اليمين. ولذلك أنصح بالانتباه إلى أصحاب نظريات المؤامرة، واتباع المنطق والعقل في أخذ المعلومة الصحيحة ومن مصدرها الموثوق، وهنا لا أنفي البتة تطور المعلومات والأدلة الجديدة لأي مسألة يمكن للمرء أن يعرفها، ولكن ليكن ذلك في إطار علمي دقيق واضح ومفهوم أيضاً. والله كريم وهو المستعان.