في المرمى: العلة في التطبيق لا في التشريع

نشر في 18-06-2025
آخر تحديث 17-06-2025 | 20:06
 عبدالكريم الشمالي

مرة أخرى، تخرج الحكومة علينا بمشروع قانون رياضي جديد غير مدروس، في محاولة متكررة لإصلاح الواقع الرياضي عبر الأدراج الرسمية، وكأننا نعاني من نقص في «الورق»، أو كأن العلة كانت طوال العقود الماضية في مواد القانون وأرقام مواده، لا في تطبيقه ولا في العقول التي تدير الملفات.

الحقيقة التي لا يحب الكثيرون الاعتراف بها، أن مشكلتنا لم تكن يوماً في النصوص، بل في من يطبّقها. فالرياضة الكويتية لم تكن يوماً فقيرة بالقوانين، بل تكاد تُدرّس كثافة نصوصها كمقرر جامعي بعنوان: «كيف تكتب قوانين لا تُطبّق». وفي وقت كان من المفترض أن تكون القوانين أداة لتطوير الرياضة، تحولت مع الزمن إلى مظلة للبيروقراطية، ووسيلة لجم المبادرات وقتل الاجتهادات.

القانون المقترح الجديد – على الورق – يبدو مرتباً، فيه تنظيم، وفيه «نية طيبة» لتحسين الأداء وربما كسب الميداليات «مادري شلون بس يمكن». لكننا اعتدنا أن نرى القوانين تنام في الأدراج، أو تُطبّق على المزاج وبتفسير مسؤول أو مستشاريه «واللي البعض منهم ما يتسرح بغنم».

العلة يا سادة ليست في عدد المواد، بل في غياب التطبيق الصارم والعادل. وليست فقط في الرقابة المالية – مع أهميتها – بل في الفكر الرياضي نفسه، الذي ما زال يرى الرياضة مجرد نشاط ترفيهي مدعوم، لا صناعة تستحق أن تُصرف عليها الأموال كما تُصرف على بقية القطاعات الحيوية.

نعم، الرقابة المالية مطلوبة، بل وضرورية لحماية المال العام وضمان الشفافية، لكنها يجب ألا تتحول إلى غاية بحد ذاتها، أو أن تكون «الوحش الكاسر» الذي يعرقل أي محاولة للتطوير. إذا أصبحت الرقابة عائقاً أمام استفادة الأندية والاتحادات من موارد قانونية لتنمية نشاطها وتقليل اعتمادها على الدعم الحكومي، فإننا نكون قد قتلنا المبادرة بيد الحذر، وأغرقنا الرياضة في بيروقراطية تسأل عن الفاتورة ولا تهتم بنتيجة المباراة.

والحقيقة المُرّة أن من يدير الحركة الرياضية لا يؤمن فعلاً بأنها «حركة». الأندية تدار كديوانيات انتخابية، والاتحادات تتعامل مع البطولات كأنها مناسبات اجتماعية، وحتى «الخطط الاستراتيجية» تنتهي صلاحيتها قبل أن تخرج من الطابعة.

القانون وحده لا يكفي، نحتاج إلى نوايا جدية، وممارسات شفافة، ومسؤولين يعرفون أن الرياضة أصبحت معياراً حضارياً، لا مجرد نشاط صيفي. الطموح الرياضي لا يُقاس فقط بعدد التقارير المالية أو حجم الفواتير، بل عبر تعزيز ثقة المستثمرين، وخلق بيئة تسمح للأندية بالتنافس والابتكار، لا انتظار المصروف اليومي من الحكومة.

بنلتي

أي قانون جديد، مهما كان محكم الصياغة، لن يكون مجدياً إذا لم تكن هناك نية حقيقية لتغيير النهج. نحتاج إلى إدارة تدرك أن الرياضة صناعة، وليست هواية جانبية، وأن الرقابة وسيلة لتنظيم العمل لا لشله. المشكلة ليست في القانون، بل في الفهم السقيم لأهدافه، وفي عقلية لا تزال تعتقد أن إصلاح الرياضة «شعار يكسب».

back to top