«بوينغ»... أزمة شركة تُهدد الأمن القومي الأميركي

نشر في 16-06-2025
آخر تحديث 15-06-2025 | 19:50
 وول ستريت جورنال

حادثة تحطُّم طائرة «بوينغ 787» التابعة للخطوط الجوية الهندية في أحمد آباد، والتي راح ضحيتها عشرات الركاب، تُعيد إلى الواجهة قلقاً قديماً في الولايات المتحدة: إلى أي مدى يمكن أن تظل شركة بوينغ تتعثر دون أن يُمس الأمن القومي الأميركي؟

صحيح أن التحقيقات لم تحسم بعد سبب الحادث، إلا أن مجرَّد ذكر «بوينغ» بات كفيلاً بإثارة الشكوك، بعد سلسلة من الأزمات التي تعرَّضت لها الشركة، بدءاً من كارثتَي طائرتَي «737 ماكس»، وصولاً إلى إخفاقات في سلاسل التوريد وخسائر فادحة في الثقة والسُّمعة.

«بوينغ» ليست مجرَّد شركة طيران، بل هي ذراع صناعية استراتيجية للولايات المتحدة. فهي ليست فقط مُنتِج الطائرات التجارية الأهم، بل أيضاً مقاول الدفاع الرئيسي للجيش الأميركي، خصوصاً مع دخول طائرة «F-47» المتقدمة حيِّز الإنتاج، بعقد مُثير للجدل وقَّعته الشركة في مارس الماضي.

لكن جذور الأزمة أعمق من مجرَّد أعطال أو قرارات إدارية. فالفهم الخاطئ لما حدث في كارثة الخطوط الإثيوبية عام 2019، حين أُلقي اللوم كُله على تصميم الطائرة، رغم أن بيانات لاحقة أشارت إلى احتمال ارتكاب طاقم الطائرة أخطاء حرجة، كشف كيف تُسهم السياسة، والإعلام، والشعبوية في صناعة سرديات غير دقيقة، تُضعف قدرة المؤسسات على تصحيح المسار.

«بوينغ»، وإن حاولت معالجة اختلالاتها، فإنها ما زالت تتعافى من سنوات من سوء الإدارة، والتضييق التنظيمي، والضغط الإعلامي. لكنها، في نهاية المطاف، تبقى جزءاً من منظومة دفاعية واقتصادية لا غنى عنها. فالعالم، كما يتضح من تسارع الصراعات من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، يدخل مرحلة جديدة من التوترات العسكرية، والولايات المتحدة مُطالبة بإعادة بناء «ترسانة الديموقراطية» كما وصفها الرئيس روزفلت قُبيل الحرب العالمية الثانية.

لكن واشنطن اليوم تبدو مترددة، أسيرة أزمات داخلية، وتثاقل ديموغرافي واقتصادي، وسياسيين عاجزين عن إدراك الحاجة لإعادة الاعتبار إلى الصناعة الوطنية كمشروع سيادي.

ربما يكون تعاقد الجيش مع «بوينغ» على طائرة «F-47» خطوة غير مباشرة لإعادة تأهيل الشركة، وربما يكون الدور المقبل للحكومة الأميركية أكثر وضوحاً وصراحة: التدخل لحماية، بل لإعادة تشكيل، العملاق الصناعي الذي لا يمكنها أن تستغني عنه.

حادثة الهند، رغم مأسويتها، ليست سوى جرس إنذار. أما الكارثة الحقيقية، فستكون لو استمرت أميركا في التعامل مع «بوينغ» وكأنها شركة عادية في سوق تنافسي حُر، فيما هي بالحقيقة ركيزة من ركائز الأمن القومي في عالم يزداد خطراً يوماً بعد يوم.

*هولمان دبليو. جنكنز الابن كاتب عمود رأي ومحرر في صحيفة

back to top