رياح وأوتاد: الظروف الحالية تحتم المشاورة

نشر في 15-06-2025
آخر تحديث 14-06-2025 | 19:58
 أحمد يعقوب باقر

أكثر ما نُقل عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في «الشورى» كان في الحروب والأزمات، فمثلاً انتقل إلى ماء بدر نتيجة لرأي أحد الصحابة، فانتصر، وخرج لملاقاة كفار مكة في «أُحد»، نتيجة لرأي الشباب، وكانت خسائر المسلمين فادحة، إلا أن الله أكد ضرورة استمرار الشورى «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ». وقد أشارت عليه زوجته أم سلمة، بعد الهدنة في الحديبية، أن يبادر بالحلق والذبح، فتبعه الصحابة، وكانت «الحديبية» فتحاً عظيماً.

وفي سنواتنا المعاصرة، ثبت لدى لجنة تقصي الحقائق (التي تحولت بعد ذلك إلى لجنة تحقيق في بعض أعمالها) أن هناك في الحكومة وخارجها مَن كان يتوقع عدواناً شاملاً من العراق بقيادة صدام، واقترحوا الاستعانة بقوة رمزية جوية أميركية، وكان مجلس الأمة منحلاً، لكنّ الحكومة رفضت واطمأنّت إلى الرأي القاضي بأن صدام سوف يستولي على مناطق حدودية فقط، وكادت القيادة الشرعية تذهب ضحية هذا الاطمئنان، لولا فضل الله ورحمته.

ولا شك في أن ظروف الحرب الحالية بين إيران والصهاينة وغيرها من الأحداث والملمّات اليوم تحتاج إلى إعمال مبدأ الشورى. ومع إيماني بأن وزارة الخارجية بها كثير من الكفاءات والخبرات التراكمية من تلاميذ الشيخ صباح الأحمد، يرحمه الله، وقد أحسنت في التعامل مع الاعتداء الصهيوني، إلا أنها والحكومة أيضاً لا يمكن أن تستغني عن مشاورة المتخصصين وأصحاب الرأي، خاصة مع التقدم الكبير بالعالم في أساليب الحروب وحماية المدنيين، وانعكاس الحروب على خريطة الشرق الأوسط ومستقبل دوله.

في لجنة تقصي الحقائق، استعنّا بمجموعة من الخبرات العسكرية الكويتية المشهود لها، وكان التقرير صريحاً وحازماً في تحديد الأخطاء والمسؤوليات، وفي لجنة الأسرى التي ترأستها في مجلس 1992 استعانت اللجنة - بالإضافة إلى وزارة الخارجية واللجنة الوطنية للأسرى - بمكتب استشاري للدكتور سامي الفرج، يرحمه الله، وأيضاً اليوم أتابع باستمرار نشرات ودراسات مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات لصاحبه عبدالعزيز العنجري حول مختلف الأوضاع المحلية والإقليمية، وهي فعلاً دراسات قيّمة لا يستغني عنها مُتخذ القرار.

وفي الدول المتقدمة هناك مؤسسات قائمة بذاتها (think tanks) تقوم بدراسات متخصصة واستشراف رؤى المستقبل السياسي والاقتصادي، وتلجأ إليها الحكومات قبل الإقدام على قراراتها الأساسية.

باختصار، الشورى نظام شرعه الله تعالى، وتعمل به الدول المتقدمة على اختلاف أساليب الحكم فيها، ولا تستغني عن آرائها ونتائجها أي حكومة، سواء كانت مؤيدة لها أو معارضة.

هناك مثَلٌ عالمي يقول «الحروب لا تُترك للجنرالات وحدهم».

back to top