انفرط تحالف الأعداء وعلينا رصد الخلايا الإرهابية
منذ عقد ونصف العقد، كتبنا بأننا وقعنا في "فخ تحالف الأعداء"، أميركا وإسرائيل من جانب، وإيران من جانب آخر، فأميركا تتعاون سراً مع ألدّ أعدائها تحقيقاً لمصالحها، وأشهرها فضيحة "إيران - كانترو" ببيعها أسلحة لطهران بوساطة إسرائيلية مع بداية الثمانينيات، في أوج حربها الإعلامية مع إيران، وهو ما نبهنا له قادة الخليج آنذاك بأن الخلاف الأيديولوجي المعلن بين إيران من جهة وأميركا وإسرائيل من جهة أخرى يُستخدم كمادة إعلامية لاستهلاكنا المحلي، وأن ما قام به الرئيس الأميركي السابق أوباما يعتبر الأسوأ في تاريخ منطقة الخليج، بداية بدعوته للإيرانيين - بمناسبة رأس السنة الفارسية - لتجاوز نزاع دام عقوداً، فراح - كما يبدو - ينفّذ وثيقة إيرانية وُجّهت لإدارة بوش الابن بداية الألفين، عبر وسيط سويسري، تعرض فيها إيران على أميركا وإسرائيل شراكة سياسية تهيمن إيران بموجبها على الخليج، فرفضها نائب الرئيس تشيني، ولكن أوباما فعلها، وتحالف معهم، وسحب قواته من العراق ليسلّمه لإيران، وكاد يسلّم البحرين لولا تدخّل "درع الجزيرة"، لتتمكن طهران من المنطقة وتمدّ أذرعها بالعراق واليمن وسورية، إلى جانب لبنان منذ الثمانينيات.
هذا التحالف جعل إيران تطور برنامجها النووي، رغم ما تعرّضت له من عقوبات غير فعالة، مما أقلق إسرائيل، وراحت تقطع تلك الأطراف، مستعينةً بسيطرتها على القرار الأميركي، فخسرت إيران خلال عامين قواعدها بالمنطقة، غير أنه لم يكن وارداً في أذهان الكثيرين، ونحن منهم، أن يكون الضرب في العمق الإيراني، والذي يبدو أنه كان مخططاً له لسنوات، فتحذيرات الرئيس الأميركي الأخيرة بأنه لن يسمح لإيران بامتلاك قنبلة نووية كانت لعلمه بقرب تصنيعها. معلومات سريّة بين دول محورية بالمنطقة جعلت ولي العهد السعودي يحذّر منها في 2018 عندما أبدى قلقه حين صرح في باريس: "ماذا لو في عام 2025 أصبح بين إيران وإنشاء قنبلة نووية أيام معدودة؟!"، وهو ما حدث فعلاً بهذا الانقلاب التاريخي الذي تقوده إسرائيل لإعادة رسم المنطقة وربما حدودها الجغرافية، معبّرةً عن انهيار تحالف أعداء استمر أكثر من أربعين عاماً، بسبب قرب امتلاك إيران قنبلة نووية.
قد لا يكون لنا دور بالأحداث المتسارعة التي ستصبّ لمصلحتنا إقليمياً، ولكن لدينا دور مهم في الحفاظ على الجبهة الداخلية، وهي مسؤولية جسيمة منوطة بالجهات الأمنية السيادية، فتاريخ العمليات الإرهابية والخلايا الإجرامية لا يزال حاضراً، ومنها ما تمرّ ذكراه بعد غدٍ، حيث تم في ذاك الوقت عام 1986 استهداف مجمع نفط الأحمدي بثلاثة تفجيرات متزامنة بآبار نفط، كما اشتعلت شبكتا خطوط أنابيب، مهددة تسعة ملايين برميل نفط، وقد حُكم من جرّائها بالإعدام على ستة كويتيين موالين مذهبياً لإيران، اثنان منهم لا يزالان هاربين.
إن علينا مزيداً من الحذر، فالتمويل والتدريب لتلك الخلايا الإرهابية استمر، ومنها "خلية العبدلي"، في إشارة واضحة لانتمائهم السافر الذي قد يستفز مجدداً وفي أي لحظة، الخلية التي بعد أن حُكم عليهم، قاطع نواب بمجلس الأمة - بكل وقاحة - الجلسات في 2016، ثم عُفي عنهم بعدها بسنوات، وأطلق سراحهم، وعادوا لوظائفهم في واحدة من أسوأ الممارسات التي عززت الاختراق الأمني في جبتهنا الداخلية، إلّا أن هذه المرة ستكون الأخطر في حال القيام بأي عملية إرهابية لمصلحة إيران، لأنّ العدو اليوم هو إسرائيل الأشرس بالمنطقة، والتي حذّرت الدول المجاورة لإيران من أي أعمال معادية لها، لأن عواقبها ستكون كارثية ومدمرة، فالتهديد لإيران هذه المرة مصيري، وقد تستخدم كل أوراقها، فلا نودّ أن تكون ساحتنا إحدى هذه الأوراق، لذا على جهاتنا الأمنية والداخلية رصد أي محاولة لتحرُّك خلية إرهابية وقمعها.
قبل تسعة سنوات كتبنا أن الدولة الفارسية تنين من ورق، واليوم تبدو أكثر ورقية بعد تقطيع أطرافها بالمنطقة وقصفها!
***
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.