بدون مجاملة: «أبو العرّيف» في زمن وسائل التواصل

نشر في 13-06-2025
آخر تحديث 12-06-2025 | 19:52
 سارة صالح الراشد

في كل المجتمعات تجد أمثالاً شعبية ومسميات محلية وأوصافاً مجازية، تعبر عن حالات وشخصيات، مواقف وطباع، ورغم أن الحداثة والحياة التكنولوجية المزدحمة، المتسارعة قد أثرت على الثقافة واللغة والأساليب، لكننا نعود دوما إلى هذا الموروث لغناه وفصاحة تعبيره! وهناك ثقافة عالمية أو إنسانية مشتركة، يتفاهم فيها سائر البشر على اختلافهم، مجموعة من المصطلحات والنماذج التي تقصد معاني واحدة يدركها البشر جميعا.

من المسميات المشهورة في العالم العربي (أبو العرّيف)، وهو الشخص الذي يدعّي المعرفة في كل المجالات، ولا تراه في مجلس إلا ويعلق -بثقة- على كل المواضيع ويعقّب متوهما الخبرة بمختلف القضايا!

«أبو العريف» حاضر في المجتمع الغربي على حد سواء! ويسمى Mr. know it all وهو ذاته الذي يعتقد أنه خبير في كل شيء ويتصرف بثقة مفرطة، فيلغي الآخرين ويرفض الآراء وينكر الإضافات ولا يتقبل المناقشات.

في زمن وسائل التواصل الاجتماعي انتشر نموذج «أبو العريف» كثيرا! وسهل لعب هذا الدور أكثر! فالهواتف في أيدي الجميع، والمشاركة والمتابعة والتفاعلات تحصل في أي وقت! كما أن حب الظهور والسعي للفت الانتباه صار أمرا مشوقا بل وتنافسيا! حتى وإن كان في الباطل والتافه! تجد من يستميت لنيل الاهتمام، أو كسب المال، دون معايير أو نفع، فضلا عن التعليقات المتطرفة في السلب أو الإيجاب! أو الخوض فيما ليس من شأنك، وحتى ما ليس لك به علم!

«أبو العرّيف» ليس بالضرورة أن يكون شخصا بسيطا يلهث خلف الانتشار، قد يكون فردا متعلما موهوبا يحظى بمستوى معيشي مريح جدا، لكنه يثرثر في أمور ليست من صميم اختصاصه، ويقدّم آراء شخصية بأسلوب حازم وكأنه توصل إلى اكتشاف غير مسبوق! الطبيب البشري الذي يطرح المشاكل والحلول للقضايا الأسرية! المزارعة التي تتحدث في علم النفس وتنفي الدراسات! الرياضي الشاب الذي يقيّم الأزياء النسائية!

صحيح أن للأفراد ميولاً متعددة، ولدينا جانب المهنة وجانب الهواية، الاهتمامات تتغير، والإنسان يتعرف على مجالات جديدة ويتطور، لكن هناك فرق بين أن تتعلم وتمارس، تبدع وتتشارك، وبين أن تظن أنك تعرف كل شيء وتقتحم كل مجال وتتحدث في كل الأمور وتركب كل موجة!!

يبدو أن «أبو العريف» في زمن التواصل قد صار عنده هوس مضاعف! وكبر انخداعه بنفسه مع كبر أعداد المتابعين! فتارة يتحدث في مجاله وكأنه الأعلم والألمع! وتارة يتحدث في مجال غيره وكأنه الأصوب والأجدر!

أتقنوا مهنكم واصدقوا فيها، مارسوا هواياتكم وعرّفوا بها، انشروا البهجة واحترموا آداب المجتمع، اكتشفوا حقولا جديدة واكتسبوا المعارف البشرية والعلمية.

تواضعوا وتذكروا أن «نصف العلم... لا أدري».

back to top