إصلاح التربية والتعليم (3)

نشر في 13-06-2025
آخر تحديث 12-06-2025 | 17:32
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

في هذا الجزء ألخِّص لحضراتكم «الأهداف التربوية» التي تُعد أول مرحلة من مراحل بناء المنهج.

لكل بلد طبيعة جغرافية وسياسية واقتصادية وبُعد تاريخي، لذلك لا بد لكل دولة أن ترسم لنفسها أهدافاً تتناسب مع ثرواتها الطبيعية والاجتماعية والجغرافية، وكل ما يحيط بها من مميزات وتحديات ومعوقات.

إن تحديد الأهداف التربوية والتعليمية للدولة ليس أمراً مقتصراً على وزارة التربية فقط، فهي عملية بالغة الأهمية والتأثير، لأنها تمثل الترجمة العملية لفلسفة الدولة، وهويتها، وطموحاتها المستقبلية، وما تتطلع إليه.

للأهداف ثلاثة مستويات: أهداف طويلة المدى، ومتوسطة، وقصيرة. وتنقسم إلى خمسة أقسام أساسية: أهداف عامة، وأهداف سياسية، وأهداف اقتصادية، وتربوية، وتعليمية. وتُعد الأهداف هي الإطار العام للنظام التعليمي ومؤسساته المختلفة، وما تحتاجه البلاد، وما ينبغي على المؤسسات التعليمية عمله، ومن خلاله يمكن تقويم عمل تلك المؤسسات.

فالأهداف عملية استراتيجية تشترك فيها عدة جهات، أولها السياسة العليا للدولة، ورؤيتها، وما تتطلع إليه، ثم مؤسسات المجتمع المدني والجامعات ومراكز البحث، وما ترغب في تحقيقه. فهل هدفنا أن نكون مركزاً مالياً واقتصادياً (قوة اقتصادية)؟ أم مركزاً علمياً يقوم على الاقتصاد المعرفي (قوة علمية) تعتمد على مهارات التفكير العليا والتفكير الإبداعي، والذكاء الاصطناعي؟ أم مركزاً ثقافياً وفنياً وإعلامياً، كما كُنا في السابق (قوة ناعمة)؟ أم دولة صناعية صغيرة تنافس وتُسهم في تطوير صناعة من الصناعات الضرورية؟... وهكذا.

يقول بعض المختصين: حتى الأهداف العامة قد تتغيَّر بتغيُّر الزمان والأحداث، لكن لا بد أن تبقى الثوابت قائمة لا تتغيَّر في المنهج (الدين، الأخلاق، اللغة، الهوية).

عزيزي القارئ، إن تحديد الأهداف التربوية لصياغة المنهج التعليمي للدولة ليس بالأمر اليسير، وليس كما يظن البعض، أن كل شيء ممكن استيراده وترجمته وتطبيقه!

هل تعلم أنه على الرغم من التقارب الثقافي الغربي، فإنه عندما قامت إحدى الجامعات الأميركية بتدريس كتاب «بريطاني» في التربية، اجتمع مستشار وكالة التعليم الأميركية، د. كوننت، بالمستشارين، وقال لهم: «لا أدري متى تذهب هذه اللعنة عن بلادنا. كيف تتبادل التربية كما تتبادل المعلبات؟! نقل الفكر التربوي أو الاجتماعي يختلف عن نقل البضائع!».

وفي الطرف الآخر، يقول البريطاني هانز إيزيننك، العالم السيكولوجي السلوكي: «يجب أن نتوقف عن تدريس الكتب الأميركية، لأن أبحاثها أُجريت على المجتمع الأميركي، وهذا ليس بالضرورة أن يناسبنا».

عزيزي القارئ، إن احتياجنا لتعلم اللغة العربية بعُمق، وتعلم القرآن وعلومه والهدي النبوي الشريف، والتركيز على ذلك في المراحل الأولى بمناهجنا التعليمية مع تعزيز العادات والتقاليد الحميدة، هو ما ينبغي أن يرتكز عليه نظامنا التعليمي العربي، لأنه هو الأساس الصلب الأصيل، وهو هويتنا، ومرجعنا الذي تُبنى عليه أي مادة علمية أخرى. أما بقية المقررات، فتحدَّد موضوعاتها وكمياتها وتفرعاتها بتحديد الإطار العام لرؤية الدولة.

back to top