حوسة حواس: التيار الحداثي العلمي وحروبه!
حين اكتظت وسائل الإعلام الرسمية والإلكترونية، مقروءة كانت أو مسموعة وحتى المرئي منها، بأخبار مقابلة عالم الآثار المصري الكبير د. زاهي حواس مع أشهر مقدم لبرامج على طريقة الـ videocast السيد/ جو روجان، كان لابد من معرفة الأسباب وراء هذا كله، ولم الضجة الإعلامية و«الحوسة» و«الزيطة والزمبليطة»؟ ولم تصدرت تلك المقابلة الأخبار العالمية قبل الإقليمية وحتى العربية والمصرية؟ الموضوع برمته لم يلق ذاك الرواج خليجياً ولا حتى محلياً هنا في الكويت، فمن سؤالي لمن هم حولي لا حس ولم يسمع عن الموضوع أحد لا من بعيد ولا من قريب ولا حتى القلة القليلة. ولأنني متابع حثيث ودقيق للأخبار والأحداث المصرية لقناعتي بأنها ستصل إلينا بصورة أو بأخرى وجب علي التعمق في المسألة أكثر وأكثر. وما عرفته واكتشفته كان صادماً لي أكثر من أي أمر آخر، بل ومنه تعرفت وعرفت شيوع الخبر لدى الغرب والبلبلة التي أثيرت إزاء المسألة أصلاً.
وفي الحقيقة والواقع كان الموضوع واس المشكلة لا علاقة لها بتاتاً لا بزاهي حواس ولا الأميركي جو روجان ولا المقابلة المشار إليها البتة. بل هو صراع الماضي والحاضر، التيار الحداثي ومن ينتمي إلى السردية والرواية الرسمية في أي أمر، من يؤمن بأن العلم هو «كائن عضوي يتطور بتطور البراهين والأدلة» ومن يحافظ على السردية الكلاسيكية المعروفة والرواية المحفوظة، ليس بشرط الحفاظ على مصالح ما بل لأنها منطقة راحة بالنسبة لأولئك الناس.
وهنا وجب أن نشير بوضوح إلى أن هذا المقال هو مقال فني توضيحي لا يهدف إلى الطعن في الشخوص المذكورة ولا حتى انتقادهم بل يهدف إلى شيء آخر وهو الدفاع عن تفتح وتفتق المدارك مع الأدلة العلمية والبراهين في كل شيء، لا أن تقابل الأمور والمسائل بعقل متحجر رافض للتغيير أمام الدليل العلمي. وكما أشرت سلفاً إلى أن طابع هذا المقال هو فني علمي لا هجومي ولا صِدامي البتة.
تبدأ القصة على النحو التالي، وتحديداً في شهر مارس الماضي، وفي مؤتمر صحافي لثلاثة علماء ومهتمين بالشأن: فيليبو بروندي (دكتوراه وأستاذ جامعي في الهندسة الكهربائية ومتخصص بالرادارات من جامعة بيزا الإيطالية، ونجم قصة هذا المقال)، وكورادو مالانجا (كيميائي)، وأرماندو ميي (صحافي مهتم). الإعلان كان عن مسح راداري من خلال تقنية مبتكرة تدعى SAR أو الرادار ذا الفتحة الصناعية. أما الخبر بذاته فهو أن الهرم الثاني في منطقة الجيزة الأثرية (خفرع) يحوي أدناه أعمدة ودعامات.
ضجّت وسائل الإعلام وبدأ الهجوم على هذا الكلام والفكر الحداثي الجديد في هذا الزمن، كما كان في سالف الأزمنة السابقة والغابرة. وبدأت الأسئلة التشكيكية تتوالى حتى الوصول إلى المسائل الشخصية عن طريق الهجوم المتواصل على هؤلاء الباحثين في أسلوب يذكرني بالهجوم الذي مر على أمثال جاليليو جالالي وليوناردو داڤينشي وحتى عباس بن فرناس، حين نظروا واجتهدوا في مجالاتهم. ومن هنا تصدر المشهد للفكر التقليدي عدد من العلماء والأسماء المعروفة لفرض السردية المعتادة أن الرادارات لا تكشف سوى بضعة أمتار، وأن هؤلاء (الطليان) ليسوا سوى هواة لا يفقهون شيئاً ولا يعرفون أصلاً كيفية بناء الأهرامات ولا أصلاً هناك دليل على كلامهم أو حتى إثبات. اتى الرد الإيطالي لاحقاً ومن بعد بهارات الإعلام أنهم صرحوا بوجود مدن تحت الأهرامات، بأن اكتشافهم مثبت ومدقق وتمت مقارنته بأدلة علمية عدة، والأصل هنا أن تقنيتهم لا تحتاج إلى تصاريح لزيارة المواقع بل تعمل بالأقمار الصناعية، وأنهم فقط صرحوا بالبيانات التي يمتلكون بأن ما تحت الهرم الثاني أعمدة.
هذا الصراع كان أساس الحرب الإعلامية كلها ما بين فكر الأمس ودليل اليوم، وهنا يتبين لنا أهمية معرفة كيفية التعامل مع الأحداث المتسارعة للعلم. ومن هذا المنبر الصحافي أوجه هذه الرسالة إلى كل الجهات العلمية والأكاديمية في دولة الكويت لاستضافة الفريق الإيطالي ودعمه محلياً، لأنني سمعت عن وجود آثار تحت رفات المباركية لدينا، وبالطبع في المناطق الأثرية بجزيرة فيلكا ومنطقة كاظمة الشمالية. بل إن دفع عجلة التطور ودعمها هنا أمر وجب تبنيه وتبني الفكر الحداثي في العلوم المعاصرة، والله كريم وهو المستعان.