«طوفان الأقصى» الذي أغرق شعب غزة بدماء أبنائها
عند قيام «حماس» بعملية «طوفان الأقصى» سعت إلى أن تستثمر ذلك الحدث سياسياً، من خلال كسب المزيد من الشعبية في الأوساط الفلسطينية المُحبطة نفسياً داخل قطاعَي غزة والضفة الغربية من الأوضاع المعلَّقة (لا سلم ولا حرب)، وعلى مدى سنوات مضت بين السُّلطة الفلسطينية وإسرائيل، لعلَّها تجير هذا المكسب السياسي لمصلحتها في خضم صراعها للوصول للسُّلطة بينها وبين القيادة الفلسطينية، ممثلة بمنظمة فتح والرئيس بومازن. وهذا ما أكدته الاستفتاءات الشعبية التي جرت في أول أيام القتال، ومن قِبل مراكز علمية متخصصة بالضفة الغربية، بارتفاع ملحوظ في شعبية «حماس»، مقارنة باستفتاءات تمَّت قبل شهرين من تلك الأحداث.
لكن الرد الإسرائيلي فاق المتوقع من قِبل «حماس» كثيراً، ولم يكن في الحُسبان أبداً مقارنة بمواجهاتها السابقة، حيث قام الجيش الإسرائيلي، بكامل عدته وعتاده وخلال ساعات فقط، باجتياح شامل لكل قطاع غزة. وخلال فترة وجيزة قضى على عشرات المئات من شعب غزة، معظمهم من الأطفال والعجائز والمشايخ وآلاف المصابين ومئات آلاف المهجَّرين ونسبة كبيرة من الدمار في المساكن والبنى التحتية ومراكز الخدمات الصحية والتعليمية... وغيرها.
أما «حماس»، فيبدو أنها غير معنية بالثمن الذي يدفعه الشعب الغزاوي من دماء أبنائه في كل يومٍ جديد يمرُّ في إطالة عُمر هذا القتال، بل في كل ساعة ولحظة، إضافة لمنع الجيش الإسرائيلي دخول المساعدات الغذائية والدوائية للقطاع، كنوعٍ من الضغط على «حماس»، حتى أصبح أهالي قطاع غزة يعانون الجوع والفقر والأمراض وانتشار الأوبئة، وأصبح مألوفاً المشهد اليومي لآلاف الفلسطينيين وهم يتدافعون للحصول على لقمة العيش لهم ولأبنائهم في مشهد بؤس يعود بالإنسانية إلى عصور ما قبل التاريخ. فهل كان هذا الهدف من «طوفان الأقصى» أن يصل بالشعب الغزاوي لهذه الدرجة من المجاعة والبؤس والتخلف؟!
ورغم التفوق الميداني الكبير والواضح الذي يصب في مصلحة العدو الإسرائيلي، لا تزال «حماس» تتمسَّك بشعارات المقاومة والتصدي الفارغة من مضمونها في مثل هذه الظروف الإنسانية الحرجة، نظراً لأعداد الخسائر البشرية الكبيرة والهائلة في صفوف شعب غزة حتى اليوم، نتيجة عدم التكافؤ القوي والهائل بين الطرفين.
ورغم كل هذه الأوضاع الكارثية التي تعيشها غزة، فإن الأمر المُستغرب أن «حماس» وأنصارها مازالوا يَعِدُون الشعب الفلسطيني والعربي بالنصر! أي نصر هذا؟! إلا إذا كانوا يعتبرون موافقة إسرائيل على هدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس نصراً.
وهذا اللغط أو الخلط المتعمَّد اعتادت عليه «حماس»، حيث سبق لها وما زالت تجير تظاهرات التعاطف الدولي مع مأساة ونكبة الشعب الغزاوي إلى دعم وتأييد لها ولموقفها، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
ما يهمنا من كل ذلك هو نزيف الدم الغزاوي المهدر طوال العشرين شهراً السابقة، والذي أصبح هو الثمن الفعلي لهذه العملية العبثية (طوفان الأقصى).
لذلك يتوجَّب على «حماس» وعلى جميع الفصائل المسلحة، انطلاقاً من واجبها الوطني والإنساني والأخلاقي والديني، إنهاء القتال الدائر الآن في غزة بأسرع وقت، وبأي شكل، لحقن دماء أهلها، وأن تضع حداً لهذه الأوضاع المأساوية واللاإنسانية التي يعيشها شعب غزة حتى هذه الساعة واللحظة.