عظمته لا تسقط بالتقادم

نشر في 11-06-2011 | 01:01
آخر تحديث 11-06-2011 | 01:01
ماذا تبقّى من نجيب محفوظ؟... سؤال يتردّد كثيراً في الأوساط الثقافية العربية مع الاحتفال بمئة عام على ذكرى ميلاد أديب «نوبل»، وتخصيص هذا العام له، وللإجابة عن هذا السؤال عُقدت فاعليات وندوات كثيرة.

الناقد الأدبي د. زكي سالم، أحد أصدقاء محفوظ، قال لـ «الجريدة»: «إن ما تبقى من نجيب محفوظ كثير جداً، لكن المشكلة تكمن في أن شبابنا المصري والعربي لم يقرأ نجيب محفوظ، فأعماله غائبة عن الجامعات المصرية والعربية وجميع مراحل الدراسة العامة».

تابع سالم أن غياب الاطلاع على محفوظ يمتدّ ليشمل غالبية المهتمين بالثقافة العامة، مشيراً إلى أن أعمال محفوظ قُدمت سينمائياً ومسرحياً، وهذا ما أتاح لأفكاره الوصول الى جماهير عريضة من المحيط إلى الخليج، بينما لم تتح تلك الفرصة لأدباء كبار مثل توفيق الحكيم ويحيى حقي وطه حسين.

أضاف سالم «أن القيم التي حملتها أعمال محفوظ وبرزت خلال مشروعه الأدبي حاضرةٌ بقوة في ظلّ المناخ الثوري الذي نشهده في أكثر من قطر عربي، فأديب «نوبل» واحد ممن قادونا إلى ثورة الشباب».

بدوره، أكدّ الأديب يوسف القعيد أن نجيب محفوظ لم يكن محظوظاً، لأن ثورة 25 يناير جاءت لتلتهم عدداً من أشهر عام احتفاليته، وتعطّل جزءاً كبيراً من فاعلياتها، وكشف في ندوة نظّمتها لجنة القصة في المجلس الأعلى للثقافة للاحتفال بنجيب محفوظ عن أن قناة CNN صوّرت فيلماً تسجيلياً لمناسبة عيد ميلاد نجيب محفوظ في ديسمبر 2004، إلا أنها لم تعرضه، لأن الأديب الراحل انتقد فيه أميركا، ووجّه إليها رسالة شديدة اللهجة.

أما الأديب خيري شلبي فلفت الى أن محفوظ قدّم عالماً ثرياً جداً، ممتلئاً بالروايات والقصص القصيرة، ما يعدّ أغنى عالم روائي لأيّ كاتب في العالم. ورأى الناقد د. شريف الجيار «أن نجيب محفوظ يعدّ مركز الإبداع العربي ولحظة تاريخية فاصلة في تاريخ الإبداع العربي في القرن العشرين وحتى هذه اللحظة، إذ ترك لنا مكتبة سردية تمثّل مدرسة في الكتابة التزمت بما يعرف بالواقعية الفنية، وقد انتقل محفوظ في الكتابة من أقانيم ثلاثة هي: «الفلسفة الوجودية، الصوفية، والعدل»، فهيمنت على إبداعه، لأنه استطاع هضم واستيعاب التراث الفرعوني والإسلامي والعربي شعراً ونثراً، وهذا ما انعكس على إبداعه، فأصدر في البداية «عبث الأقدار» و{كفاح طيبة» و{رادوبيس»، ثم انتقل بعد ذلك إلى كتابة الواقعية الفنية ليعبّر عن قاهرة المعز من خلال مقهاه الذي مثّل رمزاً لمصر من الأربعينيات وحتى عام 1990».

أضاف الجيار «أن نجيب محفوظ كان دائماً ينتصر في كتابته للشعب ضد السلطة، وهذا ما برز بوضوح في رواية «ليالي ألف ليلة» التي استلهم فيها عوالم شهرزاد ليعبّر عن خلافه السياسي مع الرئيس الراحل أنور السادات وتحيّزه الى الشعب المصري».

كذلك أشار الجيار إلى أن محفوظ رمز عربي عالمي، وضع خارطة الأدب العربي في عيون الغرب، «وأتمنى أن نجد «أديب نوبل» في كل المبدعين، ولكن بأشكال خاصة بهم».

الروائي فؤاد قنديل شبّه محفوظ بجبل الجليد الذي لا يظهر منه إلا القليل مما تحت الماء، فما قدمه أقل بكثير مما لا يزال تحت القراءة والدرس، مضيفاً أن محفوظ ترك لنا تراثاً قصصياً وروائياً بل وفكرياً وفنياً كبيراً، وليس من السهل في المدى القريب على الأقل تجاوزه، ومشيراً إلى أن التنوّع والعطاء الغزير والرؤى التي قدّمها محفوظ من خلال إبداعات ذات أنفاس طويلة وبإمكانها أن تبقى حتى أجيال مقبلة عدة.

هجوم

شنّ الشاعر المصري البهاء حسين هجوماً حاداً على ما سمّاه بـ{تجارة نجيب محفوظ»، وقال: «أكره هذا الرجل لأسباب لا تتعلّق به بل بحوارييه الذين تاجروا به حياً وميتاً، وجعلوا من يوم ميلاده ووفاته «مولد سيدي نجيب محفوظ». أعرف أنه ليس السبب في ذلك، لكنه سمح للصغار بالتقرّب منه، لهذا فهو يتحمّل جزءاً من المسؤولية».

 أضاف: «على رغم ذلك، يتبقى من نجيب محفوظ الكثير من الإيجابيات أهمّها الالتزام بالكتابة والمراهنة على الزمن، مشروعه الضخم ومنجزه في الرواية العربية الحديثة، وجائزة «نوبل» وهي الاقتناص الوحيد في الأدب العربي».

من جهته، اعتبر الشاعر حلمي سالم «أن محفوظ أوجد طرقاً جديدة في كتابة الرواية والقصة، وعمل على تحديث أشكال الرواية، وساهم في نقلاتها، كما في «نماذج القصة العبثية التجديدات الشكلية»، وكما يبرز في قصصه ذات الطابع المسرحي، وفي تغذية الرواية العربية بطابع شعري ومثال على ذلك «في أصداء السيرة الذاتية» و{أحلام فترة النقاهة» وغيرهما من الأعمال».

أضاف سالم: «يتبقى من محفوظ الكثير فكرياً وأذكر: دعوته للاشتراكية الديمقراطية، للعدالة والحرية والاشتراكية التي لا تتجاهل الديمقراطية، دعوته للتقدّم الحضاري ووصله الحقب التاريخية الفرعونية بالقبطية وبالإسلامية بالحديثة، لأن في اعتقاده أن تواصل الأحقاب التاريخية المصرية هو ما صنع الحضارة من دون إسقاط لأي عصر من هذه العصور التاريخية».

واختتم حلمي كلامه بالقول: «يتبقى من محفوظ احترامه للكتابة التي لم يتوقف عنها أبداً حتى وهو مريض بالشلل ومع عدم قدرته على الكتابة بيده، فالأديب العظيم لا يسقط بالتقادم ولا يقل بل يزيد».

الناقدة والأديبة د. أماني فؤاد قالت «إن الذي تبقى من نجيب محفوظ ومشروعه الأدبي مزيج من الفكر والأدب، إذ تمتّعت أعماله جميعها بثراء فكري وأدبي صنع منها صورة أدبية رائعة، ومادة ثرية لتكون موضوعاً لكثير من الأعمال السينمائية والدرامية، وذلك بسبب قربها من الواقع المحيط على رغم عمق الأفكار الفلسفية التي حملتها. كذلك، استخدم محفوظ بعض تقنيات السينما في كتابته، وكتب وشارك في كتابة نحو 60 سيناريو لأعمال سينمائية، كما حُوِّل 50 عملاً من أعماله القصصية والروائية إلى أعمال درامية».

أضافت فؤاد أن قيمة العدل والحرية والديمقراطية والأفكار الليبرالية الحقيقية، كّلها أمور نادى بها محفوظ في أعماله وكانت هي شعارات الثورات العربية، ونادى أيضاً بتداول السلطة وحقوق الإنسان، مشيرةً إلى أن أعماله بحاجة الى إعادة قراءة، «إذ نجد فيها مستويات متعدّدة منها ما يخصّ المتلقي العادي ويمسّ الواقع ومنها ما يكشف عن رؤى فلسفية وفكرية عميقة».

واختتمت فؤاد: «أعمال محفوظ بحاجة مستمرة الى مزيد من التأويل والدراسة، لأن القضايا التي ناقشها، مثل الموت والتصوّف وعلاقة الإنسان بالغيبيات، تظلّ كلّها محل جدل على مر الأزمان».

back to top