استراتيجية {بوكو حرام} الإرهابية... الفتيات الانتحاريات

نشر في 06-05-2016 | 00:01
آخر تحديث 06-05-2016 | 00:01
بدأ الجيش النيجيري يفرض سيطرته تدريجاً في معركته ضد «بوكو حرام». لكن لم يسكت التنظيم الإرهابي الإسلامي على ما حصل وبدأ يستعمل الشابات لتنفيذ عمليات انتحارية. «شبيغل» تحدثت إلى عدد من الفتيات اللواتي نجحن في الهرب.

استيقظت في وقت مبكر من الصباح. كان الطفل الذي وُلد منذ بضعة أسابيع ممدداً بالقرب منها ويتنفّس بهدوء واضعاً وجهه مقابل وجهها. سمعت فاطمة أصوات نساء يقتربن من خيمتها ثم دخلن وأمسكن بها من معصمَيها لجرّها إلى الخارج. صرخت وبكت وراحت تتعثّر على الأرض.

كانت تعرف ما تريده تلك النساء. لقد شاهدت كيف زوّدْنَ فتيات أخريات بأحزمة ناسفة وكيف اصطحبهنّ المقاتلون إلى ضواحي المدينة في شاحنات صغيرة وعادوا من دونهنّ. كانت فاطمة مرشّحة مناسبة لتصبح قنبلة فاعلة. لن تثير هذه الفتاة التي تحمل طفلاً حديث الولادة أي شبهة وستتمكن من شق طريقها بسهولة وسط الحشود لقتل عدد كبير من الناس. صرخت: {لن أفعل ذلك!}. تابعت النساء دفعها وقلْنَ لها: {سنقتلك إذاً!}. صرخت مجدداً: {لا يهمني. هيا اقتلوني. رأيتُ كثيرين يموتون}.

وقف قائد المعسكر أمام خيمته وانتظر. كان صديقاً قديماً لوالد فاطمة وعاش سابقاً في البلدة المجاورة. كانت فاطمة وأشقاؤها يقدمون المساعدة في موسم حصاد البصل في حقوله حين كانوا صغاراً. قال للنساء: {لا تخترنها. تبدو خائفة جداً وستفجّرنا جميعاً هنا في المعسكر!}.

جلست فاطمة في غرفة عادية من قسم المعاينة الطبية في مقر اليونيسف في مخيم اللاجئين، على طرف مدينة «مايدوجوري» في شمال شرق نيجيريا. في وقت متأخر من بعد الظهر، كانت الشمس حارقة. تابعت الكلام وقالت: «شعرت النساء بالسخط وبدأن يضربْنَني بالعصي والأسلاك». رفعت ثوبها وكشفت عن بقع وندوب داكنة على بطنها ووركَيها.

تعيش فاطمة في هذا المكان منذ بضعة أشهر. تفتح القصة التي تسردها هذه الشابة الباب على عالمٍ لا يزال خفياً عموماً. يرتكز ذلك العالم على مفهوم العدمية المطلقة والازدراء التام بحياة البشر ويبدو خيالياً وغير واقعي بأي شكل. لكنه حقيقي ويبدأ على بُعد 60 كيلومتراً فقط من {مايدوجوري». إنه عالم يكره الحياة ويقدّس طقوس الموت بحجّة الدين وتعيش فيه أكثر الجماعات الإسلامية إجراماً: «بوكو حرام». القصة الكاملة من {شبيغل}.

منذ عام 2009، لم يُقدِم أي تنظيم إرهابي آخر (لا «القاعدة» ولا «الدولة الإسلامية») على قتل الناس بقدر «بوكو حرام». يقال إن عدد ضحايا هذه الجماعة وصل إلى 27 ألف.

في الفترة الأخيرة، استعاد الجيش النيجيري بقيادة رئيس البلاد الجديد، الجنرال السابق محمد بخاري، بعض الأراضي ودفع الإسلاميين إلى التراجع. تحدّث تحالف عسكري مؤلف من الكاميرون والنيجر وتشاد وبنين عن تسجيل نجاح مهم في معركتهم ضد {بوكو حرام}. يزعم القادة العسكريون أنهم احتجزوا زعيماً مهماً للإرهابيين وأطلقوا سراح مئات الرهائن.

لكن لم يُهزَم الإسلاميون بالكامل بعد. رسّخت هذه الجماعة نفسها بعمق ووصلت إلى البلدان المجاورة. كذلك غيّرت استراتيجياتها وكأنها فيروس متحوّل. رغم خسائرها العسكرية، تمكّنت من استهداف المجتمع ككل عبر استعمال الشابات كقنابل بشرية.

على خدَّي فاطمة ندبان شبيهان بالغمازات. في صغرها، كان والداها يُحدثان شقوقاً جلدية كنوع من الزخرفة. لكن منذ يوم السبت المشؤوم الذي أقدم فيه مقاتلو {بوكو حرام} على مهاجمة بلدتها وإطلاق النار على الرجال، بمن فيهم شقيقها الأكبر، لم تتواصل مع عائلتها مطلقاً.

جمع المقاتلون النساء والأولاد في شاحنات صغيرة وأخذوهم نحو الغابة. هناك نامت فاطمة بالقرب من فتيات أخريات وَصَفهنّ المقاتلون بـ}العبدات}. بدت عينا فاطمة متعبتَين لكنها كانت تتكلم بصوت حازم.

تقول إنها رفضت شرب سائل أحمر جلبوه للفتيات، فسكبته على الأرض حين لم يكن أحد يراقبها. لم تعلم الفتيات محتواه، لكن شاهدت فاطمة مفعوله على صديقتها. في الماضي، كانت تبيع الحليب في السوق مع تلك الفتاة. تقول إن صديقتها راحت تتلوى على الأرض وخرجت رغوة من فمها. ثم وضع المقاتلون مسدساً في يدها وطلبوا منها أن تطلق النار في جبين عمة فاطمة لأنها رفضت الزواج من أحد الإرهابيين. قالت فاطمة إن الرصاصة خرجت من الجهة الخلفية لجمجمة عمّتها.

العمل في سبيل الله

لما كانت فاطمة ترفض بشكل متكرر مشاهدة عمليات الإعدام، ربطتها نساء {بوكو حرام} بشجرة وأجبرْنَها على مشاهدة حصة لتعليم فتيات أخريات إطلاق النار عبر استهداف قطيع من الماعز. اضطرت أيضاً إلى مشاهدة خطوات تجهيز الفتيات للاعتداءات الانتحارية.

كلما خسر التنظيم معركة ضد الجيش، كان يرسل انتحارية جديدة. كان بعضهنّ جزءاً من نساء {بوكو حرام} اللواتي تطوّعْنَ لهذا العمل، بينما ظنت أخريات أنها فرصة جيدة للهرب. لكن كان عدد منهنّ يُجبَر على تنفيذ العمليات. كانت النساء ينزعن أثواب الفتيات السوداء ويُلبِسْنَهُنّ أثواباً ملونة ثم يضعن حزاماً حول خصرهن قبل أن يملأه الرجال بالمتفجرات. ثم تحصل الفتيات على التعليمات: {اذهبن إلى أماكن تعجّ بالناس ثم اضغطوا على الزر}. قال المقاتلون إنها {حرب مقدسة} وإنهم يعملون في سبيل الله.

تبين أن استعمال الشابات كقنابل حية استراتيجية فاعلة يمكن أن تقلب الثوابت كافة وتحوّل النساء اللواتي يعطين الحياة إلى رسل موت، وتزرع مشاعر انعدام الثقة في كل مكان. إذا كنا لا نثق بشابات بأثواب ملونة، بمن سنثق؟

في شهر مارس، قتلت فتاتان أكثر من 20 شخصاً في مسجد على طرف {مايدوجوري». بعد بضعة أيام، فجّرت فتاة نفسها أمام دورية عسكرية فيما حاولت فتاة أخرى الهرب لكنها تعرّضت لإطلاق النار. وقع 89 اعتداءً مماثلاً على الأقل في عام 2015، ونفّذت النساء معظمها.

أثناء احتدام المعارك في البلدات، تتّجه الانتحاريات نحو الجنود ضمن مجموعات قبل أن يفجّرن أنفسهنّ. في شهر يونيو الماضي، فجّرت انتحاريتان نفسَيهما في سوق السمك في {مايدوجوري». وعثرت الشرطة على طفلة حية عمرها سبع سنوات كانت مزوّدة أيضاً بحزام ناسف.

أسلاك شائكة

في مخيم {ديكوا} للاجئين، قتلت فتاتان أكثر من 70 شخصاً في شهر فبراير. لكن رفضت شابة ثالثة تفجير نفسها حين شاهدت والدَيها وسط الحشد. كانت «مايدوجوري» المنطقة التي انطلقت منها «بوكو حرام»: إنه مكان مغبر وبسيط وتسير فيه الحياة ببطء: تتجوّل عربات صفراء ثلاثية العجلات في الشوارع ويبيع التجار هناك البرتقال والبطيخ. لكنّ هذا الهدوء لا يعكس حقيقة الوضع. تُحاط «مايدوجوري» بخنادق مضادة للدبابات وأنشأ الجنود هناك مراكز تفتيش على الطرقات المؤدية إلى المدينة. وتكون المنازل الفخمة ومخيمات اللاجئين محاطة بجدران وأسلاك شائكة، فتبدو شبيهة بالسجون.

تضخّم العدد السكاني في المدينة من مليون نسمة سابقاً إلى 3 ملايين اليوم. هرب عدد كبير من القادمين الجدد من الإرهاب في بلداتهم، لكن يعيش عدد قليل منهم في مخيمات رسمية للاجئين. لا يستطيع هؤلاء الناس العودة إلى ديارهم لأن العدو لا يزال هناك. تعجّ المدينة بأشخاص تعرّضوا لسوء المعاملة.    

يرتفع عدد الأولاد بينهم، مثل غبينغا، ابن سائق سيارة أجرة عمره 12 سنة. في صباح أحد أيام السبت خلال شهر رمضان، وصل مقاتلو {بوكو حرام} وخطفوه مع نسيبه على مسافة قريبة من بلدته الأم. قالوا له في مدرسة القرآن في المعسكر الإرهابي: {سنرشدك إلى طريق الله}. وقيل له أيضاً إن قتل جميع الكفار واجب ديني. يذكر غبينغا: {كنت أعلم في قلبي أنهم مخطئون}. تحدّث إلى نسيبه بلهجتهما القبلية وسخرا من الخاطفين. لكن فهمت إحدى نساء {بوكو حرام} كلامهما وعوقبا بعشر جلدات.

لأن الصبيَّين كانا أصغر من أن يذهبا إلى الحرب، أُجبرا على تقديم المساعدة في منازل عائلات {بوكو حرام}. كانا يهتمان بالأطفال ويقدمان الطعام ويغسلان الملابس. في أحد الأيام، طُلب إليهما أن يجلبا الماء فاستغلا الفرصة وهربا.

في مرحلة لاحقة، استجوب الجنود غبينغا ونسيبه، فقال الصبيان إنهما لم يُجبرا على الانضمام إلى القتال. كانا يقولان لمقاتلي {بوكو حرام} دوماً إن الأسلحة ثقيلة جداً ولا يستطيعان حملها. صبّ هذا الوضع في مصلحتهما لأن الجيش يحتجز كل من درّبه تنظيم {بوكو حرام} على استعمال الأسلحة.

منشـأ {بوكو حرام}

يعيش غبينغا اليوم مع شقيقه في {مايدوجوري»، حتى أنه عاد إلى المدرسة. حين سُئل عن مستقبله، أجاب أنه يريد أن يصبح مصرفياً: إذا كنت تملك المال، لن يستطيع الناس إجبارك على شيء!

على مسافة غير بعيدة من منزل غبينغا الجديد، في {حي سكة الحديد}، كانت الجدران مليئة بثقوب خلّفها الرصاص. تغطي الأعشاب الضارة وكتل الإسمنت قطعة أرض فارغة شُيّد عليها مسجد في السابق. بدأ محمد يوسف ينشر تعاليمه من هذه النقطة بالذات. كان واعظاً مسلماً فقيراً فأسس {بوكو حرام} كحركة احتجاجية.

كان يوسف يهاجم كل ما هو غربي ويرفض إرث أسياد الاستعمار البريطاني في نيجيريا وينتقد سلوك النخبة الفاسدة والمستغلة في البلد وفي أنحاء القارة. اعتبر المسلمين المعتدلين خونة للإيمان الحقيقي وكانت نسخته من الإسلام المتشدد تَعِد بضمان العدالة والنفوذ للفقراء في شمال نيجيريا كونهم لم يستفيدوا من ثروات النفط المحلية.

في {يولا}، على بُعد 300 كلم جنوباً، جلست أديسا (15 عاماً) على كرسي مهترئ في غرفة فندق. كانت تعرف بعض الكلمات الإنكليزية. جاءت من بلدتها للتحدث عن الفترة التي أمضتها كسجينة لدى {بوكو حرام}. حين ذُكر اسم التنظيم الإرهابي للمرة الأولى في محادثتنا، خفت صوتها وراحت تحدّق في الفراغ.

حين وصل المقاتلون وهاجموا بلدتها، هربت نحو حقل ذرة وأضاعت والدَيها وشقيقتها: {انتظرتُ لساعات طويلة}. حين حلّ الغسق وما عادت تسمع صوت إطلاق نار، غادرت مخبأها. تقول إن مقاتلي {بوكو حرام} شاهدوها ولاحقوها ورموها أرضاً وربطوا يديها وعصبوا عينيها ووضعوها في شاحنة صغيرة.

كان المعسكر الذي أمضت فيه خمسة أشهر يدعى {بيتا} ويقع على طرف غابة {سامبيسا}. خُطفت 276 فتاة من مدرسة في {شيبوك} منذ سنتين وأُخِذْن إلى هذه المنطقة من الغابة أيضاً. احتُجزت أديسا في خيمة مصنوعة من الأغصان وورق الشجر ووقف رجال لحراسة المكان في الخارج. كانت تسمع أصواتهم حين يتحدثون عن دولة الخلافة.

زواج إجباري

حين أرادت أديسا دخول الحمّام، كان الحراس يرافقونها دوماً، وكانت تحصل على طبق أرز مرتين يومياً. أمضت فترة احتجازها وهي تشاهد الحشرات والنمل الكبير على الأرض، فلاحظت كيف كانت المجموعات تنقل حمولات كبيرة واعتبرتها جزءاً من مجتمع متعاون. فكّرت ببلدتها وأفراد عائلتها وتساءلت إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة.

أضافت أديسا: {في أحد الأيام، جاء عدد من المقاتلين ووقفوا على مدخل الخيمة}. قال أحدهم لأديسا إنه أراد الزواج بها، فراحت تبكي. قال لها الرجل الذي كان يغطي وجهه: {إذا لم توافقي، سنقتلك}.

بعد بضعة أيام، أطلقوا النار في الهواء خارجاً، ثم قالوا لها: {أصبحتِ متزوجة الآن}. كهدية زواج، أعطوها ست حزم من الملابس. تقول إن زوجها بقي معها لثلاثة أيام واغتصبها.

في الأسابيع اللاحقة، لم يكن زوجها يعود إلى المنزل كثيراً: تقول إنه كان واحداً من أفضل مقاتليهم.

وحين يعود إلى المنزل، كان يغتصب أديسا. ثم حاول تعليمها القرآن عبر قراءته لها بصوت مرتفع. وحين رفضت تكرار كلماته، كان يضربها بعصا على ظهرها وصدرها ومعدتها وساقيها، ثم يعدد جميع الآثام الممنوعة مثل الفجور أو السرقة.

أطفال {بوكو حرام}

بعد بضعة أيام، كان يُفترض أن تنفذ عملية انتحارية، لكن بدأ الجيش يقترب من المعسكر. طُلب إلى فاطمة وفتيات أخريات تنظيف مسار تحت الأرض يستعمله المقاتلون للهرب. لم يكن أحد يحرس الفتيات لذا استعملن المسار الجديد كي يهربن بنفسهنّ.

ركضت فاطمة طوال خمسة أيام وكانت تشرب الماء من الأنهار. في اليوم الخامس، شعرت بالإرهاق لدرجة أنها ما عادت تستطيع حمل طفلها، لذا تركته تحت شجرة. حين وصلت الفتيات أخيراً إلى الطريق، اصطحبهنّ جنود إلى المستشفى، ثم عاد أحد الجنود وأنقذ الطفل.

أخذوا فاطمة إلى مخيم للاجئين في بلدة {دالوري} بالقرب من {مايدوجوري». كان الناس هناك يخافون من فاطمة وطفلها. قالوا لها إنه من فصيلة مختلفة وتهرّبوا منهما معاً.

انتقلت فاطمة إلى مخيم آخر واخترعت قصة عما حصل معها كي تتمكن من متابعة حياتها. لا تجيد هذه المرأة القراءة أو الكتابة لكنها كانت تستطيع القيام ببعض العمليات الحسابية: حين خطفها تنظيم {بوكو حرام}، أخبرت الناس أنها كانت حاملاً منذ شهرين، ثم أمضت ثمانية أشهر في الأسر. وبعد ولادة ابنها خلال فترة احتجازها، لم يلمسها أحد طوال 40 يوماً كما جرت العادة.

ثم هربت في نهاية هذه الفترة واستعادت حريتها منذ أربعة أشهر. تقول إنها أنجبت طفلها الذي أصبح الآن في شهره الخامس من رجل تزوجته قبل خطفها مباشرةً. اجتمعت به مجدداً في المخيم ولم يلمسها أي عنصر من مقاتلي {بوكو حرام} يوماً. تسرد فاطمة هذه القصة مراراً وتكراراً وتتمسك بها.

أما أديسا، الفتاة الآتية من بلدة {يولا}، فهربت أيضاً نحو الغابات في أحد الأيام حين لم يكن أحد يراقبها. راحت تصلي وفكرت ببلدتها. خلال رحلتها، قابلت أشخاصاً أخبروها بأن الجيش استعاد السيطرة على البلدة. بعد رحلة دامت سبعة أيام، وصلت أخيراً إلى منزل والديها المصنوع من الطين. حين وصلت، بدت متّسخة وهزيلة وكانت ملابسها ممزقة وحذاؤها مليئاً بالثقوب. راح والدها يبكي.

تهديدات بالقتل

طوال أسابيع، ارتاحت أديسا في المنزل. وحين قررت الخروج، راح سكان البلدة يحدّقون بها، وقابلت معلمة اللغة الإنكليزية السابقة في أحد الشوارع، فقالت لها: {كل من عاش مع {بوكو حرام} يصبح مثلهم}.

جلست أديسا لأكثر من ساعتين في غرفة الفندق في {يولا} لسرد قصتها. للمرة الأولى خلال المقابلة، بدأت تبكي. لم تدرك أنها حامل قبل الشهر الخامس، ما يعني أنها ما عادت تستطيع الإجهاض. قال لها مسيحيون في البلدة: {إن لم تقتلي الطفلة، يعني ذلك أنك عشت مع {بوكو حرام} بإرادتك}. وهدّدها شاب ينتمي إلى ميليشيا مدنية قائلاً: {حالما تولد الطفلة، سنقتلها}! فقرر والدها إبقاءها داخل المنزل حتى ولادة الطفلة.

كل من يسعى إلى تدمير مجتمع كامل يجب أن يدمّر نسيج العائلة والجماعات عبر اختراق أعمق زواياها. يكون الاعتداء الجنسي وسيلة شائعة وفاعلة في آن لتحقيق هذه الغاية. لكن تتمادى جماعة {بوكو حرام} في ممارساتها فتستعبد النساء وتجبرهن على التحول إلى انتحاريات.

يستغل التنظيم النساء بطريقتَين: تطبيق إيديولوجيا الازدراء التي تعتبر المرأة مجرّد سلعة، وتحقيرها باعتبارها جسداً فارغاً من المضمون.

يكون استعمال فتيات بأثواب ملوّنة كأدوات قتل لاستهداف أضعف الناس نهجاً فاعلاً بشكل استثنائي. هم يزرعون الخوف ويخترقون المجتمع ويوجّهون مشاعر الكره ضد أضعف الناس، ثم تصبح كل امرأة تنجح في الهرب عرضة للتهميش والقتل.

قُتلت ثماني فتيات بعد الهرب من {بوكو حرام} والعودة إلى بلداتهنّ على يد أزواجهنّ أو أقاربهنّ أو جيرانهنّ. لكن ما من تقديرات دقيقة عن عدد الأطفال الذين تعرّضوا للقتل.

تقول أديسا وهي تُرَبّت على صدر ابنتها: {الله أعطاني هذه الطفلة كي أعتني بها}. في البداية، شعرت بالسوء حين كانت الطفلة في أحشائها لكنها تحبها الآن. هل تشبه الطفلة والدها؟ لا تعرف أديسا الإجابة لأنها لم تشاهد وجهه يوماً.

تريد أديسا أن تقصد المدرسة وتتعلّم، وترغب في أن تصبح طبيبة يوماً. اليوم بدأت تخرج من الخيمة مجدداً. أعلن شيوخ البلدة عن عدم التعرّض لفتيات مثلها. لكنها تترك طفلتها في المنزل لأن الناس يحدّقون بها وكأنّ الشر ينمو في داخلها.

تقول صديقة أديسا التي تعيش على مسافة قريبة منها ولديها ابن من أحد عناصر {بوكو حرام}: {خائفة جداً. حين يغادر الجيش، سيفقد قرار شيوخ البلدة قيمته. سيعودون حينها ويقتلوننا}.

back to top