تنمية... بلا «أجانب»!

نشر في 28-04-2016
آخر تحديث 28-04-2016 | 00:01
 خليل علي حيدر هل ينبغي على الدول الخليجية "اقتلاع الأجانب والوافدين" كي يحل السكان المحليون أماكنهم، أم ينبغي توسيع القاعدة الاقتصادية ومحاربة القوانين المختلفة ووضع حد لتجارة الإقامة وتنظيف بيئة العمل ودمج المهاجرين المتعلمين والشرائح المتوسطة من كل جنسية ما دامت تعرف العربية مثلا أو تحمل شهادات معينة أو لها مهارات في مجالات مطلوبة؟

قد تكون الأزمة الخليجية-الأميركية طارئة، وقد تعود المياه إلى مجاريها، وقد تكون للولايات المتحدة سياسة جديدة مع الرئيس القادم في بداية عام 2017، ولكن "صدمة الفراق" التي تعيشها المنطقة الخليجية، إن صدقت وامتدت، قد تكون كذلك درساً وحافزاً في الاعتماد الخليجي على الذات.

ولكن منطقة مجلس التعاون تعيش في الواقع أكثر من مشكلة استراتيجية داخلية وخارجية، فإيران وتركيا وإسرائيل مشكلة، والفكر الاستراتيجي الأميركي الجديد مشكلة، وانحدار أسعار النفط مشكلة، والتحولات السياسية العربية وما يرافقها من إرهاب وتدمير مشكلة، وهكذا، إلا أن النخبة الخليجية والقيادات السياسية في هذه الدول تحاول أن تكسب الرهان على حل المشكل الاقتصادي والمعضل الإنتاجي والتخلص من الاقتصاد النفطي في معركة معقدة.

ولكن هل ابتكار وبناء الاقتصاد الخليجي البديل ممكن بعد كل هذا الخراب الذي حل بقوى الإنتاج والعادات التي تمكنت منا، بعد كل ذلك الصرف والتبذير والتواكل؟ كيف يمكن تجاوز الاقتصاد الريعي القائم على بيع النفط وتوزيع مداخيله عدلاً وظلماً؟ وكيف نتخلص من "المرض الهولندي" أي داء الاتكال على منتج واحد مرغوب في مرحلة معينة؟ لقد تغلغلت الأدواء، وعز الدواء، ولو نظرنا إلى البطالة نفسها لوجدناها متشطرة متفطرة، بحسب كل دولة وكل مجتمع خليجي، فمنها البطالة الحقيقية التي تجابه الشخص المؤهل، وهناك البطالة السافرة والمحجبة والمقنعة والمنقبة... وما زال ابتكار الكويتيين وغيرهم في تقدم... في هذا المضمار.

في المملكة العربية السعودية كما في بعض الدول الخليجية الأخرى تفاعل واسع مع مخاطر تراجع أسعار النفط، وقدرات هذه الدول على معالجة مشكلة البطالة، وفي مقال أحدث ضجة دعا الإعلامي والكاتب البارز جمال خاشقجي القطاع الخاص إلى أن يلتفت إلى العشرة ملايين وظيفة التي يشغلها الأجانب، بعد أن "أدمن القطاع الخاص على العمالة الأجنبية... فتنافسية الفرد السعودي هي الضمانة للوطن، وهي الحالة المستدامة، وهي ما سيؤدي إلى اقتصاد تنافسي، وحتى ذلك الوقت لنقفل "الدكان" ونجري إصلاحات جذرية". (الحياة، 30/ 1/ 2016).

في مقال بعد أشهر كتب رجل الأعمال "عبد العزيز العجلان"، رئيس مجلس أمناء منتدى الرياض الاقتصادي، مقالاً في صحفية الحياة نفسها، يناقش مشاكل إغلاق هذا "الدكان" وتساءل مطالباً السعوديين جميعاً بتغيير أفكارهم ومشاعرهم إزاء "الأجانب" و"الوافدين" و"البطالة"، فقال: "ماذا نعني بالبطالة؟ وعند تناولها رقمياً، هل تشمل الجنسين؟ هل الفصل بين الذكور والإناث بالأرقام سليم؟ هل البطالة المقنعة تحسب أيضاً؟ هل عملية الربط بين حجم العمالة الأجنبية وحجم البطالة بشكل عام أمر منطقي؟ هل العمالة الأجنبية تشمل العاملين في المنازل؟ علماً أنني أؤمن مقتنعاً بأن ليس كل عمالة أجنبية هي أجنبية، فعديد منها استحق المواطنة أبا عن جد وبما قدمه من عمل وانتماء، والعديد منهم يجب احتواؤهم كسعوديين".

وانتقل "العجلان" إلى مجتمعات الغرب، فأورد أمثلة عن قدرتها الفذة على دمج المهاجرين إليها، وقال: "حين تذهب إلى مطار هيثرو في لندن ستجد من يختم جوازك بريطانياً من أصل هندي، ويرتدي عمامة هندوسية أو سيخية، ومن ينظم الصفوف بريطانية من أصل باكستاني، وعند المغادرة لاحظ وجوه من يتأكدون من سلامة الأمن وتفتيش الركاب ستجد الملامح المختلفة ليس بينها الإنكليزية، إنما كلهم يحملون الجنسية البريطانية، كيف تم ذلك؟ إنه استحقاق بأسلوب الاستيعاب والاحتواء والحاجة والانتماء". (الحياة، 14/ 4/ 2016).

عصرنة الدولة الخليجية لا تقتصر كما هو واضح على إقامة المباني الشاهقة فحسب وجلب أحدث المستوردات، بل لا بد أن تمس القواعد والقوانين وفي النهاية خصوصيات المجتمع، بمن في ذلك الرجل والمرأة والمواطن والأجنبي والكبار والصغار والأثرياء والفقراء ومتوسطو الحال.

لن تكون الدولة الخليجية الصغيرة والكبيرة حرة حديثة عصرية منفتحة مادامت "أبوية"، مهما كانت درجة ارتياحنا لهذا الواقع الكويتي والخيلجي، ولعل أبوية العديد من الدول العربية من أسباب فشلها في الانتماء إلى المجتمع الدولي على قدم المساواة، وفشل جامعاتها وسائر مؤسساتها أن تنافس الآخر في مختلف المجالات.

ما نجابهه اليوم من تحديات شاملة لن تحلها اجتماعات وزراء الاقتصاد والبترول ووزارات العمل وغيرها، فهذه المؤسسات الكبرى تدير عادة ولا تبدع، وتسيّر الأمور ولا تفتح الآفاق على نحو شامل، بل ليس تغيير المجتمع ودوافع العمل وغير ذلك من صميم واجباتها، ولا بد من طرح أفكار التجديد والبدائل الاقتصادية للنقاش العام وإشراك كل الاقتصاديين والاجتماعيين والأكاديميين، ورجال الأعمال والمرأة في هذا الحوار المستقبلي.

نحن ننسى أن مجتمعاً آسيوياً صغيراً مثل سنغافورة، بسكانه الذين يزيدون على خمسة ملايين نسمة يعيشون على مساحة تساوي جزءاً من عشرين مقارنة بمساحة الكويت، فمساحة دولتهم أقل من ألف كيلومتر مربع واحد يتعايش على أرضها المسلمون والبوذيون والمسيحيون والهندوس حياة مرفهة، بمتوسط GDP لكل فرد يتجاوز الستين ألف دولار سنوياً... بدون نفط.

وبدون اقتصادات دكان "يارزاق ياكريم" ضاعف لنا أسعار النفط على الدوام، كما يرتفع صوتنا دوماً بالدعاء. ومع هذا فالميزانية هناك توفر طبيباً لكل ألف مواطن، وتنفق الدولة بسخاء على نظام تعليم بالغ التقدم فشلنا في اقتباسه أو بالأحرى لم نشغل أنفسنا حقاً حتى في تجربته.

هل ينبغي على الدول الخليجية "اقتلاع الأجانب والوافدين" كي يحل السكان المحليون أماكنهم، أم ينبغي توسيع القاعدة الاقتصادية ومحاربة القوانين المختلفة ووضع حد لتجارة الإقامة وتنظيف بيئة العمل ودمج المهاجرين المتعلمين والشرائح المتوسطة من كل جنسية ما دامت تعرف العربية مثلا أو تحمل شهادات معينة أو لها مهارات في مجالات مطلوبة؟

لماذا نطالب الأوروبيين والأميركيين دائماً بإيواء المهاجرين من كل لون ودين وقومية، ولا تريد أي دولة خليجية أو عربية دخول المضمار؟ ولماذا لا تنجح بلداننا في بناء اقتصاد مفتوح لكل القوى العاملة مقابل دفع الضرائب والخضوع للقوانين والدساتير وغير ذلك من ترتيبات الحياة الحديثة؟ ولماذا كان العالم العربي والعالم الإسلامي بهذا الانفتاح في الماضي وبهذا الانغلاق اليوم؟ وهل يمكن تشغيل الشباب الخليجي في كل المجالات لمجرد أن "عدد الأجانب" قد زاد على الحد؟

يقول "العجلان" معلقا على سياسة "السعودة" في بلاده: "شبابنا فيهم الخير وواعون ومميزون، لكنهم في نظام السعودة الحالي كالخيل التي فيها مهر أصيل سريع يسبق الريح، لكن عند الحواجز لا يستطيع القفز، بدلا من إطلاقه في سباقات الجري نصرّ على أن ندخله إلى ميدان القفز، مهما حاولنا فلن يقفز وإن فعلها فسيؤذي نفسه".

نائب رئيس مجلس أمناء الرياض يضيف بكل صراحة منتقدا برنامج السعودة في بلاده، وهو البرنامج المماثل للتكويت في بلادنا فيقول: "نعم إن أسلوب إدارة ملف السعودية حالياً فشل ولم يحقق ما نريده، على رغم كل النوايا الطيبة، لكنه وصل إلى طريق مسدود، لن تنفع معه كل عمليات التجميل ويدي على قلبي ألا تتكرر التجربة في إدارات حكومية أخرى".

رياح السعودة، يضيف "العجلان"، لم تأت وفق ما تشتهي سفننا، ويوجه السؤال للإعلامي الخاشقجي: "هل تريد أن تغرق السفن لنحل المشلكة"؟ هل نملك الجرأة للتحدث صراحة في سلبيات وإيجابيات سياسة التكويت؟

* ملاحظة: أعد هذا المقال قبل إعلان خطة 2030 الكبرى في المملكة الشقيقة، والتي ستغير هياكل الإنتاج والحياة الاقتصادية وغيرها في السعودية والمنطقة الخليجية كلها... وسيكون الحديث عنها في مقالات لاحقة.

back to top