الاعتذار... فن عليك إتقانه

نشر في 26-04-2016 | 00:01
آخر تحديث 26-04-2016 | 00:01
No Image Caption
الاعتذار قرار صعب. إذا اضطررت يوماً إلى تلقي اعتذار بارد، يعني ذلك أنك تعرف الإحباط الذي يسببه هذا الموقف. في المقابل، يكون الاعتذار الصادق علاجاً للمشاكل في العلاقات.
منيرة وسليم زوجان منذ سنة. أثناء تنظيف الغبار، أوقعت منيرة عن طريق الخطأ تمثالاً زجاجياً فانكسر على أرضية البلاط. لكنه كان للأسف جائزة قيّمة تلقاها سليم تكريماً على عمله المتفاني في مجال التسويق الإعلاني.

فكّرت منيرة في البداية بإخفاء الدليل. شعرت بذعر من رد فعل سليم، ثم بدأت تتخيّل إمكان أن تهرب لتجنب غضبه وانزعاجه. ثم فكرت بأن تحاول إقناعه هو وضميرها بأن هذه الحادثة غير مهمّة. فقالت في نفسها: {تبقى الأغراض مجرد سلع مادية. في النهاية، أنا لم أقتل أحداً!}. هذا صحيح طبعاً، لكن قد لا يخدم هذا الموقف علاقتها مع سليم.

شعرت منيرة بأسف شديد. لذا فكرت في المرة الثالثة باستجماع قوتها وشجاعتها كي تنظر إلى سليم مباشرةً وتقول له: {كسرتُ جائزتك الزجاجية. أعرف قيمتها بالنسبة إليك وأعلم أن شيئاً لا يمكن أن يحلّ مكانها. آسفة جداً لأنني كسرتُها. أفهم حجم الانزعاج الذي ينتابنا عند فقدان غرض ثمين لهذه الدرجة. أرجوك أخبرني بما أستطيع فعله للتعويض عما حصل. في غضون ذلك، أتفهّم غضبك وأكرر أسفي الشديد}.

من خلال الاعتراف بأخطائنا، يزيد منسوب تواضعنا. لا بد من التمتع بقوة فائقة لتجاوز تعجرفنا، إذ يتباهى كثيرون بمثاليّتهم وعدم ارتكابهم الأخطاء.

تعرّض بعضنا لتوبيخ قاسٍ حين ارتكبنا الأخطاء في شبابنا. لكننا نوبّخ نفسنا الآن على الحوادث المؤسفة كما كان يفعل أهالينا. يدرك معظم الناس أن المثالية ليست معياراً واقعياً في حياة البشر (ما من شخص معصوم عن الخطأ!) لكن قد يصعب الاعتراف بهذه الحقيقة. مع ذلك، يجب أن نتحمّل مسؤولية أفعالنا.

حين نجيد تحديد توقيت الاعتذار ونبرع في تقديمه، تزداد المنافع التي نحصدها وتتحسّن العلاقات التي تهمّنا.

أسس فاعلة

لكن ما هي أسس الاعتذار الفاعل؟ يُعلّمنا راندي باوش الراحل في كتابه الجميلThe Last Lecture (المحاضرة الأخيرة) طريقة الاعتذار الصحيحة. قرأتُ تعليماته في عام 2008 وطبّقتُها في الاعتذارات التي قدّمتُها منذ ذلك الحين. كتب باوش:

يرتكز الاعتذار الفاعل على ثلاثة عوامل:

1 الاعتراف بالخطأ.

2 التعبير عن الأسف لأننا أذينا الطرف الآخر.

3 كيف يمكن تحسين الوضع؟

دفعتني هذه المعايير إلى التفكير بما يجعل الاعتذار سيئاً:

• لوم الشخص الذي تعتذر منه لأنه يحمل مشاعر سلبية: {يؤسفني أن تتأذى مشاعرك أو يؤسفني أن تشعر بالغضب}. هذه العبارة تلوم الشخص على المشاعر التي يحملها.

• اتخاذ موقف دفاعي: يؤدي هذا الموقف إلى تعميق الفجوة ولا يقدم أي اعتذار حقيقي.

• الاعتذار أولاً ثم طلب اعتذار فوري في المقابل: هذا الموقف لا ينمّ عن اعتذار فعلي بل يطلب اعتذاراً من الطرف الآخر. إنه جزء من توقّع المعاملة بالمثل.

فيما يلي قصة أخرى تجسّد جوانب الاعتذار الفاعل:

وجّه عادل دعوة إلى منى لحضور حفلة عائلية كبيرة بمناسبة عيد زواج جدّيه الخامس والستين. كان عادل يعرف كثيرين في الحفلة فأمضى معظم وقته متحدثاً إلى الآخرين وترك منى وحدها، فشعرت بالإحراج والوحدة. حين وافقت منى على حضور الحفلة، توقّعت جواً مختلفاً وانزعجت من عادل لأنه لم يهتمّ بها.

تفهّم عادل موقفها وطبّق قواعد الاعتذار الممتاز:

• الاعتراف بالخطأ: {آسف لأنني خذلتك ولم أمضِ معك وقتاً إضافياً في حفلة جديّ}.

• الاعتراف بجرح مشاعر الطرف الآخر: «أعلم أنك شعرتِ بالوحدة والإحراج. أعلم أيضاً أنك توقّعتِ مني تصرّفاً أفضل وأردتِ أن أكون إلى جانبك خلال الأمسية كلها. صحيح؟».

• التعويض عن الخطأ: {في المرة المقبلة التي نحضر فيها حفلة، سنضع خطة مسبقة. سأبقى قريباً منك حين تحتاجين إليّ. في غضون ذلك، هل يمكنني أن أفعل شيئاً للتعويض عما حصل؟}.

سيكون تعلّم الاعتذار الفاعل إحدى أفضل الخطوات التي يمكنك اتخاذها للحفاظ على علاقاتك القيّمة. وسيسهل عليك أن تصلح الأضرار حين تتحمّل مسؤولية أفعالك. لكن يجب أن تعرف في المقام الأول أنّ الاهتمام بالمشاعر المجروحة يولّد الحب والثقة.

back to top