درس بنك «ليمان» بشأن الجنيه الإسترليني

نشر في 23-04-2016 | 00:00
آخر تحديث 23-04-2016 | 00:00
 Mark Gilbert تتعرض بريطانيا لعجز كبير في الحساب الجاري، وإذا تدفقت الأموال إلى خارجها بعد انفصالها عن الاتحاد الأوروبي فإن الاسترليني سيتأثر بشدة، وستكون عملتها الهدف الواضح الذي ستركز عليه دول العالم.

يتمثل السؤال حول مدى التفاعل بين السياسة والاقتصاد والأسواق المالية في تخمين القيمة التي سوف يفقدها الجنيه الاسترليني في أعقاب استفتاء 23 يونيو المقبل اذا قررت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ويضع أحدث استطلاع للرأي معسكري البقاء والخروج عند نقطة متقاربة تبلغ 39، تاركاً من لم يقرر بعد لتحديد النتيجة عند 22 نقطة، وهكذا يمكن القول إن الحصيلة غير واضحة على الاطلاق.

مجادلة الخروج من الاتحاد

قال بنك انكلترا في الأسبوع الماضي إن الشك قد قوض شهية الاستثمار، كما حذر رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم من أن الاقتصاد لن يوفر أداء جيداً في حال ازدياد الشكوك، ويقاطع المستثمرون عادة عملات البلاد التي تشهد أوضاعاً يكتنفها الغموض السياسي أو الاقتصادي.

وتجدر الاشارة الى ان الجنيه الاسترليني هو الأسوأ أداء بين مجموعة العملات الـ 10 مقابل الدولار في هذه السنة، مع هبوط بنسبة تقارب الـ 4 في المئة، والسؤال هو: ما الذي تخبرنا به أسواق العملات السابقة عن الهبوط في فترة ما بعد الاستفتاء بالنسبة الى الجنيه الاسترليني؟

آلية معدلات الصرف في سبتمبر 1992

في الفترة التي سبقت طرح  اليورو كان لدى أوروبا نظام ادارة عملات يدعى آلية معدلات الصرف، وكان يتم من خلاله تبادل العملات بعضها مقابل بعض، ضمن أروقة مؤسسة سابقاً، وكانت بريطانيا عضواً في آلية معدلات الصرف ولكن في السادس عشر من سبتمبر سنة 1992 تخلت الحكومة عن جهودها الرامية الى ابقاء الجنيه الاسترليني قيد التداول ضمن نطاق هدف مركزي من 2.95 مقابل المارك الألماني.

وكانت العملة تحوم حول أدنى نطاق تداول مسموح، وقد قيمت عند 2.81 مارك ألماني عندما أذعنت في اليوم الذي أطلقت عليه الصحافة اسم "الأربعاء الأسود"، وخلال الأسابيع الثلاثة التالية فقد الاسترليني 14 في المئة من قيمته ليصل الى 2.41 مارك.

انتخابات المملكة المتحدة في أبريل 1992

أظهرت استطلاعات الرأي مع اقتراب انتخابات سنة 1992 في المملكة المتحدة أن حزب العمال كان يتقدم على حزب المحافظين الحاكم الذي فاز في الانتخابات الثلاثة السابقة، وتملك القلق المستثمرين من أن تعمد الحكومة الجديدة إلى زيادة الاقتراض وتسريع الانفاق كما أرادت حكومات عمالية سابقة أن تفعل.

وبعد أن أظهرت نتائج استطلاعات الخروج في 9 أبريل انتصاراً رابعاً على التوالي لحزب المحافظين تعافت شهية المستثمرين لسرعة ازاء أسهم المملكة المتحدة، وكانت أرباح السندات الحكومية البريطانية التي بدأت الشهر عند 10 في المئة قد هبطت الى 9.2 في المئة في الوقت  الذي أغلق فيه التداول في العاشر من أبريل، بينما كسب الجنيه الاسترليني الذي بلغ حوالي 2.84 مقابل المارك الألماني عشية الانتخابات ما يصل الى 3.5 في المئة في الأسابيع الثلاثة التالية، ليصل الى 2.94 مقابل المارك.

روسيا تتخلف عن السداد وتخفض عملتها في أغسطس 1998

في النصف الثاني من عام 1998 كانت روسيا تكافح من أجل الحصول على المال لدفع أكثر من 23 مليار دولار من ديونها بالروبل، وقد تراجعت احتياطياتها من العملة الأجنبية كما تم رفض طلبها للحصول على مساعدة اضافية بقيمة 22.6 مليار دولار من قبل مجموعة الدول السبع.

وفي السابع عشر من أغسطس، أعلنت الحكومة انها قررت تعليق دفع 43 مليار دولار من ديونها قصيرة الأجل، اضافة الى خفض قيمة عملتها، يومها كان الروبل يتداول عند حوالي 6 روبلات مقابل الدولار، ولكن بحلول الثامن من سبتمبر هبط الى حوالي 21 روبلاً للدولار، وبلغ الهبوط حوالي 70 في المئة.

إفلاس «ليمان» في سبتمبر 2008

مع بداية تعثر المشتقات المعتمدة على رهونات عقارية عالية المخاطر في سنة 2008 أصبح من الواضح بسرعة مدى تداخل عالم المال، وإذا كان المؤشر هو انهيار بنك ليمان براذرز في 15 سبتمبر، فإن العاصفة التي اجتاحت جزءا من السوق والتي دعيت تجارة الحمل المالي كانت الإعصار الذي أعقبها.

وكانت تلك التجارة تشتمل على اقتراض عملات عند معدلات فائدة متدنية، الين الياباني على سبيل المثال، بغية الاستثمار في عملة ذات عوائد أعلى كثيراً، الدولار  الأسترالي مثلا، وقد أفضى انهيار بنك ليمان براذرز الى تجفيف السيولة في السوق وأرغم التجار على التراجع عن تجارة الحمل المالي التي كانت تواجه ازمة نتيجة تردي أزمة الائتمان ما أفضى الى هبوط قيمة الدولار الأسترالي بنسبة 40 في المئة مقابل الين في ستة أسابيع فقط.

تقلبات الإسترليني في أبريل 2016

بدأ التجار المضاربة على التحولات في فترة ما بعد الاستفتاء بالنسبة الى قيمة الجنيه الاسترليني مقابل الدولار مع ارتفاع التقلبات في سوق الخيارات إلى ضعف القيمة الوسطية التي كانت عليها خلال السنوات الخمس الماضية.

ما الذي تخبرنا به هذه الأمثلة كلها عن الوضع في بريطانيا اليوم؟ القليل جداً فقط على أحد المستويات، وكما تشعر كل عائلة غير سعيدة بالضيق بطريقتها الخاصة (كما يشير ليو  تولستوي) فإن كل أزمة عملات تتسم بطبيعة فريدة خاصة بها، وكانت استدامة آلية معدلات الصرف بالنسبة الى الجنيه الاسترليني موضع شك طوال أشهر ولم يكن جورج سوروس الوحيد الذي راهن ضدها، فقد كانت نتيجة انتخابات سنة 1992 مفاجأة، ولكن تأثيرات سياسة الحكومة ازاء العملات كانت بطيئة، كما كان خفض العملة الروسية قاسياً وسريعاً وأحدث هزة عملات غير معتادة الى حد كبير، فيما حدث انهيار بنك ليمان في خضم أزمة مالية حقيقية فاقمت من التحركات السوقية في كل مكان.

ولكن يجب ألا يستبعد ذلك حالات سابقة، وكلها تؤكد أن عملة دولة ما ترسم احتمالات الاستقرار الاقتصادي والنمو، وثمة افتراض على نطاق واسع بأن المؤسسات المالية البريطانية آمنة وأن النمو سليم وصحي، ولكن على الرغم من معدلات الفائدة المنخفضة واستمرار التيسير الكمي لا تزال المخاطر عالية. وتتعرض بريطانيا الى عجز كبير في الحساب الجاري واذا تدفقت الأموال الى خارج البلاد بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فإن الجنيه الاسترليني سوف يتأثر بشدة، وسوف تكون العملة البريطانية الهدف الواضح الذي سوف تركز عليه دول العالم في أعقاب تصويت المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي.

back to top