فضيحة كبرى في التعليم... الطلبة لا يجيدون «العربية»!

نشر في 16-04-2016 | 00:01
آخر تحديث 16-04-2016 | 00:01
«التربية» تعترف وترد: طورنا المناهج ونأمل حصد النتائج في عام 2021
بينما وعد الوزير العيسى بجني ثمار المناهج المطورة الحديثة التي طبقت مؤخراً في غضون 5 سنوات، أكد تربويون أن هناك مشاكل في طرق التدريس ونوعية المناهج ساهمت في ضعف كبير بمستوى مخرجات التعليم، لاسيما في مجال اللغة العربية بالمرحلتين الابتدائية والمتوسطة.

عكس تدني نسب نجاح متقدمي اختبارات الوظائف الاشرافية في تخصص اللغة العربية وبعض التخصصات الأخرى، وجود أزمة كبيرة تعانيها وزارة التربية في مسألة إعداد الكوادر المؤهلة لتولي زمام المسؤولية مستقبلا، فنجاح 4 مرشحين من حوالي 500 متقدم لهذه الاختبارات يؤكد أن هناك مشكلة كبيرة بحاجة إلى حلول جذرية.

وبينما اعترف مسؤولو "التربية" بهذا الواقع، أعلن الوزير بدر العيسى ان "تطبيق المناهج المطورة من شأنه تجاوز هذه الازمة في غضون سنوات قليلة".

يأتي ذلك في وقت اجمع خبراء تربويون على ان مسألة تدني مستوى تعلم اللغة العربية لدى الطلبة في مراحل التعليم المختلفة، ولاسيما في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ترجع إلى "الطريقة الكلية" و"الجهد الذاتي" في تعلم اللغة.

وقال التربويون لـ"الجريدة" إن الخلل في تعلم اللغة العربية بالصفوف الأولى يرجع إلى انتهاج الوزارة الطريقة الكلية عبر أكثر من عقد من الزمان وإصرارها على تطبيق تلك الطريقة التي انتقدها المعلمون كثيرا، ومع ذلك كانوا يجبرون على تدريسها، مستدلين على فشلها بأن الوزارة عدلت عنها بداية هذا العام بعدما تأكدت أنها السبب الأول في ضعف تعلم القراءة والكتابة لدى طلبة المرحلة الابتدائية.

تدرج غير منطقي

وأضافوا أن تلك الطريقة كانت تفرض على المعلم أن يبدأ مع طالب الصف الأول الابتدائي بقراءة الموضوع ككل، لينسخ الطالب ويردد ما يقوله المعلم، دون أن يدرك أي مدلول لما ينسخ أو يردد، ثم يتم اختيار جملة، ثم كلمة، ثم ينتهي إلى الحرف، في تدرج لا يتماشى مع المنطق ويناقض ما يسير عليه معلمو اللغة عند تعليم أبنائهم في أرض الواقع.

وبينوا أن المشكلة تكمن في فرض الطريقة من "رأس الهرم إلى قاعدته"، بمعنى أن المعلمين، وهم الأقدر على رؤية مزايا طريق التدريس وعيوبها، لا تؤخذ آراؤهم في الطريقة المجدية الناجعة في تعليم اللغة، مع تذرع المسؤولين بأن الإنسان يرى البناء ككل أولاً، ثم يميز ما فيه من أجزاء، أي أن الرؤية الكلية تتم أولاً ثم تفصّل، وهو ما تقول به مدرسة "الجشطالت" السلوكية الألمانية، في تجاهل تام لما يثبته واقع التعليم بمدارسنا.

وأكدوا أن تلك الطريقة أسفرت عن مآسي يراها المعلمون، وخاصة في المرحلة المتوسطة، من وصول طلاب إلى الصف السادس بل السابع والثامن، لا يجيدون بل لا يعرفون أحرف اللغة، في مأساة تدق ناقوس الخطر بشأن تعليم اللغة في مدارس الكويت، ما يحتم الوقفة الجادة، والبحث عن حلول ناجعة للتصدي لتلك الظاهرة.

وعن المرحلة المتوسطة، رأوا أن هناك خللاً بعدم وجود وقت كاف لعلاج الصعوبات الإملائية والقرائية، فضلاً عن فرض عدة تناولات على المعلم يتحتم عليه أن يسير عليها سيرا آليا ليدونها في دفتر الطالب لإثبات أنه شرح الدرس، دون أن تكون له حرية تحوير هذه التناولات أو الاستغناء عن بعضها وعلاج ما يراه من ضعف لدى طلابه.

الجهد الذاتي

وبين التربويون أن هناك طامة كبرى لا تقل خطورة عن الطريقة الكلية التي تم إلغاؤها، وهي انتهاج "طريقة الجهد الذاتي" التي يتشدق كثير من المسؤولين بأنها تنمي في الطالب الاعتماد على الذات وتدعمه للحصول على المعلومة بنفسه، وأنها الطريقة المطبقة في عدد من الدول المتقدمة، متسائلين: "هل يعقل أن يقوم معلم ما بشرح قاعدة نحوية مثلاً ويحل تدريبات عليها، ثم بدلاً من أن يعطي الطلبة واجبات لترسيخ تلك القاعدة، يطلب إليهم مثلاً أن يكتبوا موضوع تعبير عن المركز العلمي أو بر الوالدين، وكأنه يقول لهم انسوا ما شرحته لكم".

واعتبروا أن هذه الطريقة التي ينتهج فيها توجيه اللغة العربية اعتماد "الجهد الذاتي المسبق من قبل الطلاب" تشتت المتعلم، كما لا تعطي المعلم الوقت الكافي للتدريب على ما يشرحه أثناء الحصة، مبينين أن إعطاء الطلبة واجبات على ما يتم شرحه يومياً لترسيخ القاعدة أو ما تم شرحه أجدى بكثير من أن يعد الطالب بنفسه الدرس المقبل متناسياً ما تناوله أثناء يومه الدراسي.

وناشدوا وزارة التربية عامة، وتوجيه اللغة العربية خاصة، أن يعيدا النظر في مسألة الجهد الذاتي، واستبداله بالواجبات التي تسهم في ترسيخ المشروح، وتعالج أوجه النقص في فهم الطالب، كما تتيح للطالب أن يسأل في اليوم التالي عما عسر عليه عند تطبيق ما تعلمه في اليوم السابق، داعين الجهتين إلى وضع مصلحة الطلبة نصب أعينهما دون بحث عن شعارات شكلية وطرق معلبة لم تثبت صلاحيتها لواقع الكويت وطلابها.

ولفت التربويون إلى أن هناك تخبطات يعيشها تعليم اللغة العربية، حتى إن بعض التعديلات التي يراد بها الإصلاح تأتي بعكس المرجو منها، وباتت تُبتَكر "وفق ما يطلبه المستمعون" وعلى نغمة التسهيل، مستدلين على ذلك بإلغاء سؤال الحفظ في اختبار اللغة العربية، فتلك الأبيات البسيطة التي كانت تشكل وجدان الطلبة وتظل مخزونة في ذاكرتهم سنوات طويلة، لم يعودوا مكلفين بحفظها... "أفيعقل أن يكون هناك تدريس للغة دون حفظ لبعض أبيات الشعر طوال المراحل الدراسية المختلفة؟".

مخرجات التعليم

"الجريدة" ورغبة منها في رصد مختلف الآراء واستطلاعها من أهل الميدان، تواصلت مع بعض المسؤولين عن التعليم في البلاد، حيث أكد الوزير العيسى حرص الوزارة على تطوير الاداء في جميع المواد الدراسية، مشيرا إلى أن عملية تطوير المناهج الدراسية قائمة بالتعاون مع الجهات التعليمية في جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، والمركز الوطني لتطوير التعليم، والمجلس الأعلى للتعليم، وكذلك هناك اتفاقية تعاون موقعة من البنك الدولي في مجال تطوير التعليم.

وقال العيسى لـ"الجريدة" إن الوزارة بدأت في تطبيق المناهج الحديثة في الصف الأول الابتدائي العام الحالي، وهناك لجان مشكلة لرصد ودراسة النتائج بالتعاون مع الجهات المختصة وخبراء البنك الدولي، لافتاً إلى أن عملية التطبيق مستمرة على مدى السنوات المقبلة ونحتاج إلى خمس سنوات على الأقل لجني ثمار هذا التطوير.

من جانبه، أكد المدير العام للمركز الوطني لتطوير التعليم د. صبيح المخيزيم سعي المركز بالتعاون مع الوزارة والجهات المختصة إلى تطوير اداء المؤسسات التعليمية والارتقاء بمستوى المخرجات التعليمية في جميع المراحل الدراسية، مشيرا إلى أن عملية التطوير جارية حاليا وتم البدء بتعديل المناهج الدراسية.

وقال المخيزيم لـ"الجريدة" إن المناهج الحديثة التي يتم تطويرها تعتمد بشكل أساسي على الكفايات والمعايير بعكس القديمة التي كانت تعتمد على المحتوى والاهداف، وهذه نقطة جذرية في عملية التغيير المنشودة، لافتا إلى أنه تم الاهتمام كذلك بالتحول إلى نظرية "الجزء إلى الكل" والغاء النظرية المعمول بها في المناهج السابقة "الكل إلى الجزء"، وهو عامل مهم ورئيسي في تطوير المنهج الدراسي.

وأشار إلى أن المركز يهتم بقضية تقييم مستوى اللغة العربية لدى الطلبة، وهناك آلية قياس تتم من خلال الدراسات الدولية لتقييم مستوى الطلبة مثل دراسة "بيلرز" وهو مقياس دولي يعنى بقياس قدرات الطالب للقراءة والاستيعاب "فهم المقروء" من خلال اختبارات مقننة، لافتا إلى أنه يطبق على الصف الرابع الابتدائي كل خمس سنوات.

وذكر أن تطبيق المنهج المطور الحديث، والذي بدأ على الصف الأول العام الحالي سيظهر أثره عام 2021 حيث سيكون طلبة الصف الرابع آنذاك قد درسوا المناهج المطورة على مدى سنتين دراسيتين، ونأمل أن يكون قد حصل تغيير وتحسن في المستويات.

المرتبة الـ46

وشدد المخيزيم على أن القراءة شيء مهم خاصة باللغة الام، وهي اللغة العربية لدينا، لان الطالب اذا لم يعرف كيفية القراءة الصحيحة فإن مستواه في جميع المواد سيكون غير مناسب، لافتا إلى أن ترتيب الكويت في الاختبارات الدولية جاء متأخرا حيث كانت في اختبار بيلرز عن عام 2011 في المرتبة الـ 46 من أصل 49 دولة شاركت في الاختبار، لافتا إلى أن هذا الترتيب متأخر ولا يمكن انكار ذلك، وعلينا العمل على تطوير التعليم والاهتمام بكافة الجوانب التي من شأنها رفع مستوى الطلبة لدينا، وهذا ما نعمل عليه حاليا.

من جانبه قال رئيس قسم اللغة العربية بكلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د. جلال آل رشيد إن مستوى الطلبة الدارسين في تخصص اللغة العربية بالكلية متفاوت، مشيرا إلى أن النسبة الكبرى من الطلبة خريجي الثانوية العامة عندما ينتظمون في مقاعد الدراسة بهذا التخصص يكون مستواهم متوسطا، مقرا بأن "هناك بالطبع طلبة ضعافاً وآخرين من الفائقين، لكن عدد هؤلاء عددهم قليل مقارنة بالمتوسطين".

وأضاف آل رشيد أن القسم يبحث مع ادارة الكلية استحداث برنامج اختبار قدرات لجميع الطلبة المتقدمين لدراسة اللغة العربية، وذلك لتحديد قدرتهم على الاستمرار في هذا التخصص، لافتا إلى أهمية عدم اجبار الطالب على تخصص معين لا يكون راغبا فيه منذ البداية.

السداني: المناهج جمّدت عقول الطلبة والتواجيه مقصرة في تطوير المعلمين

قال رئيس قسم اللغة العربية في وزارة التربية محمد السداني إنه لا أحد يستطيع أن ينكر وجود ضعف في مستوى اللغة العربية بين الطلبة والمعلمين على حد سواء، لافتا إلى أن الوزارة لا تطرح رؤية وأهدافاً واضحة لتعليم اللغة.

وأضاف السداني أن المناهج موضوعة في قوالب جامدة كفيلة بتجميد عقول الطلبة، لافتا إلى أن عملية التدريس الحالية لا تعطي الطالب الدافعية للتعلم في جميع المواد وبالأخص في اللغة العربية.

وحول مستوى المعلمين، أكد أن هناك معلمين ضعافاً وآخرين في المستوى المتوسط، مضيفا أن «الجامعة ليست لديها الجدية لتخريج كوادر وطنية حقيقية، فالمعلم محصور في المادة التي يدرسها، ولا يعطى أي قدر من الحرية للتحرك والابداع في مادته، وهذا بكل تأكيد ينعكس سلبا على ادائه وعلى طلبته».

وألقى السداني باللوم على التواجيه الفنية للمادة، معتبرا أنها مقصرة في تطوير المعلمين في المادة العلمية «وإن طورت فإن تطويرها يكون محصورا في المناهج».

وشدد على أن آلية القياس والتقويم سبب رئيسي في المشكلة والتي ظهرت جلية في اختبارات الوظائف الاشرافية الاخيرة بنتيجة قاربت «لم ينجح أحد»، لافتاً إلى أن الطلبة والمعلمين معتادون على الاختبارات المقالية وبالتالي وضع اختبار الكتروني ساهم في هذه النتيجة المتدنية، فليس معقولاً أن يكون جميع المتقديمن غير مؤهلين للنجاح، وهذا يعكس وجود خلل في آلية وطريقة وضع الاختبارات.

واعتبر أن اللغة العربية لها خصوصية، ويجب أن يراعي واضعو الاختبارات هذه الخصوصية، في كون المادة بحاجة إلى فهم واستيعاب وتعبير، وليس مثل بقية المواد العلمية كالعلوم على سبيل المثال التي يصلح فيها سؤال الاختيار.

الحربي: التراجع عن «الطريقة الكلية» في «الأول الابتدائي»

قال الوكيل المساعد لقطاع المناهج والبحوث التربوية د. سعود الحربي إن وزارة التربية تولي عملية تطوير مخرجات العملية التعليمية اهتماماً بالغاً، مبيناً أن الوزارة بصدد تنفيذ مشروع وطني كبير لتعديل وتطوير المناهج لمواكبة آخر المستجدات التربوية والتعليمية.

وأشار الحربي إلى أن «التربية» قررت اعادة النظر في عملية صياغة المناهج الدراسية، لاسيما في مجال اللغة العربية، وبقية المجالات الدراسية الأخرى كل على حدة، وذلك بالتعاون مع خبراء البنك الدولي وفق اتفاقية يتم حاليا تنفيذها وستسمر على مدى سنوات، منوها إلى أن الوزارة بدأت هذا العام تطبيق المناهج الجديدة والمطورة على طلبة الصف الأول الابتدائي، ليليه تباعا تطبيقها على الصفوف الاخرى خلال السنوات المقبلة.

وأضاف: «بالنسبة للغة العربية تم الغاء الاعتماد على مبدأ الكل إلى الجزء الذي كان مطبقا خلال السنوات الماضية، والذي يعتمد على تعليم الطالب في مراحله الاولية عبر كلمات وأشكال لربطها واستخراج الاجزاء، والتي هي الاحرف منها ليتعلم القراءة والكتابة بهذه الطريقة، إلا أنه وبعد تطبيقها تبين عدم ملاءمتها لطبيعة المجتمع لدينا بالرغم من انها كانت ناجحة في دول أخرى».

وأشار إلى أن الوزارة عادت في مناهجها الجديدة باللغة العربية إلى اعتماد نظام «الجزء إلى الكل»، وذلك بتعليم الطالب الاحرف الابجدية والتي من خلالها يتعلم الكلمات ومن ثمه القراءة والكتابة.

وأشار إلى أن المناهج الجديدة للغة العربية والتي تطبق حاليا على طلبة الصف الأول الابتدائي راعت الكثير من الجوانب، ومنها توفير كتاب جاذب للطالب يحتوى على معلومات قيمة ومبسطة بنفس الوقت، وكذلك تمت مراعاة أن يكون الكتاب ملائماً للبيئة الكويتية ويتناسب مع قدرات الطالب في هذه المرحلة العمرية، اضافة إلى أن المناهج الجديدة ستكون مترابطة ومتصلة ببعضها بشكل أكبر، حتى يمكن تنمية القدرات المعرفية للطالب بشكل تدريجي خلال سنوات دراسته في المدارس بدءاً من المرحلة الابتدائية وصولا إلى المرحلة الثانوية.

back to top