إخفاقات الاتحاد الأوروبي تزوّد الإرهابيين بالأسلحة

نشر في 31-03-2016 | 00:01
آخر تحديث 31-03-2016 | 00:01
ما مصدر الأسلحة التي استُعملت في اعتداءات باريس الإرهابية في عام 2015؟ هل سمحت الملفات المشتقة من التحقيقات المستمرة اليوم بتعقّب خيوط الجريمة؟  وهل أدى تقصير الاتحاد الأوروبي طوال سنوات إلى تسهيل نقل الأسلحة النارية؟ {شبيغل} تابعت هذه القضية وجاءت بالتالي.

• حين توفي يوهان كوهين، بقي مستلقياً على أرض متجر كبير كان يعمل فيه، وتمدّدت بالقرب منه ثلاث جثث. تعرّض كوهين لإطلاق النار في وجهه وصدره من رجلٍ يحمل بندقيتين هجوميتين. سأل الرجل المسلّح رهائنه الآخرين عمّا يجب أن يفعله: هل يطلق النار عليه كي يصمت أخيراً؟ فتوسلوا إليه كي لا يقتله. لكن سرعان ما توقفت أصوات الصراخ والبكاء من تلقاء نفسها. مات الطالب كوهين، ابن العشرين عاماً.

بدأت هذه الجريمة قبل ست سنوات و233 يوماً من دخول كوليبالي إلى متجر Hyper Cacher  

في باريس.

حمل أول يوم تاريخ 21 مايو 2008، حين أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يخطط لتشديد القوانين المرتبطة بالبنادق الهجومية. ستسمح تلك القوانين لهواة السلاح بتزيين غرف معيشتهم ببنادق هجومية إذا أرادوا ذلك، شرط تعطيلها كي لا تُستعمل مجدداً لإطلاق ذخائر حية. قال الاتحاد الأوروبي إن التوجيهات الجديدة ستشمل معايير تقنية صارمة جداً في ما يخصّ هذه الأسلحة المعطّلة.

لكن لم يتحقق شيء في المرحلة اللاحقة واستمر هذا الوضع طوال ست سنوات و233 يوماً. الأسوأ من ذلك أن المسدسات بطلقات فارغة وغيرها من أسلحة متأهّبة لم تكن جزءاً من الإجراءات المقترحة. لم يكن البيروقراطيون في الاتحاد الأوروبي يهتمون مثلاً بالأشخاص الذين يحوّلون سلاحاً حربياً إلى بندقية تطلق طلقات فارغة. كانت بروكسل تهتم حصراً بالأسلحة المعطّلة التي تعجز عن إطلاق النار بأي طريقة، حتى أنها لا تشمل طلقات فارغة.

لكن في عام 2013، حذرت الشرطة السلوفاكية أوروبا من سهولة إعادة تنشيط تلك الأسلحة المتحوّلة كي تتمكّن مجدداً من إطلاق نيران قاتلة. كان الاتحاد الأوروبي يعرف بهذا الموضوع وناقشه واعترف بمخاطره، لكنه لم يحرّك ساكناً حتى تاريخ 9 يناير 2015، حين أطلق كوليبالي النار على أربعة أشخاص وقتلهم بسلاح مماثل. أدرك المسؤولون في بروكسل منذ ذلك الحين مدى سهولة الحصول على سلاح آلي قادر على إطلاق ذخائر حية في أوروبا ومدى صعوبة أن تتحرّك السلطات لمحاربة السوق السوداء المزدهرة.

سوق غير شرعي

في المحصّلة، قتل الإسلاميون الذين يحملون أسلحة نارية 150 شخصاً وأصابوا 400 آخرين في أوروبا الغربية خلال عام 2015.

اليوم، يعلم المحققون أنهم يتعاملون مع ترسانة كاملة من الأسلحة الفتاكة. حين يسعى الإرهابيون الأوروبيون إلى اكتساب أداة قتل، سيجدون مجموعة واسعة من الخيارات المتاحة. ثمة أصناف موثوقة وقديمة مثل مسدس {أرسنال} الروسي الذي صُنع في عام 1932، وقد عثر على سلاح مماثل في شقة كوليبالي، أو مسدس {براونينغ} البلجيكي الشبيه بالسلاح الذي حصل عليه عبد الحميد أباعود المتورّط في اعتداءات باريس.

لكن يمكن استعمال أسلحة مسروقة من الجيوش أو الشرطة أيضاً، كما حصل في اعتداءات كوبنهاغن التي أسفرت عن مقتل شخصين. ثم نجد جميع أسلحة الكلاشنكوف التي تشقّ طريقها من البلقان وتتخذ مسارات متنوعة وصولاً إلى أوروبا الغربية.

أمضى فريق دولي من الصحافيين (كانت صحيفة {شبيغل} جزءاً منه) الأشهر الثلاثة الأخيرة وهو يبحث عن أدلة. تشير التقارير إلى أن الحصول على سلاح في أوروبا ليس عائقاً صعباً أمام تنفيذ الاعتداءات. وفّر الاتحاد الأوروبي سوق أسلحة يسهل الوصول إليها للإرهابيين. يكشف هذا البحث عن إخفاقات الاتحاد الأوروبي طوال سنوات.

موت على الطلب

لا نحتاج أحياناً إلى أكثر من كلمتين للكشف عن فشل السلطات الرسمية. في 18 نوفمبر 2015، أعلنت المفوضية الأوروبية عن اقتراح لتشديد التدابير المرتبطة بالسيطرة على الأسلحة النارية في الاتحاد الأوروبي. كان الإعلان يخصّ {مديرية الأسلحة النارية} التي تسمّي الجهات الأوروبية القادرة على شراء الأسلحة وبيعها وتحدّد المسموح أو الممنوع. سعى الاتحاد الأوروبي أخيراً إلى توجيه إنذار قوي. وبدأ العمل على تشديد قوانين الأسلحة في الدول الأعضاء داخل الاتحاد الأوروبي غداة الاعتداءات الإرهابية، ومن المنتظر أن تتكثّف عمليات المراقبة.

مرّت 17 سنة قبل أن يدرك الاتحاد الأوروبي أن أكبر خطر تطرحه الأسلحة لا يتعلق باحتمال أن تنتهك القوانين المفرطة عمليات التجارة الحرة، بل يمكن أن يستعمل المجرمون تلك الأسلحة لقتل الناس وجرحهم.

تحذير من سلوفاكيا

تُستعمل هذه الأسلحة في الأفلام، أو يُطلَق الرصاص لإلقاء التحية في مناسبات معينة، أو يستخدمها المجانين ومحبو الاستعراض حين يريدون القيام بأعمال بطولية. أغفل الاتحاد الأوروبي عن هذه الأنواع كلها من حاملي الأسلحة: لم تكن تُعتبر أسلحة نارية لأنها لا تطلق الرصاص من فوهتها، لكنها لا تدخل أيضاً في خانة الأسلحة المعطّلة لأنها لا تزال تصدر صوت الرصاص.

كانت التوجيهات الجديدة في عام 2008 سخيفة في مضمونها، فقد أعلنت عن تشديد الإجراءات المرتبطة بأسلحة شكلية لا يمكنها أن تطلق الرصاص بعد تعطيلها. لكن لم يتنبّه الاتحاد الأوروبي إلى سهولة تحويل السلاح الحي إلى سلاح متأهّب، أي المسدسات التي تبقى قادرة على إطلاق النار حتى لو كانت الطلقات فارغة. لكن أثبتت اعتداءات عام 2015 أن الإرهابيين وغيرهم من مجرمين يهتمون بهذه الفئة من الأسلحة تحديداً. ما كانوا يستعملون سلاحاً شكلياً سابقاً. فقد حصل كوليبالي على ترسانة كاملة من الأسلحة التي كانت نشطة ثم تحوّلت إلى سلاح بطلقات فارغة. كان من الأسهل أن يُعاد تعديلها كي تتمكّن مجدداً من إطلاق ذخائر حية.

في سبتمبر 2013، وجّهت سلوفاكيا المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي إنذاراً باللغة الإنكليزية. كانت قوانين سلوفاكيا ضعيفة في ما يخص تحويل الأسلحة الفتاكة إلى أسلحة متأهّبة. اعتُبر وجود وتدَين معدنيَّين في فوهة السلاح كافياً. شعرت السلطات السلوفاكية بقلق ونشرت ملصقاً فيه 16 صورة.

ذكر الملصق أن الأسلحة المتأهّبة من سلوفاكيا {يعاد تنشيطها بوتيرة متزايدة عبر نزع الوتدَين بكل بساطة من فوهة المسدس}. كان يسهل أيضاً شراء تلك الأسلحة من المتاجر. وكان يكفي أن يبلغ العميل 18 عاماً ويقدم بطاقة هوية سارية المفعول. كشف الملصق عن مسدس تحوّل إلى سلاح بطلقات فارغة من إنتاج شركة Kol Arms، وبندقية آلية تشيكية من طراز VZ.58 خضعت للعملية نفسها. أُعيد تنشيط السلاحَين لاحقاً.

بعد شهر على تحذير سلوفاكيا، ذكر تقرير المفوضية الأوروبية أن سلطات إنفاذ القانون في الاتحاد الأوروبي تشعر بقلق من {تحويل الأسلحة المتأهّبة والأسلحة الجوية والأسلحة بطلقات فارغة إلى أسلحة نارية فتّاكة وغير شرعية}.

لكن لم تتخذ الجهات المعنية أي خطوات ملموسة. لذا برزت الحاجة إلى تقييم الوضع. وحين اكتمل التقييم أخيراً في نهاية عام 2014، كانت بروكسل أغفلت عن ملاحظة مهمة: وفق تعاريف الاتحاد الأوروبي، تنطبق معايير التعطيل حصراً على الأسلحة النارية التي تصبح غير صالحة لأي شكل من الاستعمالات. لكن استثنى التقييم مجدداً الأسلحة المتأهّبة. هكذا ضاع الإنذار السلوفاكي وسط الإجراءات البيروقراطية.

لم يتّضح سبب حصول ذلك، لكن تبرز مؤشرات على أنّ التجاهل كان مقصوداً. في مايو 2014، عُقد اجتماع في بروكسل بين خبراء الاتحاد الأوروبي لمناقشة السوق السوداء لبيع الأسلحة. حين سُئل مسؤول في {المديرية العامة للمؤسسات والصناعة} عن العواقب المترتّبة على البلدان التي لم تنفذ كامل توجيهات العام 2008، أجاب أن التحقيقات التي حصلت بقيت محدودة ولم تُتَخَذ أي خطوات إضافية. ذكر المسؤول أن تلك التوجيهات كانت تتماشى مع {حد أدنى من مبدأ المواءمة}، ما يعني وجود فسحة كبيرة للمناورة.

بعد سبعة أشهر على اجتماع بروكسل، اقتحم أميدي كوليبالي متجر Hyper Cacher. طوال سنوات، كان على اتصال وثيق بشريف كواشي الذي نفذ مع شقيقه سعيد الجريمة الدموية في مكاتب تحرير صحيفة {شارلي إيبدو} قبل يومين. فيما كان كوليبالي يحتجز رهائنه في المتجر، كان الأخوان كواشي يختبئان داخل متجر طباعة خارج باريس.

أسلحة في وضع سيئ

داخل متجر Hyper Cacher، أطلق كوليبالي النار على رجلٍ في ظهره حين كان يحاول الهرب إلى خارج المتجر. ثم أطلق النار على شخص آخر وقتله ثم أصاب كوهين. وقتل كوليبالي طالباً حين حاول أخذ أحد أسلحته. عندما مات كوليبالي برصاص الشرطة، كان قد احتجز 23 رهينة لأكثر من أربع ساعات. كان يحمل بندقيتين هجوميتين من طراز VZ.58، وقد صُنعت واحدة منهما في عام 1961 والأخرى في عام 1964، وكانت مجرّد خردة عسكرية خارج الخدمة. تذكر ملفات التحقيقات الفرنسية أن السلاحين كانا في وضع سيئ جداً، ومع ذلك تمكّنا من قتل الناس.

حذّر الملصق الذي عرضته الشرطة السلوفاكية من هذه الأسلحة تحديداً، أي السلاح التشيكي VZ.58. حمل سلاحا كوليبالي ختم شركة Kol Arms التي عدّلت السلاح الأول كي يطلق طلقات فارغة في عام 2013 ثم عدّلت الثاني بعد سنة. حمل السلاح الثاني الرقم التسلسلي 63622 وأطلق الرصاص الذي قتل يوهان كوهين. بيع السلاحان في عام 2014 قبل إعادة تنشيطهما.

كان كوليبالي يحمل أيضاً مسدسين من نوع {توكاريف TT33} الروسي الصنع وكلّف كل واحد منها نحو 300 يورو. سجلت باريس إعادة تنشيط أول سلاح {توكاريف} في يوليو 2014 بحسب معلومات المحققين الفرنسيين. وكان كوليبالي يحتفظ بأربعة منها في مخبئه في جنوب باريس.

لكن كيف حصل على ترسانته؟ لا تزال الحلقة الأخيرة من السلسلة مفقودة، لكن تقودنا خيوط الجريمة إلى متجر في سلوفاكيا وإلى عمق سلك الشرطة الفرنسي. وفق التحقيقات الفرنسية، طلب مُخبِر في الشرطة الأسلحة التي وصلت إلى يد كوليبالي من ذلك المتجر.

ادّعى المخبر أنه اشترى الأسلحة بطلبٍ من الشرطة كجزءٍ من تحقيق عن شبكة مزوّدي الأسلحة. إذا كانت هذه المعلومة صحيحة وإذا ثبت أن هذه العملية السرية من تخطيط الدولة، فلا شك في أنها خرجت عن السيطرة، وقد دفع أربعة أشخاص، منهم يوهان كوهين، حياتهم ثمن تلك الغلطة.

حاويات تلو أخرى

يُدعى المتجر الذي اشترى منه كوليبالي الأسلحة AFG Security ويقع في بلدة بارتيزانسكي، على بُعد ساعتين ونصف بالسيارة من فيينا.

يشكّل المتجر الواقع في مكان بعيد جداً مصدراً لآلاف الأسلحة المعطّلة التي تباع في أنحاء أوروبا. على مر السنين، وصلت الأسلحة النارية منه إلى إرهابيين إسلاميين في فرنسا، وعصابات في بريطانيا العظمى، ورجلٍ كان في السابق أحد أخطر النازيين الجدد في ألمانيا. لا يزال موقع متجر AFG الإلكتروني يزعم أن الأسلحة تُستعمل بكل بساطة {لأغراض ترفيهية}، مثل إعادة تمثيل معارك الحرب العالمية الثانية. لكن كُتب مقطع أساسي لاحقاً: {يكون معظم الأسلحة أصلياً مع تعديلات محدودة لمنع إطلاق الذخائر {الحادة} الأصلية. تشير كلمة {حادة} المكتوبة بلغة ركيكة في النسخة الإنكليزية من الموقع الإلكتروني إلى القدرة على إطلاق ذخائر حية.

يكون معظم المسدسات خارج الخدمة ومأخوذاً من الجيش السلوفاكي. تصل حاويات متلاحقة من هذه الأسلحة إلى شركات مثل Kol Arms فتحوّلها من أسلحة فتاكة إلى بنادق متأهّبة.

سُرّ عدد كبير من عملاء المتجر على ما يبدو بإمكان تحويل الأسلحة سريعاً إلى أسلحة نارية ناشطة.

كان المحققون من بلدان عدة داخل الاتحاد الأوروبي يراقبون المتجر منذ عام 2014 بعد أن تلقّوا بلاغاً عن وصول حزم من ألمانيا إلى ألكسندر م. المعروف باسم {سموكي}، سارق متسلسل من لندن حُكم عليه لاحقاً بالسجن المؤبد.

في البداية، لم تعلم السلطات بهوية الشركة التي تزوّد الأسلحة. كانت تعرف بكل بساطة أن ذلك الشخص يعمل في منصة تجارية مجهولة اسمها Agora ضمن شبكة Darknet المزعومة. كلّفت الشرطة البريطانية والألمانية محققين إلكترونيين بطلب أسلحة ضمن عملية مزيفة. قادهم تعقب رقم الحزم إلى طالب في هندسة الميكاترونيك اسمه كريستوف ك. في مدينة شفاينفورت البافارية. كان كريستوف ك. في منتصف العشرينات من عمره ويبرع في استعمال التكنولوجيا ويتمتّع بذكاء بارز في مجال الأعمال ولا يمكن أن يردعه شيء. داهمت الشرطة حرم جامعة العلوم التطبيقية في شفاينفورت حيث كان كريستوف ك. يتابع الدراسة. حصلت اعتقالات وإجراءات قانونية أخرى لاحقاً في جميع أنحاء أوروبا.

عواقب غير مباشرة

عمد كريستوف ك. إلى إعادة تنشيط الأسلحة المتأهّبة من متجر AFG في قبو منزله ثم أعاد بيعها بأسعار أعلى بعشرة أضعاف. حكمت عليه محكمة شفاينفورت الإقليمية بالسجن لأربع سنوات وثلاثة أشهر.

لم يكن كريستوف ك. العميل الألماني الوحيد في متجر AFG. يشمل سجل الأسلحة الذي حصل عليه {المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية} في ألمانيا اسم ألكسندر ر. (39 عاماً) الذي اشترى قطعتَي كلاشنكوف و36 سلاحاً من نوع {سكوربيون}. أمضى ألكسندر ر. بعد إدانته أكثر من أربع سنوات في السجن. أثناء سجنه، كتب إلى رفاقه أنه يخطط لتدمير {نظام جمهورية ألمانيا الاتحادية}. عثرت الشرطة على كتيّب بين أغراض ألكسندر ر. يدعو فيه إلى إطلاق النار على العملاء السريين الذين قبضوا عليه وترك جثثهم بعد وضع رسائل تحذيرية في أفواههم.

بقي ألكسندر ر. بعيداً عن الأضواء بعد إطلاق سراحه من السجن. لكن اعتباراً من منتصف عام 2013، بدأ يشتري كميات كبيرة من الأسلحة من متجر AFG في سلوفاكيا. بعد بضعة أشهر، حكمت المحكمة على ألكسندر ر. بالسجن لست سنوات. رُفض طلب الاستئناف في جميع التهم الأساسية.

طلب كلود هيرمانت (52 عاماً)، الذي عمل سابقاً لصالح الجهاز الأمني التابع لحزب {الجبهة الوطنية} الشعبوي اليميني في فرنسا، كمية كبيرة من الأسلحة من متجر AFG في عام 2014. تلقى هذا اليميني الموثوق تدريباً شبه عسكري، ومن المعروف أنه أمضى بضعة أشهر في سجون إفريقيا حيث سرت إشاعات عن ارتباطه المزعوم بمحاولة انقلاب فاشلة.

العثور على الأسلحة

يدير هيرمانت متجراً للإسعافات الأولية بالقرب من مدينة {ليل} الفرنسية. من خلال هذه الشركة، طلب كمية كبيرة من المسدسات والأسلحة الرشاشة من متجر AFG، فضلاً عن أسلحة VZ.58 كانت قد عطّلتها شركة Kol Arms. وجدت الشرطة رشاش VZ.58 في متجرHyper Cacher حيث استُعمل لقتل يوهان كوهين. وُجد مسدّسان من طراز {توكاريف} أيضاً في موقع الجريمة.

هل كان هيرمانت إذاً تاجر موت بلا ضمير؟ عثرت الشرطة أيضاً على مسدسَي {بيريتا} نشطَين بحوزة هيرمانت، لكنه أخبر قصة مختلفة للمحققين بعد عملية كوليبالي، فادعى أنه اشترى الأسلحة في عام 2014 بِعلم الشرطة الفرنسية الاتحادية كجزءٍ من خطة ضد مهرّبي الأسلحة.

منذ ذلك الحين، اضطر ضباط الشرطة إلى الاعتراف بأن هيرمانت كان {مُخبراً مسجّلاً} منذ عام 2013 وكانوا مهتمين بالحصول على معلومات عن بيع الأسلحة وقد أخبروه بذلك صراحةً.

لم يتّضح بعد كيف وصلت أسلحة هيرمانت في النهاية إلى يد كوليبالي، ولم تُكتشف الجهة التي وفّرت للإسلاميين الأسلحة التشيكية VZ.58. من المعروف أن جامع أسلحة من بلجيكا اشتراها من متجر AFG. لكن فُقدت خيوط الجريمة بعد هذه المرحلة.

خيوط إضافية

حين اختبأ الأخوان كواشي في متجر الطباعة بعد ارتكاب الجريمة الدموية في صحيفة {شارلي إيبدو} في شهر يناير، كانا يحملان أسلحة {زاستافا M70}. لم تأتِ تلك الأسلحة المستعملة في الهجوم من سلسلة الإمدادات السلوفاكية، بل إنها أسلحة بسيطة يشتكي منها الإرهابيون في أوروبا الغربية دوماً ويسعون إلى الحصول على أسلحة آلية قديمة من البلقان لم يتم تعطيلها مطلقاً.

تبرّع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ببضعة ملايين اليورو لجمع البنادق الآلية وقذائف الهاون والقنابل اليدوية في البلقان، لكن بقيت الكمية التي جُمعت أقل من تلك التي تسمح بِحَلّ المشكلة. كذلك، لم تعد دول البلقان المستقلة فجأةً تملك المال ولا القوة ولا الرغبة في معالجة المشكلة.

اليوم، يشتري التجار المتجولون أسلحة كلاشنكوف ويرسلونها شمالاً على طول طرق محددة.

مع ذلك، لم يجد عبد الحميد أباعود، المخطِّط المزعوم لاعتداءات نوفمبر في باريس، أي صعوبة في الحصول على الأسلحة. مات أباعود بعد خمسة أيام على الاعتداءات، حين اقتحمت الشرطة مخبأه. لكن قبل ثلاثة أشهر من الاعتداءات، في أغسطس 2015، أدلى رضا ح.، بعد عودته من سورية، بشهادته عن أباعود أمام المديرية العامة للأمن الداخلي (جهاز سري في فرنسا). قال رضا ح. عن أباعود: {أخبرني بضرورة أن أجد هدفاً سهلاً مثل حفلة موسيقية أو مكان يعج بالناس. في ما يخص الأسلحة، قال إن الحصول عليها لا يطرح أي مشكلة. أظنّ أنهم كانوا يملكون شبكة لمدّهم بالسلاح}.

عملية شائكة

يقال إن الوضع تحسّن اليوم في سلوفاكيا. تم تمرير قانون جديد في الصيف الماضي يمنع عمليات البيع عبر الإنترنت أو البيع لأفراد من القطاع الخاص.

لا يزال الشراء عبر الإنترنت ممكناً بالنسبة إلى تجار الأسلحة أو التجار المزيفين مثل الصحافيين من {اتحاد رؤساء التحرير}: كتبنا رسالة إلكترونية إلى متجر AFG وقلنا فيها إننا نريد شراء أسلحة متأهّبة من طراز VZ.58. للتعريف عن نفسنا كتجّار، استعملنا أوراقاً يمكن أن ينزّلها الجميع عن الإنترنت. سجّلنا متجر AFG فوراً كـ{تجّار جملة} وأعطانا حقوق طلب المنتجات عبر الإنترنت. ثم أوقفنا كل اتصال مع متجر AFG منعاً لتجاوز القانون.

لكن ألا تتابع هذه الممارسات انتهاك توجيهات الاتحاد الأوروبي عن الأسلحة النارية؟ أخبرنا متحدث باسم الاتحاد الأوروبي بأنها لا تفعل، فقال: {لا ترتبط التوجيهات القائمة بالأسلحة المتأهّبة}. تتعلّق التعديلات الوحيدة التي أحدثها الاتحاد الأوروبي بتشديد المتطلبات التقنية، وسيسري مفعول هذا القرار في شهر أبريل على الأسلحة المعطّلة بالكامل. لكن لا ترتبط المتطلبات الجديدة بالأسلحة المتأهّبة لأنها مجرّد إضافات بسيطة على التوجيهات الراهنة.

ولا تشمل تلك التوجيهات الأسلحة المتأهّبة أصلاً. ذكر ذلك المتحدث أن التغيير قد يحصل قريباً، على شكل {معايير مشتركة تخصّ الأسلحة المتأهّبة... لمنع تحولها إلى أسلحة نارية فاعلة بالكامل} كما اقترح رئيس الفوضية جونكر. لكن متى سيتحقق ذلك؟ لم يتمكن المتحدث للأسف من تحديد موعد معين.

back to top