الإمبراطور بوتين

نشر في 13-03-2016
آخر تحديث 13-03-2016 | 00:01
 منصور مبارك المطيري بعض النابهين يشير إلى أن بوتين يرمي من وراء تمدده العسكري إلى عرض نفسه كإمبراطور جديد لروسيا تختلط فيه سيرتا آل رومانوف وستالين معا، متوجاً نفسه بذلك رئيسا مطلقا للاتحاد الروسي حتى عندما يتراجع إلى مرتبة رئيس الوزراء ويدفع إلى كرسي الرئاسة بتابعه الوفي ديمتري ميدفيديف.

تساءل مراقبون كثر، في العالم عموما، والمهتمون بشؤون الشرق الأوسط وعقابيله بصفة خاصة، عن السبب وراء شن الرئيس الروسي بوتين الحروب على الأرض ومن السماء في غير مكان، وهي حروب تتشابه في أنها تستهدف كيانات هشة، وتشهد قتلا للمدنيين وتستبطن كراهية للحرية وبعض تجلياتها.

بعض النابهين يشير إلى أن بوتين يرمي من وراء هذه اللوثة العسكرية إلى عرض نفسه كإمبراطور جديد لروسيا تختلط فيه سيرتا آل رومانوف وستالين معا، متوجاً نفسه بذلك رئيسا مطلقا للاتحاد الروسي حتى عندما يتراجع إلى مرتبة رئيس الوزراء ويدفع إلى كرسي الرئاسة بتابعه الوفي ديمتري ميدفيديف، وهذه العظامية التي تأخذ الدنيا غلابا وجدت سنداً لها في مباركة الكنيسة الأرثوذكسية والروح القومية السلافية الجريحة، والتسلح حتى الأسنان والنواجذ بترسانة تدمير هائلة.

ولكن ذلك على الرغم من وجاهته ليس سوى وجه واحد من وجوه الحقيقة، فسلوك بوتين تقف وراءه علل أخرى تتمطى في الداخل الروسي، إذ أطلق الاقتصاد الروسي الذي يشهد تراجعا هائلا شرارة أضخم إضرابات شهدتها روسيا منذ سنوات، فانخفاض أسعار النفط الشريان الرئيس للاقتصاد الروسي جعل الروبل يفقد 60% من قيمته أمام الدولار لتهوي بسببه رواتب المواطنين الروس إلى أقل من 10%، وهذا كله يأتي مع ارتفاع غير مسبوق في معدلات الفساد الحكومي.

 فهو فساد مستشر في الحلقة الضيقة للحكومة الروسية ونواتها الصلبة، ونموذجه الفاقع اثنان من أقرب مساعدي بوتين وهما فلاديمير ياكونين ويوري تشايكا، الغارقان في سلسلة من الفضائح والسرقات المالية، فالأول كان يشغل منصب مدير السكك الحديدية لعموم روسيا ويجني سنويا ما يقارب 15 مليون دولار، ويدير إمبراطورية مالية مشبوهة تقدر ميزانيتها بالمليارات، والآخر هو النائب العام في روسيا الذي طوّع القانون للقضاء على خصوم بوتين، ويؤكد بعض الخبراء الروس أن هذين وغيرهما من تماسيح الفساد يديرون أعمالهم وأنشطتهم مع مافيات تنشط من أقصى روسيا إلى أقصاها.

وانبرى قطاع عريض من الروس لمواجهة آثار سياسات بوتين المالية وبخاصة العجز المتنامي في الميزانية والمقدر بـ38.6 مليار دولار بالمظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي أغلقت إحداها منافذ الكرملين، وما زالت وتيرة التظاهرات والإضرابات تتصاعد لتلحق الشلل بالعاصمة والأقاليم، كما أنها تتمدد في عموم روسيا، لتنضم إليها شرائح جديدة من المتضررين من سياسات بوتين كالمتقاعدين وأصحاب المدخرات بالنقد الأجنبي الذين لم تصرف لهم الحكومة القيمة الأصلية لمدخراتهم، في الوقت نفسه الذي تشيع فيه الأخبار عن امتلاء البنوك السويسرية بأموال المسؤولين الروس.

 وهذا المستنقع العريض للفساد غارقة فيه عائلة بوتين نفسه، فابنته كاترينا وزوجها اللذان تتجاوز ثروتهما ملياري دولار يواجهان شكاوى قانونية من أقطاب المعارضة ضد الكسب غير المشروع ، ويحاول الإعلام الحكومي تشتيت الأنظار عن ذلك بالتركيز على بطولات روسيا في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا وسورية، ولكن يبدو أن البطولات الوهمية لا تشفي غليل العوز، فالروس تسلل الملل إلى نفوسهم من حروب إمبراطورهم، وغدت أعينهم مثبتة على الخبز والاقتصاد.

back to top