روسيا بين سورية وإسرائيل... تحالف مع عدوين

نشر في 02-03-2016
آخر تحديث 02-03-2016 | 00:00
 عبدالله النيباري الأسئلة الشائكة والملحة في الأزمة السورية في وضعها الراهن، تدور حول فرص نجاح اتفاق إيقاف إطلاق النار لمدة أسبوعين، وفق ما تم بين أميركا وروسيا، وحول فرص النجاح لاتفاق سياسي ينهي الحرب البشعة الدائرة منذ خمس سنوات، التي تجاوز عدد ضحاياها أكثر من 300 ألف قتيل، وملايين المشردين داخل سورية، ونحو 12 مليوناً من المهجرين خارجها، وملايين المحاصرين لا تصلهم مستلزمات البقاء أحياء من طعام ودواء، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الوفاة.

هدنة في مهب الريح

الآمال بنجاح الهدنة المؤقتة في مهب الريح، حتى إن مستشاري وزير الخارجية الأميركية جون كيري يعبرون عن الموقف الحرج الذي يواجهه ورئيسه أوباما، ما أدى إلى إطلاق الحديث عن الخطة «ب»، في حال فشل مساعي الحل السلمي، والتي قد تعني تدخل أميركا عسكرياً بشكل تصاعدي، وهو ما حاول أوباما تجنبه طيلة السنوات الخمس من الاقتتال في سورية.

يتفق المحللون على أن التدخل الروسي العسكري في سورية غيَّر موازين الصراع لمصلحة نظام بشار الأسد، الذي كان يشكو قلة عدد الأفراد العسكريين في قواته، بعد انحسار سيطرته على 75 في المائة من الأراضي السورية، فجاء التدخل الروسي لينقذه، وأصبح يُمسك بكثير من أوراق اللعبة، لاسترجاع سيطرته على مساحات واسعة من الأراضي التي كانت تحت سيطرة قوى المعارضة.

أهداف واضحة

روسيا أهدافها واضحة، وتكمن في تعزيز وضع الأسد، لضمان وجودها في سورية، والمحافظة على قواعدها في شرق البحر المتوسط.

أقصى ما يمكن أن تحققه الهدنة، هو إيصال معونات المعيشة الإنسانية من الغذاء والدواء، إلا أن اختراقات وقف إطلاق النار لا تزال مستمرة، ووفق نصوص الاتفاق يسمح لروسيا والأسد بقصف «داعش» و»النصرة»، لكن هذه الذريعة جعلت القصف يطول قوى المعارضة المعتدلة، ولم يستهدف قوى «داعش»، إلا بالقدر الذي يغطي الذريعة.

العلاقة مع إسرائيل

لكن ما يثير العجب، أن روسيا في الوقت الذي تدعم فيه نظام الأسد، المدعوم أيضاً من إيران وحزب الله وما يسمى بقوى الممانعة والصامدة في وجه إسرائيل، نجدها وفق معلومات متوافرة تطور علاقتها مع إسرائيل.

فبعد إعلان روسيا نيتها التدخل عسكرياً في سورية، سارع نتنياهو إلى طلب اللقاء مع بوتين، وسافر برفقة مستشارين وقادة عسكريين إلى موسكو، وكان الهدف التنسيق، لتفادي التصادم الجوي بينهما في أجواء سورية المزدحمة بالقوات الجوية.

فإسرائيل بتفوقها الجوي، كانت تعتبر الأجواء السورية فضاءً مستباحاً تسرح وتمرح فيه، للحد من أي تطور في قدرات سورية العسكرية، وترفض حصولها على أسلحة متطورة، وعلى وجه الخصوص منع نقل أسلحة ثقيلة إلى حزب الله، وتنفيذاً لهذه السياسة، قصفت ما كانت تعده منشأة يمكن أن تكون نووية، كما قصفت معدات في طريقها إلى حزب الله، علماً بأن شعار إسرائيل (المدللة)، هو عدم السماح بأي تطور عسكري يهدد أمنها وشعبها.

أكبر مما تراه العين

إن زيارة نتنياهو واللقاء مع بوتين نجحت، وأثمرت اتفاقاً للتنسيق وتبادل المعلومات، كي لا يحدث ما حدث بين روسيا وتركيا عندما تجاوزت إحدى الطائرات الروسية، خطأ، المجال الجوي الإسرائيلي، وتم تحذيرها واستجابت.

تطور علاقة إسرائيل مع روسيا ليس مفاجأة، ويصفها المحللون بأنها أكبر بكثير مما تراه العين، وإن كانت قد نمت وتطورت في عهد بوتين، إلا أن جذور تطورها تعود إلى ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وتعمقت بعد تسلم بوتين رئاسة الدولة، فقد كانت هناك لقاءات مع بيريز وشارون وأولمرت.

الاتحاد السوفييتي، إبان الفترة الشيوعية، كان من أوائل المعترفين بإسرائيل عام 1948، عندما كان اليسار ممثلاً بحزب العمل الإسرائيلي مسيطراً على سدة الحكم، وقد تغيَّر هذا الموقف بعد حرب 1956 على مصر، وأصبح الاتحاد السوفييتي حليفاً لمصر الناصرية وسورية والعراق وليبيا والجزائر، وتعمَّقت العلاقات العسكرية، وكذلك الاقتصادية، وبعد حرب 1967 قطع الاتحاد السوفييتي العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، إلا أن سياسة روسيا تغيَّرت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، حيث كانت أولى بوادرها اللقاء بين بيريز ورئيس روسيا آنذاك بوتين، على هامش الاحتفال بالدورة الأولمبية في بكين عام 2008.

وكانت العلاقة تطورت في عهد بوريس يلتسين (1991-1999) واعتبرت جيدة، وعندما جاء بوتين تطورت إلى حد وُصفت بأنها حميمية، رغم بعض الخلافات، خصوصاً علاقة روسيا بإيران، وقيام الشركات الروسية ببناء المحطة النووية في بوشهر، وفي عام 1993 وقعت طهران عقداً بقيمة 800 مليون دولار لشراء مفاعل نووي و2000 طن من اليورانيوم.

في الوقت نفسه، قامت روسيا بعقد عدة صفقات لشراء الطائرات الاستكشافية بدون طيار (درون - Drone) من إسرائيل.

ويفسر المحللون حرص بوتين على رفع مستوى العلاقات مع إسرائيل إلى أمرين: الأول علاقته منذ طفولته، وأيام الدراسة، مع اليهود في سانت بيتسبرغ، وتأثره بالمدرسين اليهود، والثاني نظرته إلى أن ما يواجهه في الشيشان شبيه بما تواجهه إسرائيل ضد الفلسطينيين، فهو يصف أعمال الكفاح الفلسطيني، كنوع من العمليات الإرهابية الشبيهة بما يواجهه في الشيشان، لذلك كانت له مواقف سلبية تجاه القضية الفلسطينية، كمعارضته مقترح إدانة الجدار العنصري الذي بنته إسرائيل، وإدانته محكمة العدل الدولية، ورفضه اقتراحاً بقرار من الأمم المتحدة لإرسال لجان رقابة إلى الأراضي المحتلة، كما كان موقفه سلبياً من إعلان الدولة الفلسطينية.

ومن ناحية أخرى، يرى أن ارتفاع عدد المهاجرين الروس إلى إسرائيل عمل إيجابي، وإن أبدى أسفه لهجرة العلماء والباحثين اليهود الروس إلى إسرائيل، لكنه دوماً يبدي اهتمامه بأمن وسلامة المهاجرين اليهود الروس في إسرائيل، ويعتبرها من أولى الدول التي تنتشر فيها اللغة الروسية، ويرى أن اليهود الروس في إسرائيل أصحاب قوة، وكذلك ينظر إلى اللوبي اليهودي في روسيا، فيا له من تناقض... روسيا بوتين تتحالف مع طرفين عدوين لدودين لبعضهما، إسرائيل من طرف، وسورية وإيران من طرف آخر، لكن إسرائيل تعتبر ذلك مكاسب لا يستهان بها، وتسعى إلى تعظيمها.

back to top