كيف تقرأ كتاباً كل أسبوع؟

نشر في 15-02-2016
آخر تحديث 15-02-2016 | 00:00
وقعت هذه الأحداث في أواخر الثمانينيات. كنت أجلس في قاعة للمحاضرات الجامعية وأصغي إلى الكاتب والناشط آبي هوفمان فيما كان يتحدث عن لامبالاة أبناء جيلي. جلست بالقرب مني الصحافية والكاتبة اللامعة والغريبة غلوريا إيمرسون. كنا نناقش كلام هوفمان وعبّرتُ لها عن حجم سعادتي لوجودي في صلب تلك الأفكار كلها.

قلتُ لها: {يا لها من فرصة استثنائية أن أكون جزءاً من هذه المحادثات مع أشخاص أذكياء ومفكرين لامعين}.

فأجابت: {لا تكن سخيفاً. يمكن أن يكون أي شخص جزءاً من هذه المحادثات. يكفي أن يقرأ بعض الكتب!}.

بما أنني تخصصتُ في مجال التاريخ، كنت أقرأ بين ثلاثة وأربعة كتب في الأسبوع. كانت غلوريا محقة: من خلال تلك الكتب، كسبتُ مكانتي على تلك الطاولة وأصبحتُ جزءاً من نقاش متقدم بين مفكرين لامعين.

بعد مرور سنوات عدة، ها أنا أعود اليوم إلى تلك المحادثة. منذ أن بدأتُ البث الصوتي الخاص بي، قرأتُ أكبر عدد ممكن من الكتب الإخبارية، بمعدل كتاب واحد على الأقل في الأسبوع. كان يجب أن أقرر أولاً إذا أردتُ أن أتكلم مع الكتّاب وأتقاسم أفكارهم قبل أن أجري محادثات قيّمة معهم إذا قررتُ استضافتهم. (قد تبدو هذه الخطوة بديهية، لكنكم قد تتفاجأون بعدد المرات التي قصدني فيها أشخاص لم يقرأوا أياً من كتبي لإجراء مقابلات معي).

زاد غناي الفكري بفضل هذه الكتب كلها. اكتسبتُ معارف إضافية وبدأتُ آخذ المزيد من المجازفات حين أطبّق ما تعلمتُه. كذلك، زادت ثقتي بآرائي وتصرفاتي وأجيد اليوم التعاطف مع الآخرين وتفهّمهم لأنني صرت أكثر براعة في استيعاب سياق الأحداث.

لكنّ القراءة تستهلك الوقت. كنت منشغلاً جداً أصلاً قبل أن أبدأ بقراءة كتب عدة في الأسبوع علماً أنني معتاد على القراءة ببطء.

حاولتُ قراءة الملخصات التقليدية، لكن لم ينجح أي منها. لا يكفي أن نقرأ المواد المرتبطة بالعلاقات العامة لفهم الكتب، وتكون الملخصات التنفيذية مريعة عموماً. لم أقرأ يوماً أي ملخص تنفيذي ينجح في نقل الأفكار المفيدة والمثيرة للاهتمام في أعمال الكتّاب.

كيف يمكن أن نقرأ كتاباً أو أكثر في الأسبوع إذاً؟ تبين أنني حصلتُ على أفضل نصيحة تناسبني منذ أيامي في الجامعة. كان أستاذ تاريخ أميركا اللاتينية، مايكل جيمينيز، واحداً من أفضل الأساتذة الذين عرفتهم في حياتي. قلت له يوماً إنني أجد صعوبة في قراءة هذا الكم من الكتب.

أجابني جيمينيز: {آمل أنك لا تقرأ هذه الكتب بالكامل وكأنها روايات}.

فاعترفتُ له بأنني أقرأها بالكامل.

ثم نظر في أنحاء الغرفة وهز طلاب آخرون رأسهم بخجل في إشارةٍ إلى أنهم يقومون بالمثل. فجمع عدداً منا وعلمنا طريقة قراءة الكتب الإخبارية.

قال لنا: {أصغوا إلي. لا داعي {لقراءة} هذه الكتب بل يجب أن تفهموها}.

ثم استفاض في الشرح وقال إن الروايات تتطلب منا أن نغوص في عالمٍ من صنع الكاتب وأن نخوض تجربة غامرة. أما الكتب الإخبارية، أو على الأقل تلك التي نقرأها لدعم مشاريعنا كرجال أعمال، فهي تثبت فكرة معينة وتطلب منا أن نتعلّم منها. يكسب القارئ زخماً إضافياً مع كل كتاب يقرأه. وكلما قرأنا المزيد، يمكن أن نفهم آراء الكتّاب بوتيرة أسرع ونحدد النقاط التي تناسب النقاش الذي يخوضونه مع كتّاب آخرين، كما أننا نحصل على معلومات إضافية حين نستعمل توصياتهم أو ندمج آراءهم مع أعمالنا.

نصائح مفيدة

بعبارة أخرى، كلما قرأنا كتباً إضافية تزداد سرعتنا في القراءة.

إليكم نصيحة الأستاذ جيمينيز حول قراءة الكتب الإخبارية فضلاً عن بعض الإضافات الخاصة بي:

• البدء بالتعرف على الكاتب: من ألّف الكتاب؟ اقرأ سيرته الذاتية. إذا وجدت مقابلة قصيرة له أو مقالة إلكترونية عنه، اقرأها بسرعة. ستتطلع بذلك على توجهاته وآرائه.

• قراءة العنوان الرئيس والعنوان الفرعي والمعلومات على الغلاف وجدول المحتويات: ما هي الفكرة العامة في الكتاب؟ ما هو أسلوب طرح تلك الفكرة؟ في هذه المرحلة، يفترض أن تتمكن من وصف فكرة الكتاب الرئيسة أمام شخص لم يقرأه.

• قراءة المقدمة والخاتمة: يطرح الكاتب رأيه في مقدمة الكتاب وخاتمته. اقرأ هذين القسمين بالكامل لكن بسرعة. ستحصل بذلك على فكرة عامة عن مقصد الكاتب وسيبلغك هذان القسمان بطريقة إثبات الفكرة المطروحة (في المقدمة) والاستنتاج النهائي الذي يجب أن يستخلصه القارئ (في الخاتمة).

• قراءة سريعة لكل فصل: اقرأ العنوان مع أجزاء من أوائل المقاطع وصولاً إلى أولى صفحات الفصل لمعرفة مغزى الكاتب من استعمال هذا الفصل ودوره في إثبات فكرة الكتاب. ثم اقرأ سريعاً العناوين الرئيسة والعناوين الفرعية (إذا وُجدت) للدخول في جو الكتاب. اقرأ أول وآخر جملة من كل مقطع. إذا فهمت المعنى، انتقل إلى مقطع آخر وإلا ستضطر لقراءة المقطع كله. حين تفهم الفصل، قد تتمكن من مراجعة صفحات كاملة بسرعة بعد أن توضّحت الفكرة بالنسبة إليك لأنها قد تتكرر على مر الفصول.

• الانتقال إلى جدول المحتويات مجدداً في نهاية القراءة: بعد إنهاء الكتاب، عد إلى جدول المحتويات ولخّصه في عقلك. خصص بضع دقائق لعيش تفاصيل الكتاب مجدداً وتذكر الحجج التي فكرت بها والقصص التي استرجعتها والرحلة التي عشتها مع الكاتب.

• طوال فترة القراءة، أحرص على تدوين الملاحظات تحضيراً لمحادثتي مع الكاتب. ما هي النقاط التي أؤيدها وتلك التي أعارضها؟ ما هي الأسئلة التي لا تزال عالقة بنظري؟ ما هي المواضيع التي أريد مناقشتها مع الآخرين أو التفكير بها في الأيام اللاحقة؟ تكون هذه الملاحظات مفيدة لكل قارئ.

• ثمة جانب مثير للاهتمام في قراءة هذا النوع من الكتب: تكون العملية أسرع من القراءة التقليدية (نحتاج إلى ساعة أو ساعتين لقراءة هذه الكتب بدل 6 إلى 8 ساعات)، لكنها تسمح لك بحفظ معلومات تفوق ما تفعله في العادة لأنك لا تقرأ كتاباً بكل بساطة، بل تغوص في تفاصيله. يبقى عقلك يقظاً طوال الوقت وتستطيع رؤية الكتاب ككيان كلي. أنت لا تستوعب المعلومات فحسب بل تكتشف مختلف جوانبها أيضاً.

حين بدأتُ البث الصوتي الخاص بي، كنت أنوي منح الناس فرصة التفرج على المحادثات التي أقيمها مع مفكرين أذكياء يتكلمون عن شغفهم ومعارفهم وآرائهم. لكني تفاجأتُ قليلاً حين استنتجتُ أن جميع الناس يعرفون هؤلاء الأشخاص بدرجة معينة لمجرد أنهم قرأوا أعمالهم. لقد كانت تلك المحادثات مصدر غنى لي. لكن حصل ذلك بشكل أساسي لأنني قرأتُ ما كتبه الكاتب.

يمكننا أن نقرأ الكتب ونصغي إلى محادثات مع مفكرين أذكياء عبر البث الصوتي. وقد نحصل جميعاً على أفكار رائعة ونطبقها في حياتنا.

بعبارة أخرى، يمكن أن نعود جميعاً إلى الجامعة عبر بذل جهود بسيطة.

* بيتر بريغمان - هارفرد ريفيو

back to top