ليبيا... البلد المفكّك!

نشر في 13-02-2016
آخر تحديث 13-02-2016 | 00:01
بعد خمس سنوات من الانتفاضة التي أدت إلى سقوط القذافي، أصبحت ليبيا دولة فاشلة تمزقها الميليشيات المتناحرة. تزداد قوة تنظيم {داعش} مع مرور الأيام ولم يبق في طريقه إلا ميليشيات مؤقتة تفتقر إلى الأسلحة. BuzzFeed عادت بالتالي من جبهة القتال ضد «داعش».

 هبّت رياح رملية قوية وغلّفت مركزاً صحراوياً صغيراً. وقف رجل نحيف ورث المظهر يرتدي زياً عسكرياً غير متناسق ويضع وشاحاً حول وجهه. أخذ نفساً عميقاً وتقدم خطوة إلى الأمام. ثم شد قبضته على سلاح الكلاشنكوف الذي يحمله تزامناً مع اقتراب سيارة من حاجز التفتيش. لم يكن يضع خوذة ولم يلبس سترة مضادة للرصاص. اقترب بحذر وطلب الأوراق الثبوتية وبحث عن الأسلحة وفتّش الصندوق. لكنه لم يجد شيئاً هذه المرة باستثناء حبل وبعض أكياس الخيش الفارغة. شعر بالارتياح وانتظر مرور سيارة جديدة.

منذ بضع سنوات، كانت الأرض المحيطة بهذا المركز عبارة عن محمية طبيعية يقصدها الزعيم المخلوع معمر القذافي ومعاونوه لأخذ استراحة واصطياد الحيوانات البرية. المنازل الشاسعة التي كانت تستضيفهم خالية اليوم وقد سُرقت منها جميع المقتنيات الفاخرة. بعدما كانت مساحة صحراوية هادئة، أصبحت أبو قرين اليوم جبهة قتال ضد فرع “داعش” في ليبيا. بعد سقوط القذافي نتيجة انتفاضة مسلحة مدعومة من قوات جوية بقيادة حلف الأطلسي في عام 2011، عمت الاحتفالات البلد وترافقت مع إطلاق الرصاص والألعاب النارية طوال أشهر. بفضل مخزون النفط والغاز والأموال النقدية التي تملكها ليبيا، توقع عدد كبير من المحللين والسياسيين أن يخرج هذا البلد فائزاً من انتفاضات الربيع العربي. لكن حتى قبل سقوط القذافي، ظهرت نزعتان حوّلتا ليبيا اليوم إلى دولة فاشلة تعمّها الفوضى ويجتاحها العنف. أولاً، توسعت الخلافات داخل التحالف الصعب بين الإسلاميين المتطرفين وأتباع النظام السابقين الذين تعاونوا معاً لإسقاط القذافي. ثم بلغ الانقسام بين الإسلاميين وخصومهم ذروته وتحول إلى أزمة حادة في عام 2013، غداة إسقاط الزعيم الإسلامي محمد مرسي في مصر المجاورة التي كانت تؤثر دوماً على مسار ليبيا السياسي.

ثانياً، لم تتفكك الميليشيات الثورية التي أسقطت القذافي على اعتبار أن بقايا قوى الأمن التابعة للقذافي كانت غير كفوءة أو غير موثوق بها ولا بد من تدعيمها أو استبدالها. هكذا استولى “الثوار” على معظم مناطق البلد. حين تضخمت المشاكل السياسية، حملوا الأسلحة في وجه بعضهم.

جاءت الانتخابات المثيرة للجدل في يونيو 2014 لتزيد الوضع تعقيداً، فانقسم البلد بين معسكرين متخاصمين وظهر قائدان للقوات المسلحة ورئيسان للحكومة ومجموعتان من المسؤولين الذين يطالبون بالثروة النفطية المحلية. نشطت المجموعة الأولى تحت راية “فجر ليبيا” في طرابلس وشملت ميليشيات من مصراتة وجماعات إسلامية مسلحة فرضت سيطرتها على العاصمة. أما المجموعة الثانية، فهي تنشط في مدينتَي طبرق والبيضاء الشرقيتين وتشمل برلماناً منتخباً ولها قوات مسلحة بقيادة الجنرال خليفة حفتر (72 عاماً)، ضابط في الجيش متجهم الوجه وحليف سابق للقذافي. انشق عن النظام في عام 1990 وقصد الولايات المتحدة حيث عاش في فيرجينيا لأكثر من 20 سنة قبل أن يعود إلى ليبيا بعد أسابيع من بدء الانتفاضة في عام 2011، فنصّب نفسه منقذاً للبلد الذي بدأ يغرق حينها في الفوضى. تحاول القوى الدولية القلقة الآن أن توفّق بين الفصائل المتناحرة وتوحد الحكومتين المتخاصمتين تحت سلطة واحدة. لذا أعلنت عن نشوء حكومة ثالثة تحظى بدعم الأمم المتحدة والولايات المتحدة وقوى غربية أخرى لكنها لا تملك أي قوات مسلحة ولا تعترف بها أي قوى نافذة داخل البلد. يتولى قيادتها فايز السراج، مستشار هندسي سابق بدأت مسيرته السياسية تزامناً مع عملية السلام الدولية.

ميدانياً، تُعتبر ليبيا دولة فاشلة بامتياز، إذ تنقطع فيها الكهرباء كل بضع ساعات وتنقطع المياه بشكل متكرر وتخسر المدارس والمستشفيات أفضل عناصرها لأن المسعفين ينضمون إلى عشرات آلاف الأشخاص الذين يلجأون إلى تونس ومصر وتركيا وشبه الجزيرة العربية.

في إحدى أمسيات الشهر الماضي، وقف رجال مقنّعون يحملون أسلحة كلاشنكوف على حاجز تفتيش في جنوب غرب طرابلس. راحوا يوقفون السيارات ويخرجون السائقين والركاب منها. في البداية، كان يسهل أن نشكّ بأنهم يبحثون عن ضحايا لخطفهم والحصول على فدية بعد أن تحولت هذه النزعة اليوم إلى وباء إجرامي شائع في البلاد. لكن تبين أنهم كانوا يقومون هذه المرة بدورية بسيطة ويفتشون السيارات لمصادرة الكحول والمخدرات أو بحثاً عن مراهقين أقوياء.

اختفى الدبلوماسيون وعمال الإغاثة الذين كانوا يأكلون سابقاً في فنادق خمس نجوم أقفلت أبوابها اليوم في العاصمة. تخلو الشوارع من الناس بعد هبوط الليل، إذ يفضل السكان ملازمة منازلهم في هذه الفترة. على صعيد آخر، تراجع إنتاج النفط الذي يُعتبر الركيزة الاقتصادية الوحيدة في هذا البلد بعد أن بلغ ذروته غداة الانتفاضة في عام 2011، بمعدل مليون ونصف برميل في اليوم، وبات يقتصر راهناً على 360 ألف برميل في أفضل الظروف. بدأ المتطرفون الإسلاميون يستولون على الأراضي ويستجمعون قوتهم ويوحّدون صفوفهم لتشكيل فرع “داعش” الليبي الذي أعلن عن نفسه في أواخر عام 2015 ونجح منذ ذلك الحين في فرض سلطته. انضم إليهم مقاتلون أجانب وتوسعت صفوف “داعش” وباتت تشمل 5 آلاف عنصر، فأصبحت ليبيا وجهة بديلة للمجندين الذين يعجزون عن شق طريقهم إلى سورية أو العراق. قال أحمد عمران، المتحدث باسم “قوة التدخل السريع”، أقوى سلطة أمنية في طرابلس: “أصبح تنظيم “داعش” اليوم أسوأ عدو لنا. فهو يشمل أسوأ المجرمين الأشرار الذين تعاملنا معهم على الإطلاق”. حتى أعضاء “قوة التدخل السريع” (يميل عدد كبير منهم إلى تأييد الإسلام السلفي المتطرف) اندهشوا من تطرف “داعش”.

أضاف عمران: “هم يستعملون شباناً صغاراً عمرهم 16 عاماً. لا يكون العنصر المنتمي إلى “داعش” شاباً ملتحياً يرتدي ملابس تقليدية ويتواجد في المسجد، بل إنه قد يأتي ويجلس بالقرب منك ويدخن الشيشة ويشرب الشاي قبل أن يفجر نفسه فجأةً. أو قد يمارس الرياضة إلى جانبك في النادي الرياضي. يجنّد التنظيم هؤلاء الشبان عبر الإنترنت. لا شك في أنها إيديولوجيا غريبة جداً”.

أعمال وحشية

على اللافتة التي كانت تتدلى من عنق جثة هامدة كلمة واحدة: “جاسوس”. بعد أربعة أشهر من الاعتقال، أُخِذ ميلاد أحمد (42 عاماً) من زنزانته في شهر يناير وتعرّض لإطلاق النار ومات أمام حشد من الناس. ثم صُلِب وعُرضت جثته في ساحة البلدة الرئيسة طوال أيام كتحذير للسكان الآخرين في سرت. نُشرت صور أحمد الذي كان متزوجاً ولديه طفل رضيع على الإنترنت لتحذير جميع الليبيين.

أمضت والدة أحمد أشهراً عدة وهي تجلب المأكولات والملابس لعناصر “داعش” الذين يحتجزون ابنها كي يمرروها له لكنهم لم يسمحوا لها برؤيته. كانت الاتهامات الموجهة ضده مرتبطة بماضيه كعضو في الميليشيا المعادية للقذافي ثم رفضه في المرحلة اللاحقة الانضمام إلى الجماعة الجهادية حين استولت على سرت. قال أقارب أحمد الذين كانوا مجتمعين في خيمة عزاء موقتة في مصراتة بعد يومين على موته إن والدته عادت إلى المدينة كي تطلب من القتلة أن يعطوا جثة ابنها لعائلته كي يُدفَن بطريقة لائقة.

كانت سرت، بلدة القذافي الأم، واحدة من آخر معاقل النظام السابق. في أواخر عام 2011، قصفت ميليشيات من مصراتة المدينة بالمدفعية طوال أسابيع قبل إيجاد الدكتاتور السابق وقتله وفرض سيطرتها. شعر السكان بالهلع عند رؤية هؤلاء الغرباء الذين بدأوا يتمركزون في بلدتهم ثم استعادت الميليشيات المحلية السيطرة عليها. لكن عاد المجاهدون إلى الساحة وتغلبوا على تلك الميليشيات، وفي بداية عام 2015 أصبحت المدينة في قبضة “داعش”.

قال محمد محمد (36 عاماً)، باحث قانوني ترك وظيفته في وزارة الزراعة في السنة الماضية ليبدأ القتال ضد الجماعة الجهادية: “لم نكن مستعدين لمواجهة “داعش”. لقد هاجمونا من جميع الجهات وكنا نفتقر إلى الحماية والأسلحة والمقاتلين. لذا قررنا حماية حياة الشبان وانسحبنا”.

كل من يعيش الآن تحت حكم “داعش” يدفع ثمناً باهظاً للإخفاقات المتراكمة التي سببتها الطبقة السياسية في ليبيا واللاعبون الدوليون الذين لم يحركوا ساكناً حين بدأت بقايا المجتمع المدني تنهار. مع مرور الأيام، تزداد قوة “داعش” في سرت علماً أن التنظيم يستعمل تدابير صارمة بشكل متزايد ضد المدنيين ويؤكد على وحشيته وسلطته الاستبدادية.

أُجبِر القادة القبليون والسياسيون القدامى على التخلي عن مواقفهم وتلقوا أوامر بعدم إثارة الخلافات بل إحالتها إلى المحاكم الإسلامية التابعة لتنظيم “داعش”. يجمع عناصره الضرائب على كل حيوان في المزارع ويجب أن يدفع أصحاب العقارات ضريبة شهرية على الأملاك التي يؤجرونها. يطالب “داعش” أيضاً بالحصول على التبرع السنوي الذي يقدمه المسلمون للمؤسسات الدينية.

قال شهود عيان داخل المدينة وبعض المقاتلين الذين يواجهونهم إنهم قابلوا مجندين من تونس ومصر والصومال والسودان ومالي والنيجر ومن جميع أنحاء ليبيا. وتتدخل مجموعة تسمي نفسها “قوة المحاسبة” في الشؤون اليومية. تحدث عن الوضع مزارع ورجل أعمال يقيم في سرت خلال زيارة له خارج المدينة واشترط عدم الإفصاح عن هويته، فقال: “إذا دعوا الناس للصلاة ولم يلبّوا الدعوة، سيوقفونهم ويعتقلونهم. أو قد يفرضون الغرامات عليهم أو يرسلونهم إلى صفوف دينية أو يأمرون بجلدهم. حتى أنهم قد يأمرون بقطع رؤوس بعض الناس”.

يجب أن يتوب الأعضاء السابقون في قوى الأمن علناً أو يواجهوا حكم الموت باعتبارهم “كفاراً” في واحدة من “ساحتَي العقاب”، فقد تحولت بعض المستديرات إلى ساحات عامة لتنفيذ أحكام الإعدام. قال المزارع: “يتم استدعاء جميع المارة في الشوارع في وقت تنفيذ الحكم فيعلنون عن الجريمة أمامهم. كل من حارب ضدهم يتعرض لإطلاق النار والصلب. وتُقطَع رؤوس بعض الناس أيضاً”. تبدو الحياة تعيسة في هذا المكان فقد أقفلت البنوك أبوابها، وانقطعت خدمات الهواتف الأرضية والخليوية، ومُنع استعمال الإنترنت ومشاهدة القنوات الفضائية، وجفّت محطات البنزين، ولا يستطيع أحد الحصول على جوازات سفر أو شهادات ولادة أو شهادات زواج، وتكتفي محطات الإذاعة ببث خطابات مؤسس “داعش” أبو بكر البغدادي أو آيات قرآنية. أضاف المزارع نفسه: “عند غروب الشمس، لا يبقى غيرهم في الشوارع”. غادر البعض المدينة حين تسنّت لهم الفرصة، لكن بقي الكثيرون هناك خوفاً من أن يستولي عناصر “داعش” على منازلهم أو خشية أن يواجهوا المقاتلين على حواجز التفتيش في مخارج المدن. قال محمود زيغال، قائد عسكري في قوات مصراتة: “هم يحتاجون إلى العائلات لاستعمالها كدروع بشرية. حين يحاول الناس المغادرة، يسألونهم عن سبب رحيلهم ثم يفتشون السيارات بدقة بحثاً عن أي مقتنيات ثمينة ويتعرّض السائقون للمضايقة”.

قال محمود (52 عاماً) الذي كان يقيم في سرت قبل أن يغادرها منذ سنة للإقامة في مصراتة: “يشعر السكان بالرعب بسبب الحملة الدعائية التي ينشرها عناصر “داعش” وصور الصلب والاعتداءات الإرهابية المتطورة التي ينفذونها والعروض العسكرية الكبرى التي تثبت حجم قوتهم. في الوقت نفسه، بدأوا يحاولون فرض حياة طبيعية عبر السماح بدخول المأكولات وبعض الخدمات إلى المدينة. لقد أعادوا إرساء الهدوء”.

«المجتمع الدولي نسينا»!

يبدو أن المعتدين كانوا يتجسسون على أحد السجون طوال أسابيع. في السابعة صباحاً من أحد أيام الجمعة، تحركوا بعد أن سحبت قوى الأمن حراسها. فجر أربعة مسلحين يرتدون أحزمة ناسفة ويحملون بنادق كلاشنكوف الهجومية وقنابل يدوية حفرة في جدار سجن يقع في قاعدة معيتيقة الجوية في طرابلس خلال السنة الماضية. ثم فتحوا النار وحاولوا تحرير عبد الرؤوف تومي، الأمير الليبي الأسير لدى “داعش” في طرابلس.

حصلت مئات الجولات من تبادل إطلاق النار طوال 45 دقيقة. قُتِل خلالها المعتدون الأربعة وتومي وثلاثة حراس ومأمور السجن. جاء ذلك الاعتداء الذي يُعتبر أجرأ عملية من تنفيذ “داعش” في العاصمة ليرسّخ القناعة القائلة إن ليبيا مضطرة لمواجهة “داعش” بجميع الأدوات المتاحة. قال أحمد عمران، متحدث باسم “قوة التدخل السريع”: “بدأنا نستعمل تكتيكات التجسس للتسلل والحصول على المعلومات ومراقبة الاتصالات الإلكترونية”.

في بعض الحالات، يُجبِر التهديد الذي يطرحه “داعش” الميليشيات الليبية التي تتولى فرض الأمن على التعاون في ما بينها لمنع التنظيم من نشر المقاتلين أو إنشاء زنزانات في أنحاء البلد. في الفترة الأخيرة، بدأ المسؤولون في بني وليد مثلاً يتعاونون سراً مع مسؤولين أمنيين في طرابلس ومدن أخرى حول المسائل المرتبطة بالمجاهدين رغم غياب الروابط السياسية بينهم.

على طول خط جبهة القتال ضد “داعش” في أبو قرين، بدأ المقاتلون القادمون من مناطق أخرى، منها المنطقة الجنوبية، يصلون إلى الموقع استباقاً لأي هجوم مستقبلي. قال زيغال، المسؤول الأمني في مصراتة: “هم يجمعون قواهم اليوم. وبعد إتمام التحضيرات المناسبة للحرب، سنتحرك”.

حتى الآن، ينشط الرجال على الجبهة وفق نوبات عمل تمتد على ثلاثة أيام، فيحرسون حواجز التفتيش ويجرون دوريات لجمع الدلائل حول تكتيكات “داعش”. اعترف المقاتل صادق درشي بأنهم يقومون بجولات استطلاعية بطلبٍ منهم أيضاً. دخل مقاتل آخر اسمه محمد محمد (36 عاماً) إلى مقر صغير لأخذ استراحة من العاصفة الرملية. لقد حارب ضد نظام القذافي في عام 2011 ثم عاد إلى عمله كمستشار قانوني بارز في وزارة الزراعة في مصراتة بعد موت الدكتاتور. على عكس معظم المقاتلين الآخرين، تعلّم محمد في الجامعة وأصبح موظفاً إدارياً محترفاً. في السنة الماضية، وضع كتبه القانونية جانباً وحمل السلاح هذه المرة للدفاع عن مدينته من التهديد الجديد الذي يطرحه “داعش”. أخبر محمد قصة عن الخوارج، أي الطائفة المسلمة العنيفة والمرتدة والمتطرفة التي استهدفها النبي محمد واعتبرها غير شرعية. اعتبر محمد أن محاربة “داعش” واجب ديني وليس خياراً فردياً. ثم عدد أسماء أصدقائه الذين قُتلوا وهم يحاربون “داعش” واعترف بأنه يخشى أن تزداد قوة التنظيم مع مرور الأيام.

أضاف محمد: “استناداً إلى المعلومات الاستخبارية التي نتلقاها، زاد التنظيم عدد المجندين الأجانب فيه. لقد حصلوا على فرصة أفضل منا كي يجمعوا صفوفهم ويحموا نفسهم. يبدو أن المجتمع الدولي نسي أمرنا وحتى حكومتنا نسيتنا”.

دور القوات الأميركية

بدا عناصر القوات الأميركية الخاصة مرتبكين في صورة عفوية ظهروا فيها بستراتهم الصوفية وقمصانهم القطنية وقبعاتهم الرياضية. لقد هبطوا في قاعدة “واتيا” الجوية، في جنوب غرب ليبيا، في 14 ديسمبر من السنة الماضية كجزءٍ من الجهود الرامية إلى تدريب الميليشيات التي تقاتل “داعش”.

اعترف المسؤولون الأميركيون لاحقاً بأنهم أرسلوا عناصر عسكرية إلى ليبيا سراً طوال أشهر. منذ الانتفاضة، تحولت ليبيا إلى ساحة معركة للقوى الخارجية التي تسعى إلى رسم الأحداث هناك، بدءاً من وصول إمدادات أسلحة من فرنسا وقطر إلى الثوار الذين يقاتلون القذافي. وعمدت الإمارات العربية المتحدة ومصر إلى تسليح قوات حفتر وإطلاق ضربات جوية دعماً لها، بينما انتشرت أنباء عن دور تركيا وقطر في تسليح قوات “فجر ليبيا” في مصراتة.

لم يترافق إسقاط القذافي في عام 2011 مع نهاية التدخل العسكري الأميركي في ليبيا. فقد قبضت القوات الأميركية على المقاتل الليبي السابق أبو أنس الليبي في شوارع العاصمة في عام 2013. وفي شهر نوفمبر من السنة الماضية، أدت ضربة جوية إلى قتل أبو نبيل، ناشط سابق في “القاعدة” أصبح زعيماً في “داعش”. كانت تلك أول ضربة أميركية تستهدف “داعش” في ليبيا.

في ليبيا اليوم، يُعتبر الجيش التابع لإحدى الجماعات ميليشيا خارجة عن القانون بنظر الجماعات الأخرى. وتعتبر كل جماعة الطرف الآخر متطرفاً أو جزءاً من المرتزقة الأجانب. قال كامل عبدالله، خبير في الشؤون الليبية في “مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية في القاهرة”: “في ليبيا، تبدو الأوضاع معقدة جداً. لا يستطيع الناس التمييز بين المعتدلين والمتطرفين. على أيّ حال هل نجح التدخل في الصومال؟ أو السودان؟ أو العراق ثلاث مرات؟ ماذا عن أفغانستان؟ سورية؟ اليمن؟”.

يعترف المسؤولون بأنهم يفتقرون إلى الموارد التي تسمح لهم بالتفوق على “داعش” في سرت من دون تدمير المدينة بالكامل وقتل آلاف المدنيين الأبرياء. قال محمود عبد العزيز، نائب في البرلمان القائم في طرابلس: “لا نملك طائرات للذهاب إلى الجبهة ونحتاج إلى مستشفيات. كيف يمكن أن أرسل شبّاني إلى جبهة القتال إذا كنت أعجز عن معالجتهم؟”.

تشعر الميليشيات في مصراتة بأنها تتحمل معظم أعباء الحرب التي يُفترَض أن يتقاسمها الجميع، بما في ذلك المجتمع الدولي. قال القائد المحلي البارز عبد الرحمن السويحلي: “لقد سئم الناس في مصراتة وفي جميع مناطق ليبيا من الحرب. لكنّ محاربة “داعش” ليست حرب مصراتة بل حرب الليبيين كلهم. لماذا تتحمّل مصراتة عبء المعركة وحدها؟ يجب أن ينضم الليبيون الآخرون إلى المعركة لكنهم لم يتحركوا بعد”.

* برزو درغي

back to top