سحر طه: روادنا «الكبار» خير سفراء للهوية العربية الأصيلة

نشر في 12-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 12-02-2016 | 00:01
No Image Caption
فيروز، زكي ناصيف، توفيق الباشا، نهاوند، عبود عبدالعال، فايزة أحمد، أسمهان، لور دكاش، سليم فليفل، فنانون رواد خالدون، أثّروا بشكل أو بآخر بالفنانة والكاتبة العراقية  سحر طه، فراحت تستقي معلومات عنهم من خلال الأبحاث والكتب ولقاءاتها الشخصية معهم أو مع أقربائهم ومعارفهم، وجمعتها في كتاب «من القلب إليهم»(ومضات من حياة فنانين-الجزء الأول)، على أن تلقي في الجزء الثاني الأضواء على مجموعة أخرى من الرواد من أمثال صباح، وديع الصافي، زكريا أحمد، أم كلثوم ومحمد القصابجي...

غاصت سحر طه في عمق حياة هؤلاء الكبار، واستخرجت منها دروساً ليسير بهديها الجيل الجديد من الفنانين، عله يخرج من دائرة الاستسهال ويعود إلى منابع الغناء الأصيل.

ما الذي دفعك لوضع هذا الكتاب؟

ندرة أو حتى عدم وجود كتب ومراجع توثيقية تجمع سير الكثير من الرموز الفنية المبدعة، ولعلّ هذه اللمحات على قلّتها وطابعها البسيط تكون شبه أرشيف للأجيال المقبلة للتعرف إلى أسماء، شكلت مناخاً موسيقياً وعبّرت عن الهوية العربية على مدى مراحل من حياتنا في سنوات القرن العشرين وحتى اليوم.

كيف اخترت النجوم الذين تضمهم دفتا الكتاب؟

تعمدت التركيز على سير فنانين لم يمروا في تاريخنا الفني العربي مرور الكرام، بل تركوا آثاراً جميلة، وأعمالا لن يطويها النسيان، تغلغلت في أوردتنا، لطالما أهدوها للأجيال لتكون منارة تضيء لهم الطريق وتمنحهم هويتهم الموسيقية الحقيقية، لكي يعبروا بأمان أمواج {العولمة} العاتية، وربما لن نستطيع مجاراتها إن لم نتمسك بها، في وقت نواجه حروباً من شتى الأنواع على هويتنا العربية المشرقية.

هذه المقالات كتبت، في الغالب، لمناسبة مرور ذكرى رحيل هذا الفنان أو تلك من رموز الموسيقى والغناء، وهي ذات طابع تكريمي حميمي صحافي، بعيد عن ادعاء الشمولية والبحث الأكاديمي أو الإلمام الكامل بسيرة حياة أي من هؤلاء.

من اين استقيت المعلومات؟

من مصادر عدة، سواء مقالات نشرت في مجلات أو صحف أو مواقع إلكترونية أو بعض الكتب التي أفادتنا إفادة كبيرة، وأخص بالذكر كتاب الباحث الدكتور فيكتور سحاب «السبعة الكبار»، كذلك من أبحاث منشورة للأستاذ الباحث الياس سحاب، إضافة إلى آخرين، فضلا عن الاستناد الشخصي إلى آراء بعض الموسيقيين والباحثين عبر الاتصال الهاتفي أو الحديث الخاص، أو حتى الذهاب إلى أماكن أو لقاء أشخاص ذوي صلة، وغيرها مما أتيح لي من مصادر. إضافة إلى  آرائي الشخصية ووجهة نظري في تناول بعض الأصوات والأعمال والمواضيع.

من بغداد إلى بيروت

هل عملية الاختيار أخذت في الاعتبار مدى تأثير هؤلاء الكبار في ذاكرتك وفي نفسك؟

 لو لم يؤثر هؤلاء فيّ لما كتبت عنهم. فيروز في صدارة اللائحة، لأنها أدت دوراً رئيساً في رحلتي من بغداد إلى بيروت. تربيت على صوتها، ففي طفولتي كنا نستيقظ في الصباح على صوتها يصدح عبر الإذاعة، فنشرب معها  الشاي المعطر بالهال، وفي المدرسة كنا ننشد  أغنياتها قبل الدخول إلى المدرسة.

كذلك تعرفت على القضية الفلسطينية من خلال أغنياتها حول القدس، وكنت في سنوات مراهقتي الأولى،  فاندفعت للمشاركة في تظاهرة قامت في بغداد ضد وعد بلفور. ولا عجب بعد أن يقول الشاعر محمود درويش إن  فيروز والرحابنة غنوا فلسطين، وعندما جئت إلى لبنان، كان لدي اعتقاد بأنني سأراها في الشوارع، لكن بالطبع لم يحصل ذلك.

في ما بعد عندما عملت في الصحافة  حضرت حفلات فيروز وكتبت عنها.   

 أثرت أغنيات فيروز بوعيي لقضايانا العربية، وجعلتني أرسم في لاوعيي صورة جميلة عن لبنان.  لا بد من الإشارة، أيضاً، إلى أن المصريين يستمعون إلى فيروز في الصباح، وأضحى هذا الأمر تقليداً لديهم.

 

أي ارث يجمع الكتاب بين دفتيه؟

يجمع إرث خمس نساء وأربعة رجال، وكل واحد أعطى في مجاله وله بصمة وقيمة مختلفة عن الآخر. أسمهان لها قيمة مختلفة عن فايزة أحمد ونهاوند ولور دكاش...

أفردت مساحة واسعة لتوفيق الباشا، الرائد في مجال الموسيقى  ما أبرز خصائصه الإبداعية؟

توفيق الباشا قيمة عالمية له دور في ثقافتنا الموسيقية وفي نهوض  الموسيقى العربية.

في كل لقاء مع توفيق الباشا كنت أشعر بعتبه الكبير على الدولة وعلى الانفلات الحاصل في الغناء، واستغرابه  القصور والتسطيح لدى المشتغلين في الساحة الغنائية، لذا فضل الانسحاب والانزواء والكتابة الموسيقية في عزلته، وعدم الانحناء أو المساومة أو التنازل عن المبادئ بأي ثمن كان ولأي سبب.

رحل توفيق الباشا سنة 2005 عن 81 عاماً، منها خمسة عقود قاد فيها الأوركسترات وكتب لها، ووزع ألحاناً لآخرين من بينهم: الأخوان رحباني، وأسس لمدرسة بيروت الموسيقية، وعرف في العالم العربي من خلال ألحان لسعاد محمد ونور الهدى ووداد وغيرهن...

لم يكن متفائلا بموسيقانا العربية التي تمر اليوم بمرحلة دقيقة، إذ اعتبر أنها ما تزال متخلفة عن الموسيقى العالمية. ولطالما عرف بمقولته إننا بحاجة إلى تواصل في الفكر الموسيقي الذي يخصنا، فلا يجوز أن نقفز فوق هذا التواصل وإلا سنترك فجوات ونقع في التقليد.

حفلت حياته بالسعي من أجل موسيقى جادة خارج ميادين التجارة والاستهلاك،  أعطى الموسيقى العربية كل عشقه وجهده، فترك أعمالاً ذات سمات إبداعية متفردة تعتبر سابقة لأوانها، وبصمات موسيقية أغنت المكتبة العربية والعالمية، سوف تبرز آثارها وتتضح أكثر كلما مرّ الزمان، هذا في حال كان  ثمة سعي جدي لنشرها.

 ألف أول مغناة {ابن زيدون (1956)، تقع في 20 دقيقة وهي حوارية بين الشاعر الأندلسي المعروف إبن زيدون وحبيبته الشاعرة ولادة بنت المستكفي، وكانت بصوت كل من وداد ومحمد غازي، وأوبرا {قدموس} كتبها عن نص سعيد عقل اشتغل عليها سنوات، وهي  عبارة عن أربعة فصول، أكمل ابنه عبد الرحمن الباشا اربع من المقطوعات، هنا لا بد من مناشدة المجمع العربي للموسيقى كي يعمل على نشر أعماله في العالم.

عمل بشغف، وجهد، بحث ونشر الكثير من أعماله، صارع من أجل موسيقى عربية ذات هوية مشرقية. آمن بأمته وبموسيقاه فنذر حياته لهما من دون تردد، أوصل رسالته بأمانة وبكل ما استطاع من قوة رغم الفواتير الباهظة التي دفعها من صحته وراحته، ورغم إهمال أو تغاضي الدولة والمؤسسات عن عطاءاته، إلى حد التنكر لدوره في التأسيس لموسيقى مشرقية عربية من خلال الساحة اللبنانية إلى جانب الأخوين رحباني، زكي ناصيف، عفيف رضوان وآخرين.  نشر مؤلفات سيمفونية وقصائد مغناة، ولحّن عشرات الموشحات، ووزع مثلها العديد من القديم ودونها في كتب ومطبوعات.

زكي ناصيف، رائد آخر يضمه الكتاب، فما أبرز الخصائص الفنية التي يتمتع بها؟

لزكي ناصيف بصمة بالفولكلور اللبناني. كتب أغاني بشكل رائع وأضحت اغنية «راجع يتعمر لبنان» نشيداً عالمياً. التقيته في منزله في بيروت ولمست مدى الشفافية والطيبة اللتين تتمتع بهما روحه.  

ثقافته الموسيقية العالية وإيمانه بجوهر الفولكلور الغني دفعاه إلى استنباط ألحان من عمق الأرض ومزاجها الشفاف، المعطاء، المشرق.

كتب حكايات الضيعة والمدينة معاً، ولحنها  في حب وحنوّ، ففعلت فعلها الطبيعي في كل قلب سمعها ودخلت الوجدان اللبناني والعربي... كل لحن من ألحانه فيه نكهة البلاد العريقة وبصمته واضحة نعرفه من خلالها.

ابن الأرض والتراث والإيقاعات الشعبية والتاريخية، عرف بحساسية مرهفة، وبحث دؤوب حول  كيفية استخراج من الموروث الجماعي الديني والشعبي والإنساني ألحاناً تضج بالحياة... لا بد من الإشارة هنا إلى أن فيروز غنت له.

آراء وأحكام

نهاوند، ليست معروفة كثيراً على الصعيدين اللبناني والعربي، فلماذا اخترتها؟

لأنها قيمة كبيرة رغم عدم شهرتها، فهي معروفة بأغنية واحدة في لبنان، فيما في العراق هي معروفة بأغنيات من ألحان رضا العلي العراقي، وتعتبر «تدلل» من أجمل الأغاني العراقية، لذا يقتصر أثرها  في العراق  مع انها صوت طربي من الدرجة الأولى. صاحبة الأغنية الأشهر «يا  فجر لما طلّ» ، التقيتها صدفة أواخر التسعينيات في منطقة كفرشيما في بيروت، وعندما أدركت أنني عراقية تنهدت وقالت: «آه... العراق... يا سلام... لي في بغداد ذكريات عزيزة وجميلة»، ذلك أنها  عرفت في العراق بمطربة المواويل الآتية من بلد الأرز وصوت الطرب الأصيل، وكانت الإذاعة تبث قصائدها، أشهرها أغنيتان باللهجة العراقية هما «إدلل علي» و{يابا يابا اشلون عيون».

ولم يكن حظ نهاوند موفقاً في طفولتها، فقد حاولت الانتحار أكثر من مرة  لأن عماتها منعنها من الغناء، أما أول أغنية لها وهي صغيرة فكانت «أنا عصفورة». يذكر أن نهاوند مثلت في بعض الأفلام، وتزامنت وفاتها مع وفاة صباح وسعيد عقل، لذا لم يذكرها أحد.  

لور دكاش، أيضاً، ليست معروفة في الوسط الفني، فما الذي دفعك إلى اختيارها؟

الظلم الذي تعرضت له في حياتها، فلور دكاش، صوت تطريبي، ملحنة، عازفة عود وصاحبة أكثر من 300 لحن.  رحلت لور دكاش إلى مصر باكراً،  فاعتقد اللبنانيون أنها ماتت. صوتها كلثومي واسع وحلو وأثرت في أعماقي فكتبت عنها.

عرفت بأغنية {آمنت بالله}، التي اثارت جدلا، ففي إحدى المقابلات أكدت أنها لحنت الأغنية، وأضافت: {الحقيقة أنني عانيت من الظلم في الساحة الفنية ولحقني بعض الأذى، فجاءت هذه الأغنية لتنصفني وتؤكد مكانتي وتشهد على قدرتي في التلحين والغناء ولتثبت أن تجربتي الفنية لها جذور عميقة مبنية على أسس صلبة. أعتبرها من أكثر الأغنيات خلوداً في موسيقانا وتاريخنا الغنائي والموسيقي لأنها أغنية كل الأديان}.  

وماذا عن فايزة أحمد؟

قلة تعرف أن فايزة احمد لبنانية من الجنوب، من آل الرواس، عانت كثيراً من منافسة الفنانين وأصيبت بالمرض وتوفيت وهي في عز عطائها. قصدت صيدا وقابلت ابن شقيقها واستقيت معلومات عنها. غنت بلهجات مختلفة، و لديها أربع  أغنيات باللهجة العراقية.

نبذة

سحر طه، كاتبة وباحثة وفنانة، درست في الجامعة المستنصريه ببغداد ونالت البكالوريوس والماجستير في أدارة الأعمال (1975 - 1984)، ودرست التشكيل في معهد الفنون الجميلة، والموسيقى في الكونسرفتوار الوطني في بيروت حتى 1989. نشرت كتاباتها في الصحف البيروتية والعربية، ولها كتاب في أصول المقامات وتنويعها...  شاركت في مؤتمرات ولقاءات وحلقات دراسية عربية. سحر طه عازفة على العود،  لها ألبومات في الأغنية البغدادية، واهتماماتها لا تشتمل المقام والبسته البغدادية فحسب، بل متابعات في مجال الأندلسيات والموشح والدور، والتراث اللبناني والعربي في ريفه وفي حضره.

شاركت  في ثنائيات مع عازفين من إيطاليا وإيران والنمسا، شاركها أكثر من عازف وعازفة خلال رحلاتها الفنية العربية، يتميز فنها بالمزج بين آلتين تمثلان الغرب والشرق، الماضي والحديث، التنوّع الإنساني...

back to top