سنة من التواصل مع طفلك

نشر في 10-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 10-02-2016 | 00:01
No Image Caption
منذ ساعاته الأولى في العالم، يحاول الولد إقامة العلاقات. ففي هذا العالم المبهم، تشرق شمس نورها ساطع: نظرات الأهل وابتساماتهم.
• البكاء والوشوشة

ما إن يأتي الطفل إلى العالم حتى يروح يميّز في رد فعل يُعتبر مذهلاً نغمة صوت أمه الناعمة، تلك التي تهمس في أذنه كلمات الحب والتي تعرف جيداً السبيل إلى تهدئته وطمأنته. واللافت أن كل الأمهات حول العالم يملن تلقائياً إلى هذا النوع من الوشوشة والغناء بغية تهدئة بكاء طفلهن.

علاوة على ذلك، يسعى الطفل إلى استعادة ما فقده من احتكاك مع والدته: دفء بشرتك، رائحتك... يعشقها كلها. ولكن ما وسيلته الفضلى للتعبير عن نفسه خلال أسابيعه الأولى؟ البكاء. بهذه الطريقة يكشف لك عن مشاعره ومخاوفه، من الجوع إلى التعب فالألم والانزعاج... لذلك لا تخافي من التفاعل مع حاجاته. فقد أظهرت دراسة أميركية أن الأطفال الذين يكثرون البكاء هم الذين تتأخر أمهاتهم في الاستجابة لبكائهم. في المقابل، يبكي الأطفال الذين يُحملون دوماً عند بكائهم بمعدل أقل نحو شهرهم الثاني عشر. إذاً، القرار لك.

قد تلاحظين خلال الأسابيع الأولى من حياة طفلك ابتسامة حفيفة على ثغره تُسمى عادةً ابتسامة الملاك. لكن هذه مجرد رد فعل يعود إلى نشاط الجهاز العصبي.

نحو الأسبوع الثالث، عندما يسمع الطفل المولود حديثاً صوتك، ترتسم على وجهه ابتسامة متعمدة وإن كانت خاطفة. لكن موعد ظهور الابتسامة الحقيقية الأولى يختلف باختلاف درجة نضج الطفل. ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن الطفل الذي يولد قبل الأوان يتأخر قليلاً في الابتسام.

ولكن نحو الأسبوع السادس، لا يبتسم إلا لك، خصوصاً عندما يرى وجهك، فترسم على ثغره ابتسامة عريضة تملأ كامل جسمه فرحاً وتعكس لك مشاعره تجاهك، ابتسامة تنبع من داخله ولا يمكن تعلمها.

• التمتمة والكلام

نحو الشهر الثالث، يصبح الطفل أكثر تيقظاً وتفتحاً. تتراجع فترات نومه، يتحسن نظره، يحرك يديه بفاعلية، ويبكي ويصدر أصواته الأولى. يخوض معك حوارات طويلة، إلا أنه لم يتقن بعد «الكلمات المناسبة».

بدءاً من الشهر الرابع أو الخامس، ينجح في إصدار الأصوات والنغمات ويتحكّم في حدة صوته. وهكذا تنمو قدرته على التحكم في صوته تدريجياً. يبدأ مهرجان من الأصوات والنغمات المتنوعة، من الصياح إلى الطقطقة والضحكات الأولى. وخلال هذه الفترة عينها، يكتشف الطفل لغة «التغريد» الدولية. كذلك يميز تأثير «كلماته» هذه في محيطه. فعندما أبكي، تأتي أمي مسرعة. ويحرص الطفل على تصنيف هذه المعلومات في خانة «ما لا يجب نسيانه مطلقاً». كذلك برهنت دراسات عدة أن الأطفال يتحلون بقدرات لغوية استثنائية. على سبيل المثال، يميز الأطفال اليابانيون بين الحرفين «ل» و{ر»، مع أن لغتهم لا تشمل ظاهرة مماثلة. ولكن من المؤسف أن هذه القدرات تضيع بسرعة. ولا يتعلم الطفل اللغة إلا في مرحلة لاحقة.

نحو شهره السابع، يبدأ طفلك يتمتم بكلام غير مفهوم باللغة العربية بالتأكيد. ففي هذه السنة، تختلف طرق تعبير الأطفال باختلاف الثقافات. فقد أظهرت دراسة، طلب فيها الباحثون من عدد من البالغين الاستماع إلى تسجيلات الأطفال من مختلف أنحاء العالم، أن المشاركين كلهم نجحوا في تحديد جنسية الأطفال. فتتأثر هذه التمتمة بالإطار اللغوي العام. ونحو الشهر السابع إلى الثامن، تسهل على الطفل قدرته المتنامية على التحكم في تنفسه، حنجرته، وحركة لسانه على التفوه بكلمات أكثر وضوحاً، مثل «دادا» أو «بابابا». وهكذا تترابط الأصوات وتتلاحق، ويزداد كلام الطفل وضوحاً. وهكذا يكتسب المهارات اللغوية الضرورية.

• مفاجآت الذاكرة

يعرب الأطفال عن قدرات مذهلة ترتبط بالذاكرة. ولكن فيما يكبرون، يعربون أيضاً عن قدرات كبيرة على النسيان. نتيجة لذلك، قد يبدو الطفل في سن الثالثة عاجزاً عن تذكر ما قاله قبل دقيقتين أو يخفق في تمرين حفظ بسيط، كما لو أنه مصاب بفقدان الذاكرة. لا تتطور الذاكرة بشكل متواصل، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحالة الوعي. فبما أن الطفل لم يكوّن بعد فكرة واضحة عن هويته، يصعب عليه تذكر بعض تجاربه. يتمتع الطفل بذاكرة تجمع المعلومات، ومن الممكن تحفيزها بدءاً من شهره الثاني أو الثالث. وهذا ما تثبته تجارب كارولين ريف-كولير: علقت قطعة ملونة فوق مهد رضيع وربطها بقدم الطفل بواسطة شريط. سرعان ما يكتشف الطفل أنه يستطيع أرجحة اللعبة بتحريكه قدميه، ولا يتردد في ذلك. بعد نحو 15 دقيقة، كُرر الاختبار إنما من دون شريط. فبدأ الطفل بتحريك قدميه في الحال، ما يُظهر أنه فهم جيداً العلاقة السببية. وبرهنت كارولين ريف-كولير أن الرضيع في شهره الثاني قادر على تذكر ظروف مماثلة طوال 24 ساعة، الرضيع في شهره الثالث طوال سبعة أيام، والطفل في شهره السادس طوال 15 يوماً.

تسحره نظرتك

صحيح أن الطفل لا يرى بوضوح ولا يميز بعد وجهك، ولكن عندما تتحدثين إليه بلطف وتدفعيه إلى النظر إليك، فلا شك في أنه يثبت عينيه على وجهك ويتفاعل معك، فتخالين أنه يتأملك. استخلص العلماء أن الطفل يمرّ بعد ولادته بفترات وجيزة من النشاط البصري مع قدرة على تركيز النظر. ولكن إلامَ استندوا في خلاصتهم؟ يبدو كما لو أن نظرة الأم تسحر الطفل. ويشكل هذا الانجذاب المتبادل أحد العوامل الأولى التي تحدد تعلق الطفل بوالدته. واللافت أيضاً أن الطفل يستطيع بدءاً من أسبوعه الأول محاكاة بعض حركات أمه. على سبيل المثال، يقلدها إن مدت له لسانها.

نظر مميز

إذا عرضنا على الطفل صورتين تحمل الأولى وجهاً بشرياً والثانية شكلاً هندسياً، يتأمل الأولى طويلاً. لكن هذا لا يعني أنه ميّز محتواها. لكن الأطفال يبدون أكثر انجذاباً إلى الخطوط والأشكال المعقدة. كذلك برهنت دراسات أخرى أن الشكل العام، أي استدارة الوجه لا معالمه، هو ما يشد الطفل. نتيجة لذلك، إذا غطيت رأسك بشال، يعجز عن التعرف إليك. في المقابل، لا تزعجه النظارات الشمسية. فلا ينجح الطفل في تمييز تفاصيل الوجه قبل بلوغه شهره العاشر أو الحادي عشر.

back to top