كيف تتحدّى الزرافة الجاذبية؟

نشر في 06-02-2016
آخر تحديث 06-02-2016 | 00:01
No Image Caption
صحيح أن عنق الزرافة الطويل مفيد لبلوغ أوراق الأكاسيا العالية أو مواجهة المنافسين المحتملين، إلا أن له سلبياته. على سبيل المثال، عندما ينحني هذا الحيوان للشرب، عليه أن يباعد بين قائمتيه الأماميتين وخفض رأسه ليبلغ سطح الماء. أما الطريقة التي تعتمدها الزرافة بعد ذلك لتدفع بالماء في عنقها نحو الأعلى ليبلغ معدتها، فلا تزال سراً.  يقترح بحث أُجري أخيراً أن السر يكمن في أداة بسيطة تدعى مضخة بكباس (plunger pump).
كان فيليب بندر السنة الماضية في منتزه إيتوشا الوطني في ناميبيا. كان يجلس في حافلة للسياح، مراقباً زرافة تشرب الماء من بركة قريبة.

يخبر: {فكرت: هذا أمر مذهل وغريب! لا شك في أن نقل الماء صعوداً عبر هذا العنق الطويل ليس سهلاً}.

بندر عالم فيزياء في جامعة هاواي بهيلو يدرس الحركيات غير الخطية ونظرية الفوضى وقلما يشاهد زرافات. ولكن خلال إجازة في جامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، لم يستطع أن يخرج صورة الزرافة العطشى من رأسه.

يقول: {يتمتع علماء الفيزياء غالباً بفضول طفولي ويرغبون في معرفة الأسباب وراء ما يحدث. أردت فحسب أن أفهم كيف تشرب الزرافة. كان هدفي من المسألة برمتها المتعة لا أكثر}.

طلب بندر مساعدة دايل تايلر، عالم فيزياء من جامعة كيب تاون. فبدأ العالِمان بجمع المعلومات عن الزرافة (طول العنق، قدرة المريء، وطول فترة الشرب) والبحث عن الآليات المحتملة وراء هذا السلوك.

فكر الباحثان في البداية في أن هذا الحيوان يستخدم على الأرجح عنقه الطويل كقشة شرب بطول 2.43 متر، مخفضاً ضغط الهواء في المريء والمعدة، ما يسمح بالتالي للضغط الجوي بدفع الماء إلى داخل المريء. لكنهما تخليا عن هذه الفكرة بعد أن أظهرت حساباتهما أن الزرافة عاجزة على الأرجح عن توليد اختلاف الضغط الضروري لرفع الماء من شفتيها إلى كتفيها.

أرشدهما دليلان بعد ذلك إلى المضخة بكباس، هما: كتاب دراسي خاص بالطب البيطري يعود إلى عام 1890 ويذكر أن مجترات مثل البقر والغنم تستخدم لسانها ككباس لضخ الماء في مريئها، ولقطة فيديو على موقع YouTube تُظهر عن كثب زرافة في حديقة حيوانات فينكس في أريزونا وهي تشرب بطريقة تشبه المضخة.

تستخدم المضخة بكباس عادة دفعة أولى لإدخال الماء أو أي سوائل أخرى إلى تجويف عبر صمام، ثم تلجأ إلى دفعة ثانية لتُدخل السائل مجدداً عبر صمام ثانٍ. وتُستعمل هذه المجموعة الواسعة من المضخات في معالجة مياه الصرف الصحي وقطاع النفط والغاز.

ولكن أين تخزّن الزرافة المضخات بكباس هذه؟

في النموذج الذي اقترحه الباحثان، تشكل شفتا الزرافة صمام {المضخة} الأول، في حين يُعتبر لسان المزمار الواقع في الجهة الخلفية من الفم الصمام الثاني. فتُقحم الزرافة أولاً شفتيها المكورتين في الماء، ثم تسحب فكها إلى الخلف، ما يسمح للماء بالتدفق داخل فمها. خلال هذه الخطوة، يظل لسان المزمار مقفلاً. وتعمد الزرافة بعد ذلك إلى شد شفتيها وفتح لسان المزمار، ثم تدفع بفكها نحو الأمام كي يتدفق الماء المحتجز إلى المريء.

تتكرر هذه الدورة، ناقلة كمية أكبر من الماء إلى المريء. وفي مرحلة ما، ترفع الزرافة رأسها، فينزل الماء إلى معدتها بفضل الجاذبية وانقباضات عضلية شبيهة بالأمواج تُعرف بالتمعج. ويتوقع الباحثان أن الزرافة تضخ الماء بسرعة 9.6 كيلومترات في الساعة. وتُعتبر هذه السرعة كافية للتفوق على الضغط الناجم عن الماء المخَزَّن في المريء ومنعه من معاودة الخروج.

بالاستناد إلى قياسات مريء الزرافة، يعتقد الباحثان أن المريء الممتلئ يستطيع أن يحمل 1.3 غالون ماء. كذلك، كشفت حسابات أخرى أن كل عملية ضخ تُرسل على الأرجح نحو 280 غراماً من الماء إلى الحلق، وأن فترة الشرب الطويلة، التي تدوم نحو 25 ثانية، تضم 17 دورة ضخ. وهكذا، تستطيع الزرافة العطشى ملء مريئها إلى أقصى حد ممكن، وفق بحث بندر وتايلور، الذي نُشر في عدد ديسمبر من مجلة The Physics Teacher.

التصوير بالأشعة

يذكر سانغهوان يونغ، عالم فيزياء حيوية من معهد فرجينيا للتكنولوجيا لم يشارك في البحث: {هذه ملاحظة ممتازة. ولكن بغية التأكد من أن هذه فعلاً الطريقة التي تشرب بها الزرافة، عليهما أن يستعينا بالتصوير بالأشعة السينية لرؤية داخل فمها}.

استعان يونغ وزملاؤه في السابق بتقنيات التصوير العالية السرعة والنماذج الهندسية بغية التحقق من طريقة شرب حيوانات أخرى مثل القطط والكلاب. يوضح الباحث أن هذه الحيوانات تعتمد إستراتيجية مختلفة، مقارنة بالزرافة وآكلات العشب مثل البقر والأحصنة. فبدل أن تضع شفتيها على سطح الماء وتفتح فمها، {تقحم الكلاب والقطط لسانها داخل الماء وتخرجه كي تشكل عمود ماء في الهواء، ثم تقضمه}.

لا شك في أن صور الأشعة السينية ستكشف الكثير من التفاصيل وتوضح ما إذا كان لسان الزارفة يؤدي دوراً في هذه العملية، وفق بندر. لكنه لا يعتقد أن كثيرين سيكونون مستعدين أو قادرين على حمل هذا الحيوان بقوائمه الطويلة على التعاون. ويضيف متسائلاً: {أي آلة تصوير تُعتبر كبيرة كفاية لأداء هذه المهمة؟».

بدلاً من ذلك، يفكر الباحث في استخدام هذه التقنية على أهداف أصغر حجماً، مثل الماغز، بغية التحقق مما إذا كانت تشرب بطريقة مشابهة. في هذه الأثناء، يقول بندر: «أعرف أن نظرتي إلى الزرافة تبدلت بشكل جذري».

يشير ديفيد أوكونر، باحث متخصص في علم الحفاظ على البيئة في حديقة حيوانات سان دييغو يدرس هذه الحيوانات المذهلة في البرية: «لطالما تساءلت عن الطريقة التي تعتمدها الزرافة لتنقل الماء في مريئها الطويل والكبير». لكنه يؤكد أن هذا واحد من ألغاز كثيرة تحيط بعالم الحيوان. ويتابع موضحاً: «لسنا واثقين حتى من أسباب تطور هذا العنق الطويل. ولم يكن الشرب السبب بالتأكيد».

* إميلي ديماركو

back to top