صباحٌ لا يستأذن الشبّاك!

نشر في 04-02-2016
آخر تحديث 04-02-2016 | 00:01
 مسفر الدوسري الصباحات تشرق من داخل قلوبنا، مخطئون الذين ينتظرونها تطل عليهم من الشبابيك، إن الذين انتظروا الشروق من وراء نوافذهم، أخطأوا جهة الشمس وأخطأوا وجهة قلوبهم في الوقت ذاته.

إن الصباحات التي تسربها الشبابيك تجلي الظلمة عن البصر، أما الصباحات التي تنبعث من القلب فتغسل بماء النور البصيرة.

صباحات الشبابيك تفاحة يقضم الغيم بعضها أحيانا وأحياناً المباني الشاهقة والغرف المغلقة، بينما صباحات القلوب هواء يتغلغل في رئتي الحجر، ولا تستطيع أن تنال منه الأسوار مقدار شعاع مهما تمادت في العلو!

صباحات الشبابيك صنيعة شمس واحدة قابلة للكسوف وسماء واحدة قد يحجبها سقف، أما صباحات القلوب فنتاج شموس عدة، شمس الحب، وشمس الحق، وشمس الإيمان، وشمس العدل،.. إلخ، كلما وهنت شمس شدت من أزرها شمس أخرى، وسماوات كُثُر كلما هبطت واحدة سمت الأخرى.

الصباحات التي تأتينا من خارج الشبابيك لا تعمر مقدار يوم واحد، في حين تبقى الصباحات التي تولد في قلوبنا إلى ما شاء الإيمان بها.

لكل ما سبق أعتقد أنه من العبث الجلوس على نافذة السهر بانتظار أن تشرق الشمس، والأجدى هو أن نفتش عن الشموس داخلنا، فهي أقرب لنا وأكثر نفعاً، إلا أن ما يجعل الأمر ليس بهذه السهولة، هو أن هذه الشموس ليس لها مواقيت، بعكس تلك الشمس التي تأتينا من خلف النوافذ، والتي نحفظ عن ظهر قلب مواقيتها وندونها في "الروزنامات"، إنما الشموس التي في داخلنا نحن من يبتكر مواعيدها، وهذا ما يزيد الأمر تعقيدا، إذاً لابد أن نزيح من صدورنا أكوام الظلام التي تراكمت بفعل السنين والظروف التي مررنا بها والانكسارات والخيبات، حتى نتمكن من العثور عليها ومن ثم نعلن ميلادها.

حتى نعثر على هذه الشموس لابد من السفر في أعماقنا، وليس هناك سفر أشق من سفر المرء في ذاته، وليس هناك وعثاء أشد من امتطاء راحلة الصدق بنيّة السفر في متاهات الذات، إذ ليس يسيرا على المرء أن يمر عامداً متعمداً برسوم أحزانه ومرابع جروحه التي لطالما حاول الهرب منها، وليس هيناً عليه أن يذهب قصداً لموطن وجعه الذي سكنه في عمر مضى، وحتما ليس بالأمر السهل أن يتصور الإنسان جمرة أحرقت قلبه في الماضي حبة لؤلؤ يرغب في الحصول عليها ويجهد في انتشالها من أعماق نسيانه، إلا أنه لا خيار له غير ذلك إذا ما أراد البحث عن شموسه المختبئة في أغوار ذاته، فهو مجبر أن يتصالح أولا مع كل ما يحاول الهرب منه هناك، وأن يراه بغير العين التي رآه فيها أول مرة، ليتمكن حينها من رؤية تلك الصباحات الساكنة فيه، وتلك الشموس التي أقفلت باب الغروب في روحه، ليتمتع حينئذ بصباحات دائمة، تاركا لسواه انتظار تلك الشمس التي تهربها الشبابيك، وتحكمها سلطة النوافذ.

back to top