«ريجاتا» في المحكمة!

نشر في 01-02-2016
آخر تحديث 01-02-2016 | 00:01
 مجدي الطيب قضت محكمة جنح الدقي، برئاسة المستشار أحمد عبد الجيد، ببراءة المنتج السينمائي محمد السبكي، وحبس نجلته «رنا» سنة مع الشغل وكفالة مالية 5 آلاف جنيه وتغريمها 10 آلاف جنيه، لاتهامها بنشر مصنف يحوي صوراً خادشة للحياء، حسب البلاغ رقم 14547 لسنة 2015، الذي قدمه المحامي سمير صبري، واتهم فيه محمد حنفي متولي السبكي، ونجلته رنا محمد، بنشر صور خادشة للحياء، بفيلم «ريجاتا» وعرضها بدور السينما!

أول إشكالية تطرح نفسها في سياق هذه الأزمة أن الحكم  عاقب «المتهمة» على ما أتته وفق نص المادة 2/304 من قانون الإجراءات الجنائية، وهو ما يعني أن الرقابة على المصنفات الفنية لم تعد الجهة الوحيدة المخولة بتطبيق قانون الرقابة رقم 430 لسنة 1959 والمعدل بالقانون 38 لسنة 1992، كذلك لم يعد قانون الرقابة الوحيد المعمول به في إجازة أو حظر عرض المصنفات الفنية، ومنح تراخيص العرض العام، بل أصبحت هناك جهات أخرى تتنازع الإدارة المركزية للرقابة هذا الحق، وتتغول عليها، بدليل أن المنتجة الشابة حصلت على جميع الموافقات اللازمة لإنتاج فيلم «ريجاتا»، سواء من الرقابة على المصنفات الفنية أو النقابات الفنية، ومع هذا دانتها المحكمة في إقرار علني وصريح بازدواجية الجهات التي لها الحق في إصدار أو منع تراخيص العرض، والدعوة إلى الاحتكام لمعايير جديدة. فقد شدد الحكم على أن «حق الإبداع وإن كان من الحقوق التي كفلها الدستور إلا أن ذلك الإبداع مقيداً بالدستور الذي أورد في مادته الثانية أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع، ومن ثم فإن الإبداع لا بد من أن يكون مقيداً بما أوجبته تلك الشريعة من عدم إثارة الفتن وحسن تربية النشء»، أي أن المبدع مُطالب، وهو يصنع قطعته الفنية، بتطبيق الشريعة الإسلامية، ومراعاة المبادئ التي يعتنقها المجتمع، والعادات والتقاليد المتوارثة عبر العصور الطويلة!

المفارقة المثيرة أن البلاغ المُقدم ضد الفيلم، والحكم الصادر بسجن وتغريم منتجته، لم يطل مضمون الفيلم نفسه، بل انصبّ، على مقدمته كونها احتوت على عبارات وألفاظ خادشة للحياء، إذ أفاد مقدم البلاغ أن «البرومو»، الذي يُعد مقدمة وإعلاناً عن الفيلم، احتوى على كثير من الألفاظ البذيئة التي ترددت على ألسنة الفنانين المشاركين في العمل، بما يمثل إساءة بالغة إلى الحياء العام بخلاف إثارته للغرائز بأسلوب بذيء أبعد ما يكون عن العمل الإبداعي، وهو «ما يضع المنتج، وما أنتجه، تحت طائلة المحاسبة والعقاب لاقترافه جرائم تخدش الحياء العام، والمجاهرة بالفسق والفجور ونشر الرذيلة، فإنتاجه هذا الفيلم ونشره وعرضه ما هو إلا دعوة لممارسة الفجور والرذيلة»!

الأمر المؤكد أننا حيال واقعة فريدة، ومفارقة مثيرة، يتم فيها الحكم على منتجة فيلم بالسجن والغرامة بسبب «برومو» أو «تريللر» قيل إنه يخدش الحياء العام، وينشر الرذيلة، كما يُجاهر بالفسق، ويدعو لممارسة الفجور والرذيلة، من قبل أن يأخذ الفيلم طريقه إلى العرض العام، أي من دون أن يُشاهده أحد، وهو الأمر الذي عايشناه في واقعة إيقاف العرض العام  لفيلم «حلاوة الروح»، بقرار من المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء آنذاك، رغم موافقة المصنفات الفنية، بناءً على تقرير أرسله مجلس الأمومة والطفولة طالب فيه بمنع عرض الفيلم «حفاظًا على أخلاق الأطفال لما يحمله الفيلم من إساءات للأخلاق»، قبل أن يتبين أن أحداً من أعضاء المجلس «الموقر» لم يُشاهد الفيلم، وأن البيان اعتمد، أيضاً، على «برومو» أذيع عبر «الإنترنت». هي ظاهرة تفاقمت كثيراً في الآونة الأخيرة، ورأينا فيها مئات الأشخاص وهم يصبون اللعنات على فيلم أو يسارعون برفع دعوى قضائية ضده من دون أن يُشاهدوه، بدليل ما فعله الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر عندما طالب بمنع عرض فيلم «سالم أبو أخته» لمجرد ظهور صحيفة «صوت الأزهر» بيد بطل الفيلم محمد رجب، وهو متنكر في زي ضابط شرطة، في مشهد لم يستغرق سوى ثلاث ثوان، لكن الدكتور رأى فيه «إسقاطا يتطاول على الأزهر، ويزج به في ما لا يناسبه»، وهو ما دفع البعض للمطالبة بضرورة عرض النسخ النهائية للأفلام السينمائية على المتخصصين من رجال الأزهر لمراجعتها قبل عرضها. وانتهز بعض رجال الدين المسيحي، وعدد من النقاد أيضاً، الفرصة وطالبوا بعرض الأفلام التي تتناول الدين المسيحي على الكنيسة المصرية لإقرارها قبل عرضها!

الوضع في غاية الخطورة، بعد أن احتدم الصراع بين أكثر من جهة للظفر بحق الرقابة على الإبداع، وبعد أن كان البعض يُطالب بإلغاء الرقابة، بحجة أنها تمثل قيداً على الإبداع، وتطارد المبدعين، أدركنا أنها أكثر رحمة من رقابة دينية وأمنية تتربص بالإبداع وتكره المبدعين!

back to top