«الشتاء والإبداع»... فصل من قصائد الحنين والأمل والأشواق

نشر في 22-12-2015
آخر تحديث 22-12-2015 | 00:00
No Image Caption
 بينما يحب بعض المبدعين فصل الصيف ويفضلونه كوقت للكتابة أكثر من غيره، نجد كثيرين منهم تنهال إبداعاتهم شتاء، ولا ينشطون إلا في هذا الفصل المميز، فيكتبون أروع الروايات وأجمل القصائد والأغاني... في السطور التالية نتعرف إلى المبدعين وفصل الشتاء، ونكشف أسرار كتاباتهم وإبداعهم تحت المطر.

يأتي الشتاء حاملاً معه روائحه المميزة، ليثير فينا مشاعر توارت بين جنبات أرواحنا، ولينعش عواطفنا التي أوهنتها حرارة الصيف ولهيبه، فمع زخات المطر والأجواء الشتويه يسعد المبدعون، ويتهيأ لهم مناخ إبداعي، ويتلهفون خواطر وأفكاراً تمطر على وجدانهم.

كان أديب نوبل نجيب محفوظ يرى الشتاء فصل التألق في حياته، ويؤكد في كثير من أحاديثه وحواراته: {روحي في الشتاء تكون متألقة، وكل استعداداتي وإمكاناتي الأدبية تكون في حركة ونشاط، وهذه الحالة كانت تبدأ معي من الخريف وتستمر حتى نهاية الشتاء، ثم يجئ الربيع فتأتي معه فترة البيات الربيعي والصيفي، وأنا أحب الشتاء، فأشعر فيه بوجد، وأنجز فيه الكتابة، وأحب الدنيا فيه، وأعتبر الصيف فترة راحة إجبارية استعداداً للعمل المضني في الشتاء}.

كانت لمحفوظ سمات وطقوس خاصة للكتابة في الشتاء، فكان يحرص على الشعور بدرجة من البرودة، والتي كان يراها تلهب مخيلته، فيبقى حافي القدمين أثناء وجوده في مكتبه، وإن كان متدثراً بملابس شتوية توفر له الدفء، وأمامه أقداح القهوة الخالية من السكر، والتي اعتاد احتساءها خلال فترة كتابته، مستمتعاً بصوت أم كلثوم الذي يصدح في خلفية غرفة مكتبه، حيث كان يعكف على الكتابة ست ساعات يومية.

يفضل الكاتب يوسف القعيد الكتابة في الشتاء، ويجده فصلاً محفزاً للإبداع، خصوصاً مع اضطرار المبدعين إلى اللجوء إلى دفء المنازل هرباً من البرد، وبما تثيره مفردات الشتاء من خيال  فينطلق للكتابة تحوطه روائح أشجار البرتقال والليمون، وتظلله تلك السماء الملبدة بالغيوم .

تحب الكاتبة الصحافية عبلة الرويني الشتاء، وتراه أقرب الفصول إلى روح المبدعين اللذين يشتاقون فيه إلى الألوان المبهجة وزهور الربيع، فتلتهب مخيلتهم وهم يعبرون عن صور الجمال التي يحنون إليها، فتنتج كتابات شعرية أو روائية مليئة بالعاطفة والحب والحنين، فالشتاء يشعل نار الإبداع، وتقول: {قاس الباحثون السعادة ما بين الصيف والشتاء، فوجدوا أنها أكثر كثيرا في الشتاء}.

يعترف الروائي والكاتب أشرف العشماوي بأنه ممن يفضلون الشتاء في الكتابة عن الصيف، وهو يخصص شهري يوليو وأغسطس للقراءة، ويبتعد عن الكتابة فيهما فيقول: {قد نجد أساساً لما يقال عن أن الإبداع يتوهج في الشتاء أكثر منه في الصيف، لكنني أرى أنه انطباع أقرب إلى الحقيقة أو على الأقل هذا ما أشعر به، فالشتاء ملهم بغيومه، وتقلباته، وبرودته، ربما الحركة به أكثر، واليوم ينقضي أسرع قد يكون هذا أقرب إلى حال الرواية. لكن عموماً مزاجي ينصلح في الشتاء، وأبدو أكثر انتعاشاً وحماسة عن الصيف الذي أميل فيه إلى الخمول والكسل}.

أما الكاتبة الشابة لمياء السعيد فتعشق الكتابة بالشتاء، حيث الهدوء سمة الأجواء الأساسية بعيداً عن الضجيج الذي يميز الصيف، ويرتبط الشتاء في مخيلتها بذكريات الطفولة وألوان قوس قزح الذي كان يزين السماء المغسولة عقب الأمطار الشتوية الباردة. تقول: {كنت دائماً أسافر بخيالي إلى أطراف قوس قزح، فأحلم أنني أسبح في ألوانه، وأسافر إلى طرفيه، وأتمسك به، فهو أول ما حفز لديَّ الخيال للكتابة، كذلك أفضل في الشتاء زيارة الأماكن التي أكتب عنها}.

لا ترتبط العملية الإبداعية لدى الكاتبة مي أشرف حمدي بزمن ما أو مكان محددين بل ترتبط بحالتها الذهنية والنفسية أكثر، وفي هذا الإطار فإنها تعشق نسمات ليالي الصيف، ودفء صباحات الشتاء، وتجد في كل منهما سحراً خاصاً وإن كانت أكثر ميلاً إلى مراحل الانتقال بين الفصول، خصوصاً الخريف، فهي {سبتمبرية} المولد والهوى. تقول: {لا أنكر أن شتاء الإسكندرية يحرك في نفسي الرغبة في الكتابة أكثر من أي أمر آخر، هذا الجو الساحر وتعابيره الفنية الربانية الساحرة، بأصوات الرعد الهادرة وأضواء البرق الخاطفة، وغمائم الأمطار، وسحبه الرمادية الداكنة}.

الشاعر محمد الحمامصي يجذبه هدوء الشتاء، ورقيه مقارنة بصخب وعصبية وازدحام  فصل الصيف، فارتفاع درجة الحرارة تؤثر بالسلب على إنتاجية الإنسان الذي يشعر بالتعب والوهن والضيق، فما بالك بنفسية المبدعين الذين يتأثرون بالظروف المحيطة، لذا فالشتاء يوفر لهم الوقت والجو المناسب للإبداع.

يربط الشاعر وأستاذ الأدب العربي محمد عبدالله بين الذائقة الشعرية والفصول الأربعة، فيرى أن جو الشتاء البارد بما يسببه من قلة حركة وانعزال اجتماعي يولد نوعا من المزاج الحزين لدى الشعراء، فتظهر مسحة الحزن على القصائد المكتوبة شتاء مقارنة بنظيرتها المكتوبة في فصل الصيف، ويرى أن الشتاء هو فصل الرومانسية والحب وتدفق المشاعر.

قصائد شتوية

يحضر الشتاء بشدة في معظم قصائد شعراء العربية باعتباره مصدرا لإلهامهم، وتضم صوراً شعرية تثير الخيال بما فيها من مشاهد المطر، والأشجار التي تتعرى من أوراقها، وطقطقة الأخشاب التي تحرق في المدافئ لتبعث الدفء في العروق.

كان الشتاء يبعث الحزن في نفس الشاعر نزار قباني، ويدفعه إلى البكاء على دفاتر أشعاره، فيقول في قصيدته حقائب البكاء:

وكذلك يثير الشتاء في نفس الشاعر السوري محمد الماغوط لوعة العشق والهجر، ويذكره بحبيبته الراحلة وطفولته البعيدة:

إذا أتى الشتاء

وحركت رياحه ستائري

أحس يا صديقتي

بحاجة إلى البكاء

على ذراعي

على دفاتري

بيتنا الذي كان يقطن على صفحة النهر

ومن سقفه الأصيل والزنبق الأحمر

هجرته يا ليلى وتركت طفولتي القصيرة

تذبل في الطرقات الخاوية كسحابة من الورد والغبار

فغدا يتساقط الشتاء في قلبي

مطر مطر مطر

سيعشب العراق بألم

في كل قطرة من المطر

حمراء أو صفراء من أجنة الزهر.

back to top