إعادة بناء الحياة بعد الانفصال

نشر في 02-12-2015 | 00:01
آخر تحديث 02-12-2015 | 00:01
No Image Caption
يختبر جميع الناس خيبات عاطفية على مر حياتهم. ينجح البعض في النهوض والمضي قدماً بينما يدوم الحزن مدى الحياة بالنسبة إلى البعض الآخر! للخروج من هذه الحالة، يجب وضع حد لهذه القصة العاطفية أولاً للتمكن من النظر إلى المستقبل.
سواء اختبرنا تجربة الطلاق أو الانفصال، يجب أن نتقبل المعاناة والغضب ونستوعب المشاعر المتداخلة التي تنبثق منا وننهي كل ما يرتبط بالعلاقة التي سببت هذا الألم كله. لاستعادة التوازن المنشود، يجب أن نحلل جميع الخطوات النفسية التي تلي انهيار العلاقة الثنائية: الإنكار، الغضب، الشعور بالذنب، الخوف من الوحدة، تجديد الثقة بالنفس والانفتاح على الآخرين...

إنها فرصة لإجراء تقييم عاطفي وإدراك الجوانب المظلمة فينا وتسليط الضوء على تطلعاتنا وقدراتنا. إنها دعوة إلى تغيير الذات، بغض النظر عن الظروف. إنها مرحلة انتقالية وهي تمهد للتفكير وتطوير الذات. يساهم هذا العمل البشري الملموس في تحديد القواعد التي تزيد قوة الشخصية وتوسع هامش الحرية وتسمح بتجديد حب الذات.

{الأنا} تتلقى لطمة

عند حصول انفصال عاطفي، قد نقع في فخ خطير، لا سيما إذا لم نكن الطرف الذي قرر الانفصال، وقد نعمد إلى حرق بعض المراحل الضرورية! قد يشجعنا المقربون منا على خوض علاقات جديدة، فنحاول إيجاد شريك جديد بأسرع وقت ممكن. ثم تتجدد الخيبة في أحد الأيام فجأةً قبل أن نتمكن من تكوين رؤية موضوعية عن الحب السابق ونكتفي بالاحتفاظ بذكريات سعيدة عن تلك التجربة ونقتنع باستحالة استمرار العلاقة لأنها تسبب لنا المعاناة. سرعان ما نصبح مستعدين للحب مجدداً ونتخلص من أوهامنا ونجد ما يناسبنا فعلاً. قبل وصول هذا اليوم، لا يمكن خوض علاقة جديدة واستعادة الثقة بقدرتنا على تجاوز المحنة المؤلمة واستعادة حب الحياة ومعرفة قيمتها.

التعبير عن المشاعر

التعبير عن المشاعر هو مسار جدي، لذا يجب تخصيص الوقت له وعدم التسرع وعدم الخلط بين البداية والنهاية. يعني هذا المشروع تقبل المعاناة أيضاً وتفريغ مشاعر الغضب والكره والغيرة بدل مقاومتها، وإلا ستدوم لفترة طويلة. لكن يجب ألا نحول الشخص الذي كنا نحبه إلى عدو لنا لتجنب تغذية مشاعر الكره تجاه الماضي. بل يجب أن نجد من يدعمنا ونحول كل ما هو سلبي إلى إيجابي. بهذه الطريقة، يمكن أن نبعد نفسنا عن الحزن ونطور نظرة إيجابية عن التجربة السابقة.

للخروج من محنة الانفصال أو تجاوز علاقة حب بلا أمل، لا بد من التوقف عن إيذاء الذات وإعادة بناء الحياة ومواجهة المخاوف الداخلية وإيجاد الدعم من الجهات المناسبة بدل الاستسلام للوضع ومتابعة التذمر وملاحقة الشخص الذي تخلى عنا. الهدف الأساسي هو استعادة الثقة بالنفس والثقة بالحب. على صعيد آخر، يجب إطلاق مسار جدي يقود إلى الشفاء. لكن ثمة اختلاف طبعاً في ردود الفعل بين الرجال والنساء. يجب أن تقاوم المرأة ميلها إلى حبس نفسها داخل ألمها والتشكيك بأنوثتها والاختباء وراء مسؤولياتها تجاه أولادها ونسج أحلام تفوق قدراتها. أما الرجل، فلا يجب أن ينغمس في النزوات أو يرتبط بعلاقات سريعة أو يسمح لوضعه بالتأثير على عمله.

مرحلة {حداد} حقيقية

لإطلاق بداية جديدة، لا بد من المرور بمرحلة {الحداد} العاطفي. حدد عدد كبير من علماء النفس مختلف المراحل:

·    الإنكار: إنها المرحلة التي ننكر فيها حصول الانفصال ونرفض الاقتناع بأن العلاقة انتهت بالكامل، فيبقى الأمل موجوداً بتجديد العلاقة مع الحبيب.

• الغضب: نقيس في هذه المرحلة عواقب الخسارة التي عشناها.

• تحميل المسؤولية: نحاول في هذه الفترة تحديد الجهة المسؤولة عما حصل ونميل إلى إلقاء اللوم على الطرف الآخر ورمي الاتهامات ضده.

• الحزن: نعود إلى الماضي ونندم على ما خسرناه ونقتنع بأن العلاقة لن تتجدد.

• تقبل الواقع: نتقبل الأخطاء الحاصلة ونستوعب حدوث الانفصال ونصبح مستعدين للقاء شخص جديد وإعادة بناء حياتنا. في هذه المرحلة، تتغير نظرتنا إلى الشريك السابق ونشعر بالتحسن.

يحصل الحداد العاطفي على مر هذه المراحل كلها ولا يمكن حذف أي منها. يمكن أن تتداخل أو تحصل بترتيب مختلف لكن لا مفر من المرور بها.

اختبار مهم على المدى الطويل

لا مفر من تجارب الانفصال وهجر الحبيب أو التعرض للهجر. غالباً ما يكون هذا الاختبار مريعاً ولا بد من المرور بمسار كامل لإعادة بناء الذات. يجب إنهاء مرحلة المعاناة القاتمة والشكوك المدمّرة وإعلان الانفصال وانفجار المشاعر والبدء بتأمل الوضع والتعافي منه وتجديد الذات تزامناً مع معالجة مشكلة انفصال الأبوين منذ الطفولة إذا وُجدت.

يربط كل شخص عفوياً بين الانفصال والقلق أو الهشاشة والألم. نادراً ما يكون الانفصال العاطفي هادئاً مهما حاولنا التظاهر بعكس ذلك. لكن لا يمكن حصر هذه التجربة بالجوانب السلبية فحسب. قد نشعر بأننا مثيرون للشفقة فور الانفصال عن شخص مهم في حياتنا وقد نبحث أحياناً عن أعذار للطرف الآخر وتتراجع معنوياتنا عند التركيز على عيوبنا... لكن يجب أن نوقف هذه الدوامة في مرحلة معينة ونقتنع بأن الانفصال ليس مدمراً. يمكن تحويل أي تجربة إلى وضع إيجابي شرط مواجهتها بالطريقة المناسبة وتقبلها للخروج منها في نهاية المطاف.

نحو ولادة جديدة

غالباً ما يترافق الانفصال مع المعاناة والقلق والخوف، لكن هل يجب أن يكون هذا الوضع حتمياً؟ ألا يمكن أن يعني الانفصال أيضاً تغيير الحياة واختيار مصير جديد؟ يمكن أن يحررنا الانفصال العاطفي أو العائلي أو المهني وأن ينتج قوى متجددة وإبداعية!

أهم ما يجب فعله إذاً هو تجاوز اللحظات التي نشعر فيها بالعجز والفشل، ويجب أن نفهم أن الانفصال قد يمهد لولادة جديدة. ستكون هذه اللحظات الشاقة جسر عبور نحو زيادة القوة الذاتية والاغتناء الشخصي.

back to top