كيف حافظ الاقتصاد الأميركي على وتيرة التقدم؟

نشر في 28-11-2015
آخر تحديث 28-11-2015 | 00:01
No Image Caption
لا يصح أن يعتمد صندوق تقاعد على افتراض أن عوائد الاستثمار ستستمر عند وتيرتها الحالية، لأن تحقيق ذلك يعني إما حصول الأرباح على حصة عالية غير مسبوقة من الناتج المحلي الإجمالي أو هبوط الأرباح إلى مستويات متدنية غير مسبوقة.
 إيكونوميست كان  الرئيس الأسبق للولايات المتحدة تيدي روزفلت يدعو الأميركيين الى ابقاء أنظارهم على السماء وتثبيت اقدامهم على الأرض، وقد مكنت روح الإنجاز الأميركية من الحفاظ على وتيرة التقدم الاقتصادي في البلاد، ولكن الافراط في التفاؤل قد يفضي الى نتائج ضارة خاصة اذا أدى ذلك الى تقديم وعود لا يمكن تحقيقها، وإذا كانت عوائد الاستثمارات في العقود المقبلة أقل مما كانت عليه في العقود الأخيرة فإن ذلك سوف يكون وضع صناديق التقاعد ومنح الدراسات الجامعية.

وعندما تعمل خطط الراتب النهائي التقاعدية التي لا تزال سائدة في أوساط موظفي القطاع العام في الولايات المتحدة لتحديد المبالغ التي يتعين تخصيصها من أجل دفع رواتب التقاعد يتعين عليها النظر الى العوائد المتوقعة، وكلما ارتفعت التقديرات قلت المبالغ التي يجب أن يساهم الموظف بها اليوم، وبالمثل يتعين على صناديق المنح الدراسية تقدير عوائد المستقبل من أجل تحديد المبالغ التي يجب انفاقها في كل عام واذا حدثت مبالغة في تقديم المنح فإن الصناديق سوف تتعثر وتخفق.

وتفترض صناديق التقاعد العادية في الولايات المتحدة أنها سوف تكسب عوائد سنوية تصل الى 7.69 في المئة في المستقبل، بحسب الجمعية الوطنية لاداريي التقاعد، ويبدو ذلك معقولاً استناداً الى أداء الماضي، وخلال السنوات الخمس الماضية تمكنت صناديق التقاعد المتوسطة من تحقيق عوائد سنوية بلغت 9.5 في المئة كما كانت العوائد بالنسبة الى الـ 25 سنة الماضية 8.5 في المئة.

وتستخدم منح الدراسات الجامعية افتراضات مماثلة: فهي تستهدف عوائد بنسبة 7.4 في المئة بشكل وسطي وذلك بحسب الجمعية الوطنية لمديري الجامعات والكليات التجارية وصندوق ادارة الأصول المعروف باسم "كومونفند".

ولكن كما يقال، فإن أداء الماضي لا يعتبر دليلاً لعوائد المستقبل، وعوائد الاستثمارات تأتي من مصدرين اثنين هما أرباح الدخل ورأس المال. وشريحة الدخل هي الآن أقل كثيراً مما كانت عليه في السابق وكانت العوائد من سندات الخزينة الطويلة الأجل قبل 25 سنة أكثر من 8 في المئة، أما الآن فإن أرباح سندات الخزينة لعشر سنوات 2.3 في المئة فقط، وقد هبطت أرباح سندات الشركات بصورة ترادفية أيضا.

وضع الأسهم والسندات

وبالنسبة الى الأسهم، كانت عوائد مؤشر اس and بي 500 تبلغ 3.7 في المئة في سنة 1990 وقد هبطت الآن الى 2.1 في المئة، وتتحرك الأرباح في اتجاه معاكس للأسعار وهي متدنية لأن أسعار الأسهم والسندات ارتفعت بصورة دراماتيكية في السنوات الأخيرة، وطرح ذلك أرباحاً الى المستثمرين وعزز العوائد الاجمالية.

تعتمد مكاسب المستقبل إما على تقييمات أعلى أو على زيادة في الأرباح كما أن الأرباح تنمو في العادة بصورة تتماشى مع الوضع الاقتصادي، وقد ترتفع بشكل أسرع عندما يتعافي الاقتصاد من حالة الركود ولكن الاقتصاد الأميركي كان ينمو طوال سنوات وكانت الأرباح قريبة من المستويات العالية لفترة ما بعد الحرب على شكل حصة من الناتج المحلي الاجمالي.

وهكذا لا يصح أن يعتمد صندوق تقاعد على افتراض أن عوائد الاستثمار سوف تستمر عند وتيرتها الحالية لأن تحقيق ذلك يعني إما حصول الأرباح على حصة غير مسبوقة عالية من الناتج المحلي الاجمالي أو هبوط الأرباح الى مستويات متدنية غير مسبوقة، وبكلمات اخرى ومن أجل تطابق عوائد المستقبل مع الماضي يتعين أن تكون شروط المستقبل الاقتصادية مختلفة تماماً.

البروفسور الروي ديمسون من جامعة كمبردج وكلية لندن للدراسات التجارية هو مؤلف مشارك لدراسة حول عوائد الاستثمارات التي تغطي 23 دولة وأكثر من قرن من المعلومات، وهو يعتقد أن العوائد الحقيقية على الأجل الطويل في المستقبل بالنسبة الى الأسهم والسندات سوف تبلغ 2 إلى 2.5 في المئة، وقد طرحت أكر AQR وهي مجموعة ادارة أصول نسبة مماثلة لافتة عند 2.4 في المئة، ومن خلال الافتراض بأن النمو السنوي في الأرباح والتوزيعات عند 1.5 في المئة وفقاً للتقيمات الحالية للمحافظ سوف ينقسم بين الأسهم والسندات في حدود 60 إلى 40 فقط. وتنسحب الصيغة ذاتها على التقييمات في القرن الماضي وقد وجد أن العوائد المتوقعة في الوقت الراهن هي أقل من أي وقت مضى، كما أن الافتراض ببلوغ معدلات التضخم 2 في المئة يعني أن مثل تلك العوائد تعادل 4 إلى 4.5 في المئة، وهي تقل كثيراً عن التقديرات المستخدمة من قبل صناديق التقاعد والمنح الدراسية.

تعتبر عوائد الاستثمارات الملائمة حيوية اذا كانت صناديق التقاعد سوف تدفع بصورة كاملة، وبحسب الجمعية الوطنية لاداريي التقاعد فإن العوائد الاجمالية وهي الأموال اللازمة من أجل دفع المعونات لصناديق تقاعد القطاع العام الأميركية كانت 5.9 تريليونات دولار منذ عام 1984، ومن بين ذلك المبلغ أسهم أرباب العمل بـ 1.5 تريليون دولار والموظفون بـ 730 مليون دولار، بينما جاء القسم الأكبر البالغ 3.7 تريليونات دولار من عوائد الاستثمارات.

وعلى الرغم من ذلك فإن الولايات والحكومات المحلية لم تخصص ما يكفي لدفع مبالغ التقاعد حتى مع الافتراض بأن تقديراتها المتفائلة حول العوائد قد تحققت، وكانت آخر سنة دفعت الصناديق نصيبها الكامل المطلوب وفقاً لخططها هي 2001، وكان ذلك أقل بنسبة 10 في المئة أو أكثر في كل سنة منذ 2008، ونتيجة لذلك يقدر مركز بحوث التقاعد أن خطة التقاعد الوسطية للولاية وصندوق التقاعد المحلي كانت ممولة بنسبة 74 في المئة عند نهاية السنة الماضية، منخفضة عن سنة 2001 عندما سددت نصيبها بصورة كاملة، ويعادل ذلك عجزاً يصل الى تريليون دولار بشكل تقريبي، ومع اتساع الفجوة يتطلب الأمر المزيد من المساهمات في المستقبل، وقد ارتفعت من 6.7 في المئة من الرواتب في سنة 2001 الى 18.6 في المئة في الوقت الراهن.

الحلول الواقعية

تتمثل الحلول الواقعية لهذه الفوضى في مزيد من المساهمة من جانب أرباب العمل، أي ضرائب أعلى بكلمات اخرى، اضافة الى مساهمة أعلى من جانب الموظفين، أي خفض الرواتب أو المنافع، ولكن العديد من صناديق التقاعد يبدو أنه يأمل في تعويض النقص في العوائد عن طريق الاستثمار في أصول مختلفة مثل العقارات والأسهم الخاصة وصناديق التحوط، وقد أظهرت دراسة أجرتها شركة التأمين تاورز واتسون أن الأصول البديلة ارتفعت كنسبة من محافظ التقاعد الأميركية (العامة والخاصة) من 16 في المئة في سنة 2004 الى 29 في المئة في 2014.

هذا التنويع لم يكن ناجحاً تماماً، وقد أظهر مؤشر صندوق التحوط العالمي حتى الآن في هذه السنة وبحسب مزود المعلومات اتش اف آر هبوطاً بنسبة 2.6 في المئة، كما أن هذا المؤشر انخفض أيضاً بنسبة 0.6 في المئة في سنة 2014، وكانت العوائد الطويلة الأجل على العقارات الأميركية مشابهة تماماً لعوائد الأسهم. والعوائد المستقبلية من هذه الفئة من الأصول قد تهبط على الأرجح، وكانت الأرباح في صناديق العقارات أكثر من 8 في المئة في سنة 2000 ولكنها الآن أقل من 4 في المئة. وكانت عوائد الأجل الطويل من الأسهم الخاصة أفضل أداء ( 14 في المئة سنوياً خلال العقد الماضي ) ولكن هذه الصناعة ليست كبيرة بما يكفي من أجل استيعاب المبالغ الضخمة في أموال التقاعد، وقد وصلت مبالغ الشراء الإجمالية الى 252 مليار دولار في عام 2014، كما أن لدى صناديق التقاعد في القطاع العام كمية من الأصول تبلغ 3.2 تريليونات دولار، والاستثمار في أصول بديلة قد يمثل طريقة معقولة لتفادي المجازفة، ولكن ليس من المحتمل أن تحسن العوائد الاجمالية بقدر كبير.

ويتعين على قسم المنح الجامعية القيام بعمليات حسابية مماثلة بالنسبة الى صناديق التقاعد، واذا أراد الحفاظ على الأصول في الأجل الطويل فسوف ينبغي عليه التصرف بحذر وحكمة في افتراضاته الاستثمارية. ويقول وليم جافيز من "كومونفند" إن النجاح في هذه الطريقة يقتضي تحقيق عوائد استثمار بنسبة 7 في المئة الى 7.5 في المئة واقتطاع نقطة مئوية واحدة لتغطية النفقات ونقطتين للتضخم، ويترجم هذا الى معدلات انفاق تبلغ 4 إلى 5 في المئة سنوياً، وقد أنفقت الجامعة العادية 4.4 في المئة من منحها على نفقات التشغيل في سنة 2014.

احتمالات هبوط الإنفاق

وإذا تراجعت عوائد الاستثمار الى 4 في المئة أو 4.5 في المئة يمكن أن يهبط الانفاق الى ما بين 1 الى 1.5 في المئة من حجم الأصول، وهي نسبة نقص تعادل الثلثين، ولكن من حسن الحظ، فإن الجامعات أقل اعتماداً إلى حد كبير على عوائد الاستثمار منها على صناديق التقاعد العامة: وهي تحصل أيضاً على الأموال من الرسوم الدراسية والهدايا من المانحين، كما أن الجامعات الكبرى – التي تتجاوز أصولها المليار دولار – هي الأكثر عرضة، فهي تعتمد على منحها بنسبة 16.9 في المئة من ميزانيتها مقارنة مع 4.2 في المئة للكليات التي تقل أصولها عن 25 مليون دولار، ولكن في حالات اخرى قد لا يكون الضغط على هذا القدر من الضخامة كما يحدث في صناديق التقاعد.

وربما يتعرض مستثمرون آخرون في الأجل الطويل الى خطر أيضاً، وتعرض شركات التأمين الألمانية أدوات توفير ذات عوائد مضمونة تبلغ 3.2 في المئة وهي نسبة أعلى كثيراً من المستوى الحالي لسندات الحكومة – كما أن شركات التأمين اليابانية تضررت بشدة في حقبة التسعينيات من القرن الماضي واضطر بعضها الى التوقف عن العمل.

الجانب الجيد هو أن هذه مشكلة طويلة الأجل، والعوائد المتدنية تشبه سيارة تعاني تسرب الوقود فهي تستطيع السير لفترة قبل أن تضطر الى التوقف، أما الجانب السيئ فهو أن المستثمرين (ولاسيما رجال السياسة المسؤولين عن صناديق التقاعد العامة) وبسبب هذه المشكلة الطويلة الأجل على وجه التحديد سيشعرون بإغراء ترك مسألة حلها إلى من سوف يخلفهم، ومن شأن ذلك أن يضاعف أزمة التمويل الى حد كبير.

back to top