Truth... تراجع في وقت الشدة

نشر في 12-11-2015 | 00:01
آخر تحديث 12-11-2015 | 00:01
يُفترض أن يروي فيلم Truth قصة مجموعة من الصحافيين الأذكياء والمهرة، والواسعي الخبرة  الذين ارتكبوا خطأ جماعياً كبيراً قضى على مسيرتهم المهنية بسرعة. ولكن بدلاً من ذلك، يحوّل جيمس فاندربيلت، وهو كاتب سيناريو مميز (Zodiac

وThe Amazing Spider-Man) يقدم أول أعماله في مجال الإخراج،  هذا الفيلم إلى مبرر للأخطاء الكبيرة التي اقترفتها ماري مايبس، وهي منتجة حائزة جوائز عدة في شبكة CBS News، وفريقها من المحقيين في برنامج  60 Minutes.

قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية، في سبتمبر عام 2004، بثت شبكة CBS تقريراً قدمه دان راذير ادعى أن الرئيس جورج بوش الابن استخدم نفوذه لتخطي لائحة الانتظار الطويلة للانضمام إلى حرس تكساس الوطني عام 1968 بغية تفادي تجنيده وإرساله إلى فيتنام. كذلك ادعت هذه القصة أن رؤساء بوش زوروا سجلات الأداء الخاصة به ليغطوا إخفاق بوش في استيفاء المتطلبات الضرورية للخدمة العسكرية في هذا الحرس الوطني.

لكن رد الفعل تجاه التقرير، الذي ارتكز برمته على سلسلة من المذكرات يُفترض أن قائد بوش السابق كتبها، جاء سريعاً وعنيفاً. فما كان يجب أن يكون انتصاراً آخر لمايبس، التي كانت السباقة في نشر قصة تعرض سجناء أبو غريب خلال حرب العراق للتعذيب والإساءة الدائمين، تحول بسرعة إلى فضيحة عُرفت باسم “فضيحة راذير”. فقد ادعى النقاد والمؤسسات الإخبارية المنافسة أن هذه المذكرات الأساسية مزيفة. كان لمايبس خلاف شخصي مع بوش، وفق البيت الأبيض. في البداية، أصرت CBS وراذير على صحة هذا الخبر. ولكن خلال إعداد وثائقي آخر لتأكيد دقة المعلومات، اتضح للجميع أن التقارير المتوافرة لا تشكل دليلاً كافياً. وبدا جلياً أن مايبس وفريقها غالوا في ما قدموه.

يشكل النصف الأول من Truth، الذي استوحي من كتاب مايبس عن هذه الحادثة، نظرة مميزة إلى ما يسعى وراءه الصحافيون الاستقصائيون عندما يتناولون قصة تبدو مستحيلة، ملاحقين المصادر المترددة، مشجعين الناس على التصريح بما يملكونه من معلومات، ومدورين أحياناً الزوايا بغية الالتزام بمهلة محددة (كان على مايبس أن تسارع في نشر القصة في وقت باكر كفاية ليكون لها تأثير في الانتخابات). وكلما تناول الفيلم مهنة المراسل بدقة أكبر، نجح في الاستئثار باهتمام المشاهد. تؤدي كايت بلانشيت دور مايبس، تلك الصحافية الدقيقة العاقدة العزم التي تدرك في داخلها أنها اكتشفت خبراً مثيراً وتثق بحدسها. أما روبرت ريدفورد في دور راذير، فلا يحاول إدخال أي تعديل في مظهره (أي نوع من مؤثرات الماكياج ستلهي المشاهد)، بيد أنه يبرع في أداء صوت راذير وشخصيته على الشاشة بمهارة غريبة. ولكن في النصف الثاني من الفيلم، يسلب تحيز فاندربيلت هذا العمل قدرته على إظهار الوقائع. فيتراجع Truth في مرحلة عليه فيها أن يزداد قوة وشدة. فيصور مايبس على أنها الضحية (في أحد المشاهد، نراها تقرأ تعليقات تنتقد عملها على موقع إلكتروني محافظ، فتنهمر دموعها). في مشهد آخر، نرى إليزابيث موس من Mad Men في دور باحثة شاركت مايبس في إعداد هذه القصة. تشاهد موس توم بروكو وهو يعرض المشاكل التي شابت قصة راذير وتقول متحسرة: “هذا مهم”. على نحو مماثل، يحظى توفر غريس، باحث آخر في فريق مايبس، بمشهد يناجي فيه نفسه ويؤكد بعنف أن السبب الوحيد الذي دفع CBS إلى التراجع بشأن هذه القصة كان الضغط الذي تعرضت له كمؤسسة من مالكي الأسهم.

وفي ذروة الفيلم، حين تُرغم مايبس على الإقرار أن تقريرها لم يكن متقناً، ترد بلانشيت بخطاب مليء بالحكم يستحق جائزة أوسكار عن أن الحقيقة توضع دوماً جانباً بسبب تفاصيل تافهة، وتؤكد أن هذه تشكل بكل وضوح مثالاً لتحويل الانتباه بعيداً عن أعلى مستويات السلطة. لا شك في أن كل هذا يلائم فيلماً مؤثراً يُظهر أن الصحافة الجادة تخسر أحياناً في معركتها ضد السلطة. لكن Truth سبق أن أظهر أن التقرير لم يكن أكيداً، أن المصادر لم تكن عالية المصداقية، أن الثغرات والافتراضات كثيرة، وأن CBS لم يكن أمامها أي خيار آخر غير طرد كل المعنيين، بمن فيهم راذير. كان يجب أن يصوَّر Truth كمأساة، كقصة عن إخفاق الصحافة الكبير والمذهل وعن الوجه الآخر لفيلم Spotlight الذي يتناول تحقيق Boston Globe الحائز جائزة بولتزر عن الإساءات الجنسية داخل الكنيسة الكاثوليكية. ولكن بدلاً من ذلك، يريد Truth أن يجعل دمك يغلي. وقد نجح في ذلك، إنما ليس بالطريقة التي أرادها معدوه.

back to top