العطاء... إيجابيات كثيرة

نشر في 13-10-2015
آخر تحديث 13-10-2015 | 00:01
No Image Caption
نظن عموماً أن السخاء مرادف للعطاء. لكن ثمة جانب آخر يتسم بالسخاء نفسه لكن لا يتكلم عنه كثيرون: إنه فن التلقي بكل بساطة وتواضع. تتعدد الطرق التي يمكن استعمالها للتصرف بسخاء مع الآخرين مثل إعارة الأغراض ومسامحة الناس وتخصيص الوقت لهم والإصغاء إليهم والترحيب بهم وتلقي مبادراتهم... تتطلب هذه التصرفات كلها اتخاذ قرار واضح. يعني السخاء إدراك المبادرات الحسنة بشكل طوعي.
يعني السخاء في المقام الأول معاملة كل شخص بالطريقة التي يستحقها، أي تقديم أفضل ما لدينا له. يُعتبر العطاء بكل سعادة ومن دون توقع شيء في المقابل مؤشراً على السخاء، سواء تعلقت المبادرة بوهب المال إلى منظمة لها أهداف سامية أو تخصيص الوقت لصديق يحتاج إلى الدعم. السخاء بحد ذاته يعكس رغبة صادقة في تسهيل حياة الآخرين وجعلها أكثر سعادة.

 يشتق السخاء تلقائياً من {القلب} ومن دون الاتكال على أي حسابات مسبقة. إنها حالة نفسية ووجودية وهي تشكّل جزءاً من بناء حياة الناس وتكون عموماً منفتحة على الآخرين. يميل الأشخاص السعداء إلى التصرف بسخاء. يشتق جزء من هذا السلوك من العوامل الجينية والتربوية، لا سيما إذا اعتاد الأبناء منذ صغرهم على خدمة الغير (النهوض كي تجلس امرأة حامل أو شخص مسنّ في وسائل النقل، مساعدة الجيران...). ينتج السلوك السخي شعور السعادة ويُحدِث تغيرات لافتة لأن إعطاء الذات له تأثير إيجابي على الآخرين.

خدمة الغير ركيزة أساسية

تعكس خدمة الغير سلوكاً يترافق مع تصرفات لا تحمل أي منفعة واضحة للفرد الذي ينفذها بل إنها تفيد أشخاصاً آخرين. قد يعني هذا السلوك حمل حب مجرّد من المصالح للآخر، أي الرغبة في أن يجد الآخرون السعادة وفي العطاء غير المشروط. يمكن أن يحمل هذا المفهوم أحياناً معنى التعاطف وهو يفترض المعاملة بالمثل.

تعلّم فعل التلقي

يمكن أن نفتقر إلى السخاء إذا لم نكن نجيد التلقي، وذلك من خلال منع الآخرين من التصرف بسخاء تجاهنا. قد يكون التلقي شكلاً من أشكال السخاء: يعني قبول الهدايا تكريم الشخص الذي يقدمها لنا. قد تبدو العملية سهلة للوهلة الأولى، لكن يصعب تطبيقها غالباً. قد نشعر بأننا لا نستحق السخاء الذي يبادلنا به الآخرون في موقف معين، ما يجعلنا نرفض هذا النوع من المبادرات. كم مرة رفضنا فيها هدية أردنا قبولها لمجرّد أننا نشعر بالانزعاج إذا قبلناها؟

عدم رفض السخاء لأي سبب

إنها نصيحة ممتازة! ألا نلاحظ أحياناً أننا نجد صعوبة في تلقي الخدمات أو سماع عبارات الامتنان والإشادة أو قبول هدية غير متوقعة، إذ نشعر بأننا لا نملك ما نقدمه في المقابل؟ لتلقي ما يُقدَّم لنا بكل حرية وارتياح، لا بد من التحلي بدرجة معينة من التواضع والمرونة. لا داعي لنكون أسخياء أو نكتسب هذه الميزة. بل يجب أن نمتنع بكل بساطة عن إعاقة مبادرات السخاء الطبيعية التي تعبّر عن الروابط التي تجمع بين الناس.

الأخذ والعطاء

وفق الخبراء، يمكن تعريف فعل التلقي بسلوك الشخص الذي يحتك بالطاقة الروحية التي تنساب في داخله. هذا ما يميز الفرد الذي يدرك معنى {العطاء} في مختلف المجالات (هدايا، أموال، سلع، مجاملات، نصائح...). لتعلم التلقي، يجب أن نجيد العطاء لأن هذين السلوكين مرتبطان بشدة.

إذا كنت تجد صعوبة في التلقي، يعني ذلك على الأرجح أنك تعيش جرحاً داخلياً بسبب شعور الظلم. قد تظن أنك مجبر على تقديم الخدمة أو القيمة أو الهدية نفسها في المقابل كي تكون عادلاً، أو قد تعتبر أن من الظلم أن تتلقى الكثير وتحصل على مزايا تفوق تلك التي يتلقاها المقربون منك، أو قد لا تظن أنك تستحق ما تأخذه. ينتج هذا الموقف الداخلي انزعاجاً شديداً ويمنعك من التلقي ومن الاحتكاك بالفرح الذي يشعر به الآخر حين يعطي. وإذا كنت تظن أنك مضطر دوماً إلى العطاء، ستمنعك هذه القناعة من التحول إلى شخص معطاء بمعنى الكلمة لأنك ستنتظر شيئاً في المقابل.

تشعر فئة أخرى من الناس بأنها تأخذ دوماً بدل أن تسمح لنفسها بالتلقي والاستمتاع بما تأخذه بكل بساطة. قد ينزعج هذا النوع من الأشخاص لأنهم مجبرون على العطاء أكثر من التلقي. لكن يجب أن نستمتع بالتلقي بقدر العطاء ومن دون الشعور بالذنب أو العار. لتحقيق ذلك، يجب أن نتقبل كل ما نتلقاه، أي أن نشكر المسؤول عن أي مبادرة شخصية، حتى لو كانت الأمور التي نتلقاها لا تناسبنا أو لا تعجبنا. يمكن أن نعبّر عن تقديرنا لمبادرة الطرف الآخر بطريقة صادقة. يسمح تعلّم فعل التلقي بتحريك الطاقة الكامنة فينا، ما يساهم في إقامة توازن بين مبادرات العطاء والتلقي. لذا يجب أن نكون أسخياء مع الذات في المقام الأول من خلال إعطاء نفسنا الحق بالاستمتاع بكل ما نتلقاه.

على صعيد آخر، يشكل التلقي بكل فرح وارتياح أفضل وسيلة لرفع مستوى الطاقة وتوزيعها بين طرفَي التبادل. كل من يريد تعلّم فعل التلقي يجب أن يتذكر أنّ ما يتلقاه يشتق من مصدر داخلي لا ينضب. كلما زاد الشخص عطاءه، سيتلقى المزيد من الهبات. وحين نجيد العطاء والتلقي في آن، سنطور سلوكاً فاعلاً من شأنه أن يفتح لنا مجالات جديدة.

أهمية المبادرات الصغيرة

لا أهمية لحجم الهبات التي نقدمها أو نتلقاها، بل يجب أن يترافق السلوك السخي دوماً مع مشاعر الراحة والسعادة. أحياناً تكون المبادرات الصغيرة والبسيطة أكثر فاعلية من التصرفات البارزة والمعقدة. إذا كنا نعجز عن مساعدة العالم أجمع، يمكن القيام بخطوات بسيطة لا تكلفنا شيئاً في الحياة اليومية، ما قد ينعكس إيجاباً على حياتنا وحياة الآخرين.

قد يؤدي القيام بأعمال سخية من دون انتظار شيء في المقابل إلى تغيير الحياة بطريقة جذرية وجعلها أجمل من أي وقت مضى. إذا لم نتمكن دوماً من تقديم المال أو الوقت للآخرين، يمكن أن نقوم بأي عمل مجاني ولا شك أنه سيعطي أثراً قيّماً. نعني بذلك التصرفات اللطيفة والعفوية بكل بساطة. قد يشكّل أي سلوك ينمّ عن التضامن أو اللياقة أو اللطف مصدر مواساة كبرى للشخص الذي يتلقاه بطريقة غير متوقعة. تتعدد السلوكيات البسيطة التي يمكن أن تعطي مفعولاً كبيراً في الحياة اليومية مثل تقديم المقعد لشخص آخر في وسائل النقل العامة، أو تقديم الطعام لشخص محتاج، أو التخلي عن موقف السيارة لصالح شخص آخر... حين نفكر بالسعادة التي يمكن أن نشعر بها إذا تصرف الآخرون معنا بهذه الطريقة المؤثرة، سيسهل علينا أن نقوم بمبادرات مماثلة مع الآخرين.

يقال إن كل من لا يجيد العطاء لا يعلم حقيقة ما يخسره. لكن يجب أن نقتنع جميعاً بأن التلقي هو جزء من العطاء. لا شك أن العطاء جميل ومريح لكنّ التلقي هو شكل مدهش من السخاء أيضاً!

أمل (55 عاماً): «أتلقى بكل امتنان!»

{احتجتُ إلى سنوات عدة كي أتعلم التلقي بفرح. كانت نقطة قوتي ترتكز على العطاء باعتباره فضيلة قيّمة. لكني كنت أنزعج كثيراً حين أتلقى هبات الحياة على أنواعها.

في أحد الأيام، تجاوزتُ خوفي من تلقي المبادرات اللطيفة وتخطيتُ نوبات الهلع التي تصيبني في مواقف مماثلة وتعلّمتُ أن أشكر الناس بكل بساطة. فهمتُ ضرورة أن أرحب بأي مبادرات سخية من الآخرين وأن أفتح المجال أمام تصرفات مماثلة. اليوم، صرتُ أعطي من كل قلبي وأتلقى بكل امتنان!}.

back to top