إلى جانب مَن تقف الولايات المتحدة؟

نشر في 07-10-2015
آخر تحديث 07-10-2015 | 00:01
إذا كان هدف أوباما تأسيس ديمقراطية سلمية، ومستقرة، ومتعددة الطوائف، فإنه يحتاج إلى التزام أميركي واسع يعادل بنطاقه الحرب العراقية، أما إن لم يكن كذلك، فعلى واشنطن أن تتقبل الواقع وتتخذ بعض القرارات الصعبة، ولعل أبرزها التوقف عن معارضة الأسد والرضا بتقسيم سورية.
 واشنطن بوست نجح فلاديمير بوتين في العمل بقوة في سورية، ولا يعود ذلك إلى أنه أكثر جرأة أو حزماً من باراك أوباما، بل إلى أنه يتبع استراتيجية أكثر وضوحاً، فله حليف: حكومة الأسد، وله أعداء، مَن يعادون هذه الحكومة، وهكذا يدعم حليفه ويحارب أعداءه، في المقابل تبدو واشنطن والغرب حائرين.

إلى جانب مَن تقف الولايات المتحدة في هذا الصراع؟ ندرك مَن تعادي: نظام الرئيس بشار الأسد، وكذلك تنظيم "داعش"، الذي يشكل خصم النظام الأول، أضف إلى ذلك المجموعات المجاهدة الأخرى التي تقاتل في سورية، بما فيها جبهة النصرة وأحرار الشام، ولا ننسى مقاتلي حزب الله والقوات الإيرانية الذين يدعمون الحكومة السورية. إذاً، يعارض الغرب غالبية المجموعات المقاتلة في سورية، وهكذا يكون موقفه واضحاً من الناحية الأخلاقية، إنما غير متناسق من الناحية الاستراتيجية.

إذاً، لا تُعتبر الخطوة الروسية ذكية بقدر ما يُروَّج لها، بل تشكل جهداً يائساً لدعم أحد حلفاء الكرملين القلائل في الخارج، وقد تحول روسيا إلى "الشيطان الأكبر" في نظر كل المجاهدين حول العالم، لكن بوتين يملك على الأقل خطة متماسكة، وفي المقابل تتحالف الولايات المتحدة تحالفاً وثيقاً مع الحكومة العراقية في حربها ضد المقاتلين السنّة في البلد، إلا أنها تجد نفسها تقاتل إلى الجانب ذاته مع هؤلاء المقاتلين السنّة عبر الحدود في سورية وهم يحاريون نظام الأسد.

تدعم الولايات المتحدة بعض المجموعات: السوريين الأكراد القريبين من تركيا، والقوات المعتدلة التي يدعمها الأردن القريبة من حدوده، وعددا صغيرا من السوريين المعتدلين، ولكن إن تأملنا في المجموعات الكبرى التي تهدف إلى السيطرة على دمشق فتعارضها واشنطن كلها.

يصف كينث بولاك وبربارا والتر مقاربة الإدارة الأساسية، التي تعتبر كل القوات المقاتلة الحالية غير مناسبة بطريقة ما. فقد كتبا في Washington Quarterly: "تبني الولايات المتحدة جيشاً سورياً معارضاً جديداً. يُفترض أن يكون هذا الجيش متكاملاً وغير متحيز سياسياً وطائفياً، وعندما يصبح جاهزاً سيغزو (يحرر) الأراضي، محارباً نظام الأسد ومجموعات مجاهدة سنية مختلفة، وستكون النتيجة حكومة جديدة شاملة، فضلاً عن منح الحماية لكل الأقليات". كان من الممكن التصديق أن هذا ممكن قبل 15 سنة، ولكن بعد تجارب أفغانستان، والعراق، وليبيا، واليمن، يُعتبر هذا وهماً لا سياسة خارجية.

اقترح ديفيد بترايوس أخيراً تدخلاً عسكرياً موسعاً، فضلاً عن إقامة مناطق آمنة وربما فرض حظر جوي بغية التصدي لبراميل الأسد المتفجرة، ولكن هل تؤدي خطة مماثلة إلى إنزال الهزيمة بـ"داعش"؟ عندما وضع بترايوس استراتيجية في العراق للتصدي لأسلاف هذه المجموعة، شدد: "لا يشكل القتل أو الاعتقال وسيلة للقضاء على حركة تمرد بالغة القوة". كذلك ذكر في كتيبه الميداني لعام 2006 بشأن محاربة التمرد أن "النجاح التام" يأتي فقط "بحماية الشعب". لذلك على القادة "أن ينقلوا النشاطات الأمنية من العمليات القتالية إلى تطبيق القانون بأسرع ما يمكن".

وهنا تكمن المشكلة. يستطيع الجيش الأميركي إنزال الهزيمة بـ"داعش" بسهولة، لأن هذا التنظيم يملك أقل من 30 ألف رجل مزودين بأسلحة خفيفة، لكنها ستصبح عندئذٍ مسؤولة عن سورية، فمن يريد أن يحكم هذا البلد، وحماية شعبه، ويتمتع في الوقت عينه بالشرعية في نظر السكان المحليين؟ أخبرني مسؤول تركي بارز أخيراً: "رأيناكم وأنتم تحاولون إدارة البلدات العراقية، ولن نقترف خطأ مماثلاً".

وإذا تأملنا في عدد من تدخلات الولايات المتحدة حول العالم، يبرز عامل واحد؛ عندما تحالفت واشنطن مع قوات محلية أكثر قدرة وتتمتع بالشرعية، حققت النجاح، ولكن من دون هذه القوات المحلية، لا تحقق كل الجهود الخارجية، المساعدة، والقوة النارية، والتدريب الكثير، سواء في أفغانستان، أو العراق، أو سورية.

إن كان هدف أوباما تأسيس ديمقراطية سلمية، ومستقرة، ومتعددة الطوائف، فإنه يحتاج إلى التزام أميركي واسع يعادل بنطاقه الحرب العراقية، أما إن لم يكن كذلك، فعلى واشنطن أن تتقبل الواقع وتتخذ بعض القرارات الصعبة، ولعل أبرز هذه القرارات ما إذا كانت ستتوقف عن معارضة الأسد وما إذا كانت سترضى بتقسيم سورية.

إن كان إنزال الهزيمة بـ"داعش" بالغ الأهمية، فيجب أن يحتل إذاً أعلى قائمة أولويات الولايات المتحدة، التي ينبغي أن تتحد مع أي قوى خارجية تريد المشاركة في القتال، وإن سقط الأسد وسيطر المجاهدون على دمشق، فسيكون هذا أسوأ من بقاء الأسد، ولا يعني ذلك بالتأكيد أن نقدم الدعم للأسد، ولكن علينا أن نسمح له بإنشاء ملجأ للعلويين في سورية على غرار ما يتشكل اليوم، كذلك يؤسس الأكراد والسوريون المعتدلون مناطق آمنة خاصة بهم، وحتى لو انتهت الحرب الأهلية وظلت الدولة السورية قائمة، فلن تعاود هذه المجموعات الاختلاط مطلقاً.

عمل الغرب في سورية حتى اليوم على الجمع بين الخطاب المتشدد الذي لا يرضى بالتسوية والحد الأدنى من الجهود غير الفاعلة، ولا شك أن الهوة المتسعة بين هذين الاثنين هي ما يجعل فلاديمير بوتين يبدو ذكياً.

* فريد زكريا

back to top