الهرب من أزمة اللاجئين

نشر في 09-09-2015
آخر تحديث 09-09-2015 | 00:01
عدم قبول أناس استطاعوا الوصول إلى بلد ما صعب عاطفياً، حتى لو تم إرسالهم إلى ملاذ آمن، ولكن يجب أن يكون لدينا تعاطف مع ملايين الناس الذين ينتظرون في مخيمات اللاجئين، حيث يجب أن نعطي هؤلاء الأمل كذلك.
 بروجيكت سنديكيت  لقد تجاوز عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى حدود الاتحاد الأوروبي في يوليو الماضي مئة ألف شخص، وهذا ثالث شهر على التوالي يتم فيه تسجيل رقم قياسي جديد، وفي أسبوع واحد في أغسطس وصل 21 ألف مهاجر إلى اليونان، فقد اشتكى السياح أن إجازة الصيف التي خططوا أن يقضوها في جزيرة يونانية أصبحت الآن في وسط مخيم للاجئين.

بالطبع فإن لأزمة اللاجئين أبعاداً أخطر بكثير، ففي الأسبوع الماضي عثرت السلطات النمساوية على جثث لواحد وسبعين مهاجراً في شاحنة تم تركها بالقرب من فيينا، كما غرق أكثر من 2500 مهاجر في مياه البحر الأبيض المتوسط هذا العام، معظمهم كان يحاول العبور من شمال إفريقيا إلى إيطاليا.

إن المهاجرين الذين تمكنوا من الوصول إلى فرنسا يعيشون في خيام بالقرب من كاليه، منتظرين فرصة الوصول إلى إنكلترا، وذلك عن طريق ركوب أحد قطارات الشحن والمرور، من خلال نفق المانش، والبعض يخسرون حياتهم بسبب سقوطهم من القطارات أو تعرضهم للدهس.

ومهما يكن من أمر فإن عدد اللاجئين في أوروبا لا يزال صغيراً مقارنة ببلدان أخرى، فقد تلقت ألمانيا طلبات لجوء أكثر من أي بلد أوروبي آخر، لكن نسبة الستة لاجئين لكل ألف من السكان هي أقل من النسبة الموجودة في تركيا، والتي تصل إلى واحد وعشرين لاجئاً لكل ألف من السكان، وهي بدورها نسبة أقل بكثير من لبنان إذ تصل إلى 232 لاجئاً لكل ألف من السكان.

لقد قدرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في نهاية 2014 أن عدد الأشخاص الذين اضطروا للنزوح عن ديارهم على مستوى العالم وصل إلى 59.5 مليون شخص، وهي أعلى نسبة تم تسجيلها، ومن بين هؤلاء ينتظر 1.8 مليون قرارات تتعلق بطلبات اللجوء التي قدموها كما يعيش 19.5 مليوناً كلاجئين، والبقية أصبحوا من النازحين ضمن بلدانهم.

إن سورية وأفغانستان والصومال هي أكبر مصادر اللاجئين، لكن لاجئين آخرين كثرا يأتون من ليبيا وأريتريا وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي آسيا فإن اضطهاد أقلية الروهينغيا المسلمة في ماينمار قد ساهم في الزيادة الأخيرة في عدد اللاجئين.

ولا نستطيع أن نلوم الناس على رغبتهم في ترك بلدان تعاني النزاعات والفقر ومحاولة العثور على حياة أفضل في مكان آخر، ولو كنا في وضعهم لعملنا الشيء نفسه، ولكن لا بد أن تكون هناك طريقة أفضل للاستجابة لاحتياجاتهم.

فالقليل من المفكرين الذين يتمتعون بالجرأة يؤيدون عالما بحدود مفتوحة، حيث يجادلون بأن هذا سيعزز بشكل كبير الناتج المحلي الإجمالي العالمي ومعدل السعادة العالمية، انظر على سبيل المثال إلى http://openborders.inf، وإن مثل هذه الحجج تتجاهل النزعات المعادية للأجانب التي يتميز بها الجنس البشري، والدليل على ذلك الصعود الملحوظ في شعبية الأحزاب السياسية المتطرفة من أقصى اليمين.

لن تقوم أي حكومة في المستقبل المنظور بفتح حدودها لكل من يريد الدخول، وفي الواقع هناك تحرك في الاتجاه المعاكس، فصربيا والمجر تقومان ببناء الأسوار وذلك حتى تبقي المهاجرين خارجها، وهناك حديث عن إعادة وضع المراكز الحدودية ضمن منطقة الشنغن التي تضمن حاليا حرية الحركة بين 26 دولة أوروبية.

لكن عوضا عن إغلاق الأبواب على نفسها يتوجب على البلدان الغنية أن تعطي المزيد من الدعم للبلدان الأقل غنى، التي تدعم أعدادا ضخمة من اللاجئين: لبنان والأردن وإثيوبيا وباكستان، وهي أمثلة واضحة على ذلك، فاللاجئون الذين يعيشون بشكل آمن في بلدان تحد بلدانهم الأصلية من غير المرجح أن يحاولوا القيام برحلات خطرة إلى مناطق نائية، ومن المرجح كذلك أن يعودوا إلى أوطانهم عندما ينتهي الصراع.

فالدعم الدولي للبلدان التي تتحمل العبء الأضخم للاجئين يعتبر أمرا منطقيا من الناحية الاقتصادية، فالأردن ينفق 3000 يورو (3350 دولارا أميركيا) لدعم لاجىء واحد مدة سنة، وفي ألمانيا تصل التكلفة إلى 12 ألف يورو سنوياً، ولكن في نهاية المطاف نحن بحاجة إلى إعادة النظر في ما يعتبره الكثيرون نصا مقدسا وغير قابل للتغيير، وهو مثياق وبروتوكول الأمم المتحدة المتعلق بوضعية اللاجئين.

 إن الميثاق الذي تم الانتهاء منه سنة 1951 كان مقتصرا في البداية على الأشخاص ضمن أوروبا، والهاربين من أحداث وقعت قبل ذلك التاريخ، حيث طلب الميثاق من الدول الموقعة السماح للاجئين الذين وصلوا إلى أراضيها بالبقاء هناك بدون تمييز أو عقوبة بسبب انتهاك قوانين الهجرة، وتم تعريف اللاجئين على أنهم أولئك الأشخاص غير القادرين أو غير الراغبين في العودة إلى بلدانهم بسبب خوف مبرر من الاضطهاد على أساس "العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى مجموعة اجتماعية معينة أو بسبب رأي سياسي".

لقد أزيلت سنة 1967 القيود على التوقيت والجغرافيا؛ مما جعل الميثاق عالميا، فكان هذا العمل عملا نبيلا، ولكن لا يزال هناك سؤال رئيس بدون الإجابة عنه: لماذا يجب أن يحظى الشخص الذي يستطيع السفر إلى بلد آخر بالأولوية مقارنة بآخرين يعيشون في مخيمات اللجوء وغير قادرين على السفر؟

تتحمل الدول الغنية مسؤولية استقبال اللاجئين، حيث يتوجب على العديد منها استقبال المزيد، علما أن باستطاعتها ذلك، ولكن حين يزداد عدد الساعين إلى اللجوء يصبح من الصعوبة بمكان على المحاكم تحديد من هو اللاجئ طبقا لتعريف الميثاق، ومن المهاجر الذي تدرب جيداً ويسعى إلى حياة أفضل في بلد أكثر غنى.

ونتج عن ذلك الميثاق أيضاً صناعة جديدة، وهي صناعة لا تنطوي عادة على أي مبادئ، وأحيانا تعتبر صناعة قاتلة، وهذه الصناعة هي صناعة تهريب البشر، فلو تم إرسال أولئك الذين يطلبون اللجوء في بلد قريب إلى مخيم  آمن من الاضطهاد للاجئين، ويحظى بالدعم المالي عن طريق المساعدات من الدول الغنية فسيتم التخلص من تجارة تهريب البشر- والموت خلال الترانزيت- كما سيحدّ من وجود الحافز لدى المهاجرين الاقتصاديين للسعي إلى الحصول على اللجوء، كما ستتحمل الدول الغنية مسؤولياتها في قبول أعداد أكبر من اللاجئين من المخيمات مع الإبقاء على الرقابة عند الحدود.

ربما هذا الحل ليس هو الحل الأفضل، لكنه الأكثر عملية، وهو يبدو حلا أفضل بكثير من الفوضى والمأساة التي يواجهها العديد من اللاجئين اليوم، فعدم قبول أناس استطاعوا الوصول إلى بلد ما صعب عاطفياً، وحتى لو تم إرسالهم إلى ملاذ آمن، ولكن يجب أن يكون لدينا كذلك تعاطف مع ملايين الناس الذين ينتظرون في مخيمات اللاجئين، حيث يجب أن نعطي هؤلاء الأمل كذلك.

* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ في الأخلاقيات البيولوجية من جامعة برنستون، وأستاذ فخري في جامعة ملبورن. ألف كتباً من بينها "تحرير الحيوانات"، "الأخلاقيات العملية"، "عالم واحد"، "الحياة التي يمكن أن تنقذها"، وآخر كتبه "أفضل شيء تستطيع عمله".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top