راجية حسيب: الأدب يجعل المسلمين العرب أقرب إلى من لا يعرفهم!

نشر في 01-09-2015
آخر تحديث 01-09-2015 | 00:01
في أول رواية تكتبها راجية حسيب بعنوان {في لغة المعجزات} (In the Language of Miracles)، تخسر عائلة من الأميركيين المصريين المنتمين إلى الجيل الأول فرصة عيش «الحلم الأميركي» المزعوم. تبدأ الأحداث بعد سنة من ارتكاب ابنها الأكبر جريمة صادمة وتلاحق القصة أفراد عائلة المنشاوي بعد تلك الحادثة. وبينما يحاولون تجاوز الحزن، يضطرون إلى التكيف مع رفض يواجهونه من أصدقاء سابقين في ضواحي نيو جيرسي الراقية حيث بنوا حياة جديدة. يسعى رب الأسرة سمير إلى التصالح مع المجتمع لكن ابنه الثاني خالد يجد صعوبة في التخلص من شبح شقيقه الميت. وُلدت حسيب في مصر وتقيم في فرجينيا الغربية. تناقش في حوار  مع  {غودريدرز} المناخ الثقافي السائد بعد اعتداءات 11 سبتمبر وتتقاسم جزءاً من العوامل التي ألهمتها ودفعتها إلى كتابة رواية «في لغة المعجزات».

ما الذي ألهمكِ كتابة قصتك واختيار جريمة عنيفة لتحريك أحداث القصة؟

جئتُ إلى الولايات المتحدة قبل فترة قصيرة من اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية. وعلى مر السنوات اللاحقة، شعرتُ بالعار والذنب بسبب استغلال ديني لتبرير ذلك العمل الهمجي. أردتُ أن يقوم المسلمون بتحرك معين كي يثبتوا للعالم أن ديننا ليس عنيفاً كما يصوّره المتطرفون، لكني لم أدرك مدى تعقيد أي محاولة للتعويض عما حدث إلا عند احتدام الجدل حول المسجد في منطقة «غراوند زيرو» في عام 2010. سعيتُ إلى إيجاد فكرة لتقديم اعتذار علني على جريمة لم نرتكبها، لذا قررتُ إنشاء عالم مصغر عن اعتداءات 11 سبتمبر واستعملتُه للتعبير عما يشعر به الأميركي المسلم بعد تلك الاعتداءات. من هذا المنطلق، نشأت فكرة الرواية عن عائلة يرتكب ابنها الأكبر جريمة ويترك والديه وأشقاءه يتحملون العواقب.

بعد التوصل إلى هذه الفكرة، علمتُ أنني مضطرة إلى اختيار جريمة عنيفة غير مبررة. لكن من المؤسف أن تجد أعمال العنف التي تحركها السياسة والقناعات الإيديولوجية من يؤيدها دوماً: اتّضح ذلك بعد نشوء حركة النازيين الجدد وظهور متعاطفين مع بن لادن. في روايتي، أردتُ أن أتجنب أي جدل محتمل بشأن الجريمة العنيفة. كان يجب أن تكون الجريمة مشينة بكل وضوح كي تمثّل اعتداءات 11 سبتمبر.

 لذا بدا لي مناسباً أن أختار جريمة شخصية ومدروسة وانتقامية ضد امرأة شابة وبريئة.

حررتني تلك الجريمة أيضاً من معالجة الجوانب السياسية لاعتداءات 11 سبتمبر، ففضّلتُ التركيز على تداعياتها على المستوى الشخصي، وهو الموضوع الأصلي الذي أردتُ معالجته. سمح لي هذا الطرح أيضاً بالتحقيق بمواضيع متنوعة أخرى كنت أهتم بها مثل توقعات الناس من الجنسَين، وديناميات الأسرة، وتحديات الاغتراب، والتكيف الثقافي...

حتى لو لم تقع أي مأساة مماثلة، كتلك التي تمر بها عائلة المنشاوي، تبدو ديناميات العائلة الأميركية المنتمية إلى الجيل الأول معقدة أصلاً. ربما يستعمل الأهالي والأولاد وسائل مختلفة للتواصل ومراجع ثقافية مختلفة. كيف انعكس هذا الواقع على تطور شخصياتك؟

تلك الديناميات المعقدة هي نعمة بالنسبة إلى كل من يكتب قصة مبنية على تطور الشخصيات. تفرض علينا صراعات وتضيف طبقات من التعقيد إلى العلاقات القائمة بين الشخصيات وغالباً ما تؤثر على الأسباب التي تدفعها للتحرك. هذا ما يحصل دوماً، حتى لو لم تتمحور حبكة القصة حول حدث مأساوي.

عند إضافة مأساة إلى هذه العوامل كلها، تتضخم تلك الاختلافات بين الأهل والأولاد. جميعنا مصمَّمون للتفاعل مع أصعب الظروف بطرقٍ مرتبطة مباشرةً بثقافتنا وتقاليدنا وديننا ومؤشرات متنوعة أخرى تتعلق بطبيعة هويتنا. من الطبيعي أن يتفاعل الأهالي والأولاد بطريقة مختلفة. الفجوة بين الأجيال تجعل هذه الظاهرة أكثر وضوحاً، حتى ضمن العائلات التي لا تواجه مشكلة الهوية المختلطة. بالنسبة إلى الأميركيين من الجيل الأول، تبدو تلك الاختلافات بين الأجيال معقدة بسبب الاختلافات الثقافية التي تضاف إليها. يتكلم الأهالي والأولاد لغتين مختلفتين، حرفياً ومجازياً، لذا يتعاملون مع الحزن والألم بطرق مختلفة وغالباً ما يجدون صعوبة في التواصل للأسف. لا شك في أن تلك الاختلافات تنتج صراعات إضافية في نهاية المطاف. لذا لم يكن أخذ الاختلافات الثقافية بالاعتبار عاملاً محورياً لابتكار شخصيات صادقة فحسب، بل كان عاملاً حاسماً لتطوير حبكة الرواية أيضاً.

لماذا قررتِ بدء القصة بعد سنة على مأساة العائلة؟

أردتُ أن أؤكد عدم اهتمامي بالحدث نفسه بل بالتداعيات على المدى الطويل. لو أنني بدأتُ أحداث الرواية في فترة سابقة، كنت سأضطر إلى تقديم تفاصيل إضافية عن جريمة القتل والانتحار، أو كنت سأضطر على الأقل إلى تخصيص وقت إضافي للتحدث عن مشاعر الصدمة والحزن التي اختبرتها العائلتان، لكني لم أكن مهتمة باستكشاف هذا الجانب من القصة. بل كنت أهتم بما سيحصل لاحقاً: التعايش مع ألم دائم لا يمكن أن يزول، ومحاولة التكيف مع الحياة بعد حدث مأساوي مريع وغير قابل للتغيير.

لكن في الوقت نفسه، أردتُ أن أعطي العائلة وقتاً كافياً لاستيعاب رفض المجتمع لها وبدء التفكير بما يجب فعله للتعامل مع هذا الوضع. بدا لي مرور سنة منطقياً قبل تصوير هذا المشهد المشحون عاطفياً: لا يزال الألم حاضراً بشدة لكن يمكن التفكير في هذه المرحلة بما يجب فعله في الفترة اللاحقة.

بعد مرور أكثر من عشر سنوات على اعتداءات 11 سبتمبر، كيف تجدين المناخ الثقافي بالنسبة إلى الأميركيين العرب؟ وما هو دور الأدب في توسيع النقاش السياسي؟

للأسف، لا يزال الأميركيون العرب يحملون أعباء أحداث 11 سبتمبر المريعة. تشير «وحدة إحصاء الجرائم» في مكتب التحقيقات الفدرالي إلى أن جرائم الكره ضد المسلمين لا تزال أعلى بخمسة أضعاف مما كانت عليه قبل أحداث 11 سبتمبر. تم توثيق انعدام الثقة بالمسلمين بطريقة واضحة: وفق استطلاع أجراه «المعهد العربي الأميركي» في عام 2014، سجّل المسلمون والعرب أدنى تصنيف من بين تسع ديانات وجماعات إثنية ذكرها الاستطلاع.

المثير للاهتمام أن الاستطلاع نفسه أثبت أن الأشخاص الذين يتعرّفون على شخص عربي أو مسلم يحملون رؤية إيجابية عن هذا العرق أو الدين كله. هذا ما يوصلني إلى دور الأدب. صحيح أنني لن أدافع يوماً عن الأدب الذي تحركه أجندة سياسية (إنه هدف الحملات الدعائية)، لكني أظن أن الأدب الذي يقدمه الأميركيون العرب أو الأدب الذي يتكلم عنهم يمكن أن يجعل المسلمين العرب أقرب إلى كل من لا يعرفهم. صحيح أن نتيجة الاستطلاع الذي جرى في عام 2014 كانت مؤلمة لكنها مبررة. إذا كان الشخص لا يعرف شيئاً عن الإسلام إلا الأعمال الوحشية التي يرتكبها المتطرفون ويشاهدها على التلفزيون، من الطبيعي ألا يثق ذلك الشخص بهذا الدين. حتى لو كان هؤلاء المتطرفون لا يمثلون إلا نسبة صغيرة من المسلمين الذين يصل عددهم إلى 1.6 مليار نسمة حول العالم، لا أهمية لذلك لأنهم الأعلى صوتاً للأسف. لكن يمكن أن يرفع الأدب صوت بقية المسلمين. من خلال الأدب، يمكن أن يشاهد القراء انعدام الإنسانية بين أعضاء ثقافات وأعراق أخرى: يتراجع الخوف من الطرف الآخر عند إعطائه طابعاً إنسانياً. سيكون إيجاد قاعدة مشتركة للانتماء الإنساني خطوة أساسية لمحاربة الكره.

ما هي الخطوة المقبلة لك ككاتبة؟

سأكتب روايات إضافية! في الوقت الحاضر، أعمل على قصة يقع جزء منها في مصر والجزء الآخر في الولايات المتحدة. تدور أحداث الرواية في السنوات التي تلي الثورة المصرية في عام 2011 وتلاحق ثلاث شخصيات مختلفة جداً تتداخل قصصها قبل أن تندمج في النهاية. أتردد عموماً في مناقشة أي مشروع قيد التطوير بالتفصيل، لكني سأخبرك بما يلي: ثمة اختفاء غامض، وزواج على المحك، وشاب يتمتع بقوة مدمّرة كأي شخص فَقَد كل أمل. إنها قصة معقدة وحميمة ومشوقة. أستمتع بكل لحظة من كتابتها وآمل أن يستمتع بها القراء بالقدر نفسه.

back to top