انتحار حكومة

نشر في 28-08-2015
آخر تحديث 28-08-2015 | 00:05
إن عجز الحكومة عن توفير الموارد المالية تماما كعجز الأب الذي دفعه عجزه للانتحار، وهكذا نرى أن قصة كريم تشبه تماما قصة حكومتنا، فإذا كان والد كريم أنهى حياته بالانتحار، فهل يمكن أن تنتحر (عفوا تستقيل وترحل) حكومتنا؟ أم أن هذا دونه المستحيلات الثلاثة؟؟!
 د. محمد لطفـي قد يبدو العنوان غريبا ولكن هذا ما فرضه الخبر "القصة"، أو قصة الخبر الذي تداولته وسائل الإعلام الأسبوع الماضي.

يقول الخبر: الطفل كريم أشرف طالب بالصف الأول الإعدادي بمدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، شعر ببعض الضعف وعدم القدرة على بذل المجهود، فذهب به والده للأطباء، وتم تشخيص الحالة بسرطان الدم، وأنه يحتاج إلى علاج كيماوي، ونظرا لأن والده يعمل "نجار مسلح"، وإمكاناته المادية ضعيفة، ولإحساسه بعدم القدرة على علاج ابنه، وخوفا من أن يراه يموت أمامه ولا يستطيع عمل شيء (هكذا فكر) قرر والده الانتحار.

انتحر الوالد ولم تنته القصة، فعند مراجعة الطفل للأطباء مرة أخرى أقروا بـ"خطأ التشخيص" الأول، وأن الأمر لا يعدو عن أن يكون أنيميا من الدرجة المتوسطة (يمكن علاجها بالإكثار من تناول العسل الأسود والسبانخ مع بعض الأدوية الرخيصة). انتهت القصة.

قد يقول البعض إنها قصة عادية تتكرر أحيانا، خصوصا في دول العالم الثالث، حيث ينتشر الفقر والجهل والمرض واليأس عند المواطنين، وأنها لا تستحق التوقف عندها، لكن الحقيقة عكس ذلك، فالقصة تعكس بوضوح حال البلد وموقف الحكومة وأسلوبها في التعامل مع المواطنين، وبداية القصة بفقر الأسرة تماما كحال حكومتنا التي تشكو دائما من سوء الوضع الاقتصادي، والخسائر اليومية للبورصة وهبوط المؤشر.

 ثم كان التشخيص الخاطئ، وهو مثال حي لما تعانيه الحكومة، وليس بعيدا عنا ما حدث في الأسبوع الأول من أغسطس (أسبوع الاحتفال الكبير) وإلى الآن لا يعلم المواطن حقيقة ما تم افتتاحه؟ فهل هناك "تشخيص خاطئ" أكبر من هذا؟ ففي النهاية عجز الحكومة عن توفير الموارد المالية تماما كعجز الأب الذي دفعه عجزه للانتحار، وهكذا نرى أن قصة كريم تشبه تماما قصة حكومتنا، فإذا كان والد كريم أنهى حياته بالانتحار، فهل يمكن أن تنتحر (عفوا تستقيل وترحل) حكومتنا؟ أم أن هذا دونه المستحيلات الثلاثة؟؟!

هذه رؤية سياسية اجتماعية لقصة كريم بعيدة تماما عن المسؤولية الفعلية للحكومة حول الحادث والتزامها بالتشخيص الصحيح، وتوفير العلاج للمواطنين بعيدا عن الغش والخداع بأجهزة "الكفتة" والمخترعين الكبار من أمثال عبدالعاطي وغيره، وهذا موضوع آخر يحتاج إلى الكثير من المقالات.

***

كيف يمكن لكاتب أو إعلامي أو صحافي أن يوافق (أو يصمت) على مصادرة صحيفة أثناء طبعها أو فرمها بعد طبعها "كما نقلت وكالات الأنباء"؟ ألا يعلم السيد الرقيب (الفارم) أيا كان انتماؤه والجهة التي يتبعها أن هناك فضاء وإنترنت، وأنه ما أسهل أن يتم نشر ما يقوم بفرمه؟!

back to top