عمرو منير: تحقيق التراث الشعبي يصحِّح مسار المؤرخين

نشر في 21-08-2015
آخر تحديث 21-08-2015 | 00:01
تحقيق التراث شأن ثقافي، وإضاءة معرفية لكنوز المخطوطات، ونمط من القراءة الشعبية للتاريخ، وفي هذا الفضاء يلفت الباحث الدكتور عمرو منير إلى صعوبات عمل المحقق، ورفضه التنقيح والمصادرة، وتحقيقه نصوصاً كاملة مثل «طيف الخيال» و{الفاشوش في أحكام وحكايات قراقوش»، وأهمية الإبداع الموروث في إثراء المكتبة العربية، وغيرها من تفاصيل في الحوار التالي.

ما أسباب اهتمامك بالموروث الشعبي؟  

أتصور أن الموروث الشعبي في أحد معانيه هو نمط من القراءة الشعبية للتاريخ، ويتعلق بأمور تدور حول المجتمع الإنساني، ثقافته ونظامه الأخلاقي والقيمي، ورؤية المجتمع لذاته وللآخر. كذلك يتسم بالبساطة والتلقائية، وعادة ما يحمل «نواة تاريخية» هي في التحليل الأخير «القراءة الشعبية للتاريخ»، وهي قراءة موازية للقراءة الرسمية أو التقليدية، وتحقق المزيد من الفهم والإدراك لحقائق تاريخ أية أمة، وتصحح مسار المؤرخين والباحثين الذين يصرون على تقديم التاريخ في القوالب الجامدة.

كيف تنظر إلى تنقيح بعض كتب التراث؟

من وقت إلى آخر يتجدد الحديث عن مصادرة بعض كتب التراث العربي، رغم أنها وجدت منذ مئات السنين، ولم يحدث مرة أن قيل إن هذا الكتاب أفسد عقل جيل أو حرض على انحلال المجتمع، ولجأ كثير من المحققين إلى التنقيح، ليتعرض الكتاب إلى البتر، وتصبح عين المحقق نفسه حارساً للفضيلة وقيماً على أخلاق المجتمع.  

لماذا أعدت تحقيق كتاب «طيف الخيال»؟

يعد كتاب «طيف الخيال» لابن دانيال الموصلي «ت 710 هـ” من روائع عصر سلاطين المماليك، والمصدر الوحيد لنصوص «ظلية» تعود إلى العصور الوسطى، ومرجعاً مهما للباحثين في التاريخ والمسرح والأدب، وقد سبق تحقيقه بتصرف عام 1961، بعنوان {تمثليات خيال الظل لابن دانيال} على يد د. إبراهيم حمادة، لذلك أعدت تحقيقه كاملاً، إضافة إلى ديوانه المجهول «ديوان ابن دانيال الموصلي».  

كيف تنظر إلى القراءة الشعبية لسير الشخصيات التاريخية؟  

عندما انتهيت من تحقيق كتاب «الفاشوش في أحكام وحكايات قراقوش»، وجدت أنه أحد أهم إبداعات الجماعة الشعبية، وصور شخصية بهاء الدين قراقوش حاكم مصر نيابة عن صلاح الدين الأيوبي»، كنموذج للحاكم القاسي الذي لا يعرف الرحمة، وقد سبق للدكتور عبد اللطيف حمزة نشر الكتاب مبتورا في خمسينيات القرن الماضي، واعتمد على مخطوطتين فقط، وحذف عدداً من الحكايات الرمزية التي تلسن على هذا الحاكم، إضافة إلى وجود ألفاظ وحكايات اعتبرها خادشة للحياء العام.

كيف توافرت لك مخطوطات أخرى عن سيرة « قراقوش»؟

جمعت مخطوطات الكتاب كافة من مكتبات العالم، وصل عددها إلى سبع مخطوطات منسوبة إلى الإمام السيوطي وابن مماتي، ليخرج النص كاملا احتراماً لمبدأ الحق في المعرفة، لأننا حين حاكمنا الكتاب طوال هذه السنوات بتلك التهم الجائرة، فإننا بذلك ندين أنصع الفترات في تاريخنا الحضاري والثقافي، ومعه سندين فقهاءنا أيضاً لأنهم خاضوا في مسائل فقهية تخدش الحياء العام حين تكلموا عن الجماع والحيض والنفاس... إلخ.  

ما الصعوبات التي تواجهك كمحقق للتراث؟

محقق التراث لا يتوافر لديه المناخ البحثي الملائم، ويكفي أن ثمة من يتعامل مع الباحثين كلصوص، وفريق آخر يتربص بالكتاب التراثي بعد تحقيقه.

ومن المؤكد أن آباءنا كانوا أكثر سماحة ومرونة منا، وأكثر فهما للطبيعة البشرية وأقدر على وصف حالاتها والتعبير عنها، وحاليا يهاجم البعض كل ما هو خالد وأصيل وعملاق في تراثنا الإنساني، ويضعه في قفص الاتهام، لذلك كان قراري إعادة نشر وتحقيق التراث المهم وشرحه وتقديمه للقارئ العربي والمكتبة العربية في ثوب يستحقه.  

هل يمكن استعادة المخطوطات العربية من المراكز البحثية الأوروبية؟

دعني أقول إن مكتبات تراثية كثيرة بيعت بالكامل، وثمة صعوبة في استعادة المخطوطات الأصلية، ولكنها متوافرة للباحثين، ويمكنهم الحصول على صور منها، ولا يمكن أن نوجه اللوم إلى المراكز البحثية الأوروبية التي اهتمت بتراثنا فعلاً، أو حتى تحايلت للحصول عليه، بينما نبرئ ساحة من فرطوا في هذا التراث.

لماذا أعدت طبع بعض الكتب التي حققتها؟

ثمة أعمال قمت بتحقيقها ولاقت رواجا، ورأيت أنه من المهم طباعتها مجدداً مثل «سيرة فتوح البهنسا الغراء» أول سيرة شعبية تروي الفتح الإسلامي لمدن صعيد مصر، و{سيرة فتوح مصر المحروسة على يد سيدي عمرو بن العاص رضي الله عنه» وهي أول رواية شعبية تاريخية تروي أحداث الفتح الإسلامي لمدن الوجه البحري، و{آكام المرجان في ذكر المدائن المشهورة في كل مكان «، وهو كتاب في الأدب الجغرافي من القرن الخامس الهجري.

في سطور

د. عمرو عبد العزيز منير، كاتب وأكاديمي مصري.

عضو اتحاد كتاب مصر، واتحاد المؤرخين المصريين، والمؤرخين العرب.

عضو الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية.

نال جوائز عدة، منها جائزة تحقيق التراث الأولى 2012، من الهيئة العامة لقصور الثقافة عن كتاب “قصة فتوح البهنسا الغراء دراسة وتحقيق “، والجائزة العربية للإبداع الثقافي فرع التراث والدراسات التاريخية من “المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم” “ALECSO”  تونس 2014.  وشارك بعدد من المؤتمرات الدولية والعربية، وله كثير من الكتب والبحوث عن التاريخ الشفاهي والفولكلور.

back to top